مصر وإيران وبينهما "صندوق"

تابعنا على:   10:51 2019-05-12

عصام شيحة

قليلة هي العناوين التي تجمع بين مصر وإيران، ما يشير إلى برودة العلاقات بين البلدين على نحو بات جمعهما في موضوع واحد أمراً يصعب خروجه عن الملفات الإقليمية المُختلف عليها بينهما.ونظراً إلى الطبيعة المتشابكة والمعقَّدة للعلاقات الدولية المعاصرة؛ فإن فصلاً حقيقياً بين الاقتصاد والسياسة، بات أمراً لا يحمل منطقاً جاداً ونافعاً. وعليه؛ ربما وجدنا، بالبحث في أوضاع اقتصادي البلدين، ما يمثل الدليل المؤتمن على استخلاص المُسببات الحقيقية لخلافاتهما السياسية، وسُبل تفكيكها، أو تهدئة ما فيها من نيران خامدة تحت الرماد.

من هنا، لفت انتباهي أن صندوق النقد الدولي أصدر أخيراً تقريراً عن آفاق الاقتصاد العالمي، توقع فيه أن يبلغ معدل النمو في مصر العام المقبل (2020) نحو 5.9 في المئة. وأشار إلى أن معدل النمو العام الحالي (2019) سيبلغ 5.5 في المئة. مقابل تقدير حكومي بأن يبلغ 6 في المئة و 5.6 في المئة على التوالي.

في المقابل، يقول "الصندوق" إن الاقتصاد الإيراني انكمش العام الماضي (2018) بنسبة 3.9 في المئة، وتوقع أن يزيد الانكماش العام الحالي (2019) إلى 6 في المئة، وأن يصل معدل التضخم إلى 40 في المئة.

لا يخفى على أحد أن إيران تمتلك ثروة نفطية هائلة. وفي المقابل، نجد أن مصر عاشت طويلاً تستورد النفط ومشتقاته، وكثيراً ما نالته على سبيل هدية أو قرض من أشقائها العرب، وأخيراً بدأت تستمتع بوفر غازي، وتسعى بجدية إلى زيادة اكتشافاتها من النفط والغاز.

ونخرج من الاقتصاد إلى السياسة، لنجد الفوارق أكبر وأضخم، فإيران الثورة (1979) اكتسبت شعبية في المنطقة بدعاوى كاذبة عن عدائها لإسرائيل، عدو العرب الأول، وركبت في ذلك موجة طويلة من الرفض الشعبي والرسمي للسياسات الأميركية في المنطقة، والحال أنها كانت تُهيئ لنفسها موضعاً تتسلل منه إلى أهدافها الخبيثة بالتغلغل داخل المجتمعات العربية، وتأليب مكوناتها بعضاً على بعض، وتعميق وترسيخ "أقدام" لها تسعى إلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتمهد لسياسات تدعم الأطماع الإيرانية في بسط نفوذها على المنطقة.

لاحظ ذلك لبنان وسورية والعراق اليمن والبحرين وفلسطين المحتلة، حيث تجد بصمات واضحة لأقدام إيرانية دخيلة على المنطقة وقضاياها وهمومها. من هنا، كان اصطدام إيران بجيرانها، وسعيها إلى السلاح النووي ليس إلا لإرهابهم وتقييد طموحاتهم في مجابهة أطماعها في المنطقة. وعليه، عاش الشعب الإيراني الثري، فقيراً بعدما أنفق النظام أمواله على مغامراته في المنطقة، وسخَّر مصادر الدخل القومي الإيراني لخدمة برنامج التسليح النووي، حتى بات يتسول دعماً عراقياً لـ "حزب الله" اللبناني، "قدمه" في لبنان، بعد التأثير الكبير للعقوبات الأميركية على صادراته النفطية. وكانت أميركا أعلنت أخيراً أن العقوبات حرمت إيران من إيرادات نفطية تزيد على عشرة بلايين دولار.

أما مصر، فلم تستهدف ثورتها التي جرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011، وموجتها التصحيحية في الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013، إلا حياة كريمة حرة يستحقها الشعب المصري البطل، صاحب المخزون الحضاري الضخم، والإسهام الفريد في الحضارة الإنسانية عبر تاريخ طويل يمتد إلى آلاف السنين في عمق التاريخ.

لذلك، كان الدعم العربي الكبير لمصر، لتبني حاضراً يعبر عن تطلعات شعبها، التي عبرت عنها حناجر الثوار في ثورتي 25 يناير و30 يونيو على التوالي. ولم تركن مصر إلى ذلك، بل انخرطت في برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي كشف عن عزيمة وبأس الشعب المصري الذي أفاضت كل المؤسسات الدولية بالإشادة به كبطل حقيقي لعملية الإصلاح الاقتصادي التي قادها بشجاعة نادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي راهن على المواطن المصري، وربح رهانه.

نحن إذن أمام إشكال فكري هو جوهر ما بين الدولتين من "خصام" وفُرقة. ثورة المصريين لم تكن معنية إلا بالوطن، ومستقبل أجياله، مدفوعة بشروط الحاضر. وثورة إيران لم تستهدف شعبها بقدر ما اتجهت إلى التصدير بغية مد النفوذ والهيمنة، تحركها شهوات الماضي السحيق. وما علاقات مصر المتميزة، التي تقابلها مصادمات إيران، على الساحتين الإقليمية والدولية، إلا شاهد على مكنون الثورة في كل من البلدين، صدق عليها ووثقها صندوق واحد.

* كاتب مصري.

عن الحياة اللندنية

قليلة هي العناوين التي تجمع بين مصر وإيران، ما يشير إلى برودة العلاقات بين البلدين على نحو بات جمعهما في موضوع واحد أمراً يصعب خروجه عن الملفات الإقليمية المُختلف عليها بينهما.ونظراً إلى الطبيعة المتشابكة والمعقَّدة للعلاقات الدولية المعاصرة؛ فإن فصلاً حقيقياً بين الاقتصاد والسياسة، بات أمراً لا يحمل منطقاً جاداً ونافعاً. وعليه؛ ربما وجدنا، بالبحث في أوضاع اقتصادي البلدين، ما يمثل الدليل المؤتمن على استخلاص المُسببات الحقيقية لخلافاتهما السياسية، وسُبل تفكيكها، أو تهدئة ما فيها من نيران خامدة تحت الرماد.

من هنا، لفت انتباهي أن صندوق النقد الدولي أصدر أخيراً تقريراً عن آفاق الاقتصاد العالمي، توقع فيه أن يبلغ معدل النمو في مصر العام المقبل (2020) نحو 5.9 في المئة. وأشار إلى أن معدل النمو العام الحالي (2019) سيبلغ 5.5 في المئة. مقابل تقدير حكومي بأن يبلغ 6 في المئة و 5.6 في المئة على التوالي.

في المقابل، يقول "الصندوق" إن الاقتصاد الإيراني انكمش العام الماضي (2018) بنسبة 3.9 في المئة، وتوقع أن يزيد الانكماش العام الحالي (2019) إلى 6 في المئة، وأن يصل معدل التضخم إلى 40 في المئة.

لا يخفى على أحد أن إيران تمتلك ثروة نفطية هائلة. وفي المقابل، نجد أن مصر عاشت طويلاً تستورد النفط ومشتقاته، وكثيراً ما نالته على سبيل هدية أو قرض من أشقائها العرب، وأخيراً بدأت تستمتع بوفر غازي، وتسعى بجدية إلى زيادة اكتشافاتها من النفط والغاز.

ونخرج من الاقتصاد إلى السياسة، لنجد الفوارق أكبر وأضخم، فإيران الثورة (1979) اكتسبت شعبية في المنطقة بدعاوى كاذبة عن عدائها لإسرائيل، عدو العرب الأول، وركبت في ذلك موجة طويلة من الرفض الشعبي والرسمي للسياسات الأميركية في المنطقة، والحال أنها كانت تُهيئ لنفسها موضعاً تتسلل منه إلى أهدافها الخبيثة بالتغلغل داخل المجتمعات العربية، وتأليب مكوناتها بعضاً على بعض، وتعميق وترسيخ "أقدام" لها تسعى إلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتمهد لسياسات تدعم الأطماع الإيرانية في بسط نفوذها على المنطقة.

لاحظ ذلك لبنان وسورية والعراق اليمن والبحرين وفلسطين المحتلة، حيث تجد بصمات واضحة لأقدام إيرانية دخيلة على المنطقة وقضاياها وهمومها. من هنا، كان اصطدام إيران بجيرانها، وسعيها إلى السلاح النووي ليس إلا لإرهابهم وتقييد طموحاتهم في مجابهة أطماعها في المنطقة. وعليه، عاش الشعب الإيراني الثري، فقيراً بعدما أنفق النظام أمواله على مغامراته في المنطقة، وسخَّر مصادر الدخل القومي الإيراني لخدمة برنامج التسليح النووي، حتى بات يتسول دعماً عراقياً لـ "حزب الله" اللبناني، "قدمه" في لبنان، بعد التأثير الكبير للعقوبات الأميركية على صادراته النفطية. وكانت أميركا أعلنت أخيراً أن العقوبات حرمت إيران من إيرادات نفطية تزيد على عشرة بلايين دولار.

أما مصر، فلم تستهدف ثورتها التي جرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011، وموجتها التصحيحية في الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013، إلا حياة كريمة حرة يستحقها الشعب المصري البطل، صاحب المخزون الحضاري الضخم، والإسهام الفريد في الحضارة الإنسانية عبر تاريخ طويل يمتد إلى آلاف السنين في عمق التاريخ.

لذلك، كان الدعم العربي الكبير لمصر، لتبني حاضراً يعبر عن تطلعات شعبها، التي عبرت عنها حناجر الثوار في ثورتي 25 يناير و30 يونيو على التوالي. ولم تركن مصر إلى ذلك، بل انخرطت في برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي كشف عن عزيمة وبأس الشعب المصري الذي أفاضت كل المؤسسات الدولية بالإشادة به كبطل حقيقي لعملية الإصلاح الاقتصادي التي قادها بشجاعة نادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي راهن على المواطن المصري، وربح رهانه.

نحن إذن أمام إشكال فكري هو جوهر ما بين الدولتين من "خصام" وفُرقة. ثورة المصريين لم تكن معنية إلا بالوطن، ومستقبل أجياله، مدفوعة بشروط الحاضر. وثورة إيران لم تستهدف شعبها بقدر ما اتجهت إلى التصدير بغية مد النفوذ والهيمنة، تحركها شهوات الماضي السحيق. وما علاقات مصر المتميزة، التي تقابلها مصادمات إيران، على الساحتين الإقليمية والدولية، إلا شاهد على مكنون الثورة في كل من البلدين، صدق عليها ووثقها صندوق واحد.

* كاتب مصري.

عن الحياة اللندنية

كلمات دلالية

اخر الأخبار