بعد عرض عمليات الموساد

تابعنا على:   15:23 2019-05-18

د. أحمد جميل عزم

تعددت مؤخرا حالات نشر أسرار عمليات واغتيالات قام بها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، وربما يجدر تأمل لماذا يتم هذا؟ وما نتائجه؟

قبل أيام نقلت الصحافة العربية (صحيفة القدس العربي)، ترجمة مفصلة لتحقيق في صحيفة يديعوت أحرنوت، العبرية، عن عملية اغتيال الشهداء أبو يوسف النجّار، كمال عدوان، وكمال ناصر، العام 1973، في بيروت، في منطقة فردان. قبل ذلك نشرت شبكة تلفزيون “نتفلكس”، سلسلة حلقات، تضمنت، “شهادات عشرات الضباط السابقين” في الجهاز.

إذا ما قورن تحقيق يديعوت أحرنوت، وبرنامج نتفلكس، فالمشترك بينهما تركيز الاستخبارات الإسرائيلية على العنصر البشري. ولكن مع تباين، الأول (تقرير يديعوت)، يريد إظهار بهلوانيات الضباط الإسرائيليين، والثاني (نتفلكس)، عملية تدمير الإنسان الآخر العربي من الداخل.

أحد المشاركين في السلسلة التلفزيونية، يقول:

“عليك أن تجد الصدع في شخصية الآخر (العربي) وتستغلها؛ تعرف شخصا مهما في دولة أخرى، وتبدأ بالسير معه يدا بيد، وفي لحظة ما يدرك ما أصبح عليه. تعرف مثلا، عندما يقول مشيرا لعنقه بأنّها قد تُجز بسبب المعلومات المطلوبة منه. أي أنّه يعرف أنه خائن الآن”.

هذا مشهد يحكي عن عملية التغلغل في عقل ونفس البشر. وفي مشهد آخر، يقول ضابط آخر عن شخص كان يتعامل معه: “كان يطلق دخانا يغطي وجهه أثناء الحديث عن معلومات خطرة، وعندما يكاد يختفي وجهه، يقول عبارة (لست أنا من قال لك هذا)”. وهنا يريد الضابط الإسرائيلي أن يعكس نفسية من يقابله، وكيف يفهمها. وينقل عن زوجة هذا الجاسوس، قولها له، “ليس مريضا، ولكن لديه أزمة نفسية ما”. ويقول الضابط “إن لم تحدث أزمة، معنى هذا أنّه لا يعرف ماذا يفعل”.

بالمقابل في تقرير يديعوت، عن عملية 1973، يُراد الحديث عن أنّ الشخص الذي قد تقابله في الشارع، باعتباره امرأة جميلة، قد يكون ضابط استخبارات إسرائيلية. جاء في التقرير، الكثير عن عمليات التخفي والتنكر واستخدام الفتيات، وجاء مثلا عن رد فعل الشاعر والكاتب الفلسطيني، كمال ناصر أنّه عندما سمع صوت الهجوم “خرج ببندقية من طراز كلاشنكوف وأشهرها، لكن الأمور اختلطت عليه وهو يرى رجلا ومعه سيدة فكان بلحظة التردد هذه قد سدد ثمنا باهظا بحياته حيث أطلق عليه رصاص من بندقية عوزي قصيرة من تحت ثياب الجندي المنتحل شخصية امرأة”. وهنا الحديث عن “شهامة” وتردد ناصر، الذي خشي أن الرجل والمرأة ليسا إسرائيليين وأن الأمر ليس اغتيالا بل سوء فهم.

يظهر تقرير نتفلكس “الأخطبوطية”، والتأثير في كل مكان؛ فأحدهم يقول “الاستخبارات ليست أعمالا خيرية. ساعدنا جنوب السودان لنبعد 30 ألف جندي سوداني عن قناة السويس المصرية. إنها لعبة عفنة”، ويكشفون كيف تدخلوا لتفكيك السودان وإشغال جيشه، وكيف اغتالوا عربا، حتى ممن لا علاقة لهم مباشرة بالقضية الفلسطينية.

لكن تقرير نتفلكس، ذاته، ربما دون قصد، يوضح أن شخصية الإسرائيلي ليست حديدية، كما يراد أن يَظهَر من كشف العمليات. فمثلا النظر للضباط المتقاعدين حالياً، يُظهر حتى من لغة الجسد اضطرابهم، ومشكلاتهم النفسية. علامات تقدم السن عليهم، وما يبدو من هامشية دورهم الحالي، يُظهِر نوعا من “المجد الغابر” والعابر. بل يكشف مشهد شعورهم بقذارة أفعالهم. فيصف أحدهم ما كان يفعله بعد عملياته: “آخذ حماماً، لأغسل نفسي، وأتطهر”. يسأله المذيع “هل يفعل الماء ذلك؟”، فيرد “لا”.

عمليا بعد الإطلاع على عمليات “الكشف” التي يقوم بها الإسرائيليون، يمكن أن يصل المشاهد لصورة سلبية عن “قذارة” الأداء الإسرائيلي، وهو ما يضرب الصورة الإسرائيلية كلها، من جهة ثانية، وكيف أنّ جوهر المشروع الإسرائيلي، تدمير الإنسان والروح.

ما ينقص في المشهد، هو حالات الإخفاق الإسرائيلي؛ ففي تسجيل جولات أي صراع، يريد كل طرف أن يبدي “بطولاته” وإنجازاته، بينما هناك عشرات وربما مئات حالات الفشل الإسرائيلي، والاختراق المضاد العربي والفلسطيني، وعدد هائل من صمود الفلسطيني والعربي. والفشل الأكبر أنّ الصراع متواصل، وتكفي نظرة لفعاليات إحياء الذكرى 71 للنكبة، هذا الأسبوع، لتوضيح أنّ الشعب لم ينس، ولم يتأثر. وسأعود بالتفصيل لهذه الفعاليات، في مقالات لاحقة.

عن الغد الأردنية

كلمات دلالية

اخر الأخبار