القصة الليبية

تابعنا على:   14:40 2019-05-19

شادية بن ويسف

كانت أول بوادر الثورة الليبية في الخامس عشر من فبراير 2011. حينها خرج الناس بمدينة بنغازي للمطالبة بالإفراج عن محامي ضحايا "سجن بوسليم فتحي تريل".

و عندها بدأت الاصوات والشعارات ترتفع وتأخد منحا أخرا وتطالب بإسقاط النظام وإنهاء حكم معمر القذافي مما تسبب بإستخدام العنف من قبل الشرطة.

بعدها إمتدت الاحتجاجات والتظاهرات كي تشمل باقي المحافطات الليبية وسقط أول قتيل في يوم 16 فبراير 2011 في البيضاء.

هناك من يقول أن هذه الاحتجاجات ما كانت ناجمة فقط عن طلب سياسي بسيط وهو الإفراج عن محامي، في الحقيقة هذه الموجة الغاضبة كانت على إثر موجات غضب سابقة في دول الجوار والتي استطاعت الإطاحة بكل من مبارك وبن علي في مصر و تونس.

لذا فإن ما حدث في بنغازي ما كان إلا شرارة اجتاحت صدور اليبيين وفجرت الغضب المكتوم في صدورهم ولكن لم تتوقف الأمور هنا وبدأ القذافي ومن معه في السلطة، استخدام القوة وبشكل مفرط و مما دعا الثوار الي استخدام السلاح والمناشدة بدعم دولي و هكذا بدأت الحكاية.

كلنا نتذكر ما حصل؛

بدأ صراع مسلح أشبه بالحرب الأهلية وتدخلت دول في المنطقة وخارج المنطقة ورحب بعض الشيوخ بهجوم الناتو على ليبيا

وفرض حظر جوي فوق ليبيا بموجب قرار 1973 لمجلس الأمن وسقط نظام القذافي بحلول 22 أغسطس 2011 و تم قتل القذافي في 20 أكتوبر ولكن ما من نهاية لمعاناة الليبيين.

بعد الإطاحة بنظام القذافي والتخلص منه أصبح السلاح والقوة بيد أكثر من جهة وإنتهى مفهوم الدولة ولكن كيف؛

الدولة في أبسط تعريف لها هي سلطة تحتكر لنفسها إستخدام السلاح علي بقعة جغرافية محددة وتفرض القانون هناك

إذا أفرطت السلطة باستخدام السلاح تبقى كدولة ولكن تتحول إلي دولة مستبدة ولكن إذا فشلت باحتكار السلاح وتعددت الجهات الحاملة للسلاح تصبح هذه الدولة دولة فاشلة والأمثلة كثيرة كالصومال ...

و للأسف ها هو الحال في ليبيا إذا نلقي نظرة سريعة للوضع في ليبيا نرى وضعا منفلتـًا تماما في كثير من مساحات الأراضي الليبية، مع وجود عشرات الميليشيات، وحسب اخر إحصاء للأمم المتحدة هناك أكثر من 12 مليون قطعة سلاح في ليبيا أي ما يقارب قطعتين لكل فرد ليبي.

و لكن في مثل هكذا حالات ماهو الحل ؟

الحل الأمثل أن يجلس جميع الأطراف ويتم الإتفاق ويبدأوا بتشكيل حكومة مركزية قوية ويتم حصر السلاح عند جهة واحدة و فرض القانون في كل بقعة من الأراضي الليبية وعدم السماح لأي جهة أن يكون لها ميليشيات مسلحة يتم استعمالها كورقة ضغط لتمرير مشاريع خاصة ولكن وللأسف نري أن هذا الأمر وبعد كل الجهود ومرور ثمان سنوات لم يحصل والسبب واضح لأن بقاء وحياة عشرات الميليشيات المنتشرة في ليبيا مرهون بإستمرار الوضع الراهن، وهذا ما أكده المبعوث الأممي غسان سلامة، حين قال أن من العجيب جدا أن كل الأطراف (الحاكمة) في ليبيا تريد الإستمرار في الصراع وهذا ينتج صبيحة كل يوم مليونر جديد من قادة الميليشيات ورؤساء الأحزاب السياسية الحاكمة.

وجود تعدد لكل هذه المجاميع المسلحة يضيع فرصة الحل لأن هذه الجماعات لاتستطيع حتى الإتفاق في ما بينها وتتناحر يوميا وما استطاعت حكومة الوفاق الممثلة لكل هذه الميليشيات طوال 8 سنوات علی تحقيق أي نتيجه ملموسة علي أرض الواقع

إذاً في مثل هذه الحالة كيف يمكن الحل هل ستضيع ليبيا في أتون صراعات الأحزاب والميليشيات إلى أجل غير مسمى.

هنا يوجد حل اخر وهو استخدام القوة وارغام جميع الأطراف إلى الامتثال لحكم واحد وقانون واحد تحت أمر جيش واحد و احتكار السلاح بيد جهة واحدة فقط، كالولايات المتحدة مثلا التي اجبرت على استخدام القوة كي تستمر بعد الحرب العالمية الأولى.

إذاً ها نحن أمام معسكرين ... معسكر يمثله المشير حفتر وهدفه المعلن إعادة بناء الدولة الوطنية وهذا الأمر يتطلب اخذاع كل الميليشيات تحت لواء جيش واحد وتسليم أسلحتها والامتثال لقانون مدني موحد.

و المعسكر الثاني المعترف فيه دوليا ،حكومة الوفاق وكما ذكر سابقا بنهاية المطاف سلطة الوفاق لاحول لها ولا قوة وخاتمة الأمور ترجع لقيادات الميليشيات المسلحة هناك.

فرص نجاح حفتر محدودة وأمامها بعض العقبات ولكن في حال عدم حسم الأمر وفشل هجوم قواته المدعوما دوليا، ستكون فرص إعادة ليبيا كدولة مسيطرة على جغرافيتها بشكل كامل شبه مستحيل إن لم نقل مستحيل .

ولكن ما هي العقبات أمام خليفه حفتر؛

أولا الجماعات الموجودة في الغرب الليبي والعاصمة وأرجاء اخرى مستفيدة من الوضع وستقاتل حتى الرمق الأخير للحفاظ على مصالحها ووجودها.

لا ننسى أيضا أن ليس لدى حفتر وإدارته أي رؤية واضحة للتعامل مع المعارضة أو التعاون معها في مرحلة ما بعد حكومة الوفاق.

ثانيا هناك دول عوّلت على حكومة الوفاق ولديها أجندة وتحالفات وهي مستفيدة من هذا الوضع كقطر و تركيا المعارضين الأساسيين لحفتر واللتان يدعمان الإسلام السياسي أين ما كان وهناك أيضا دول اخرى كبريطانيا وإيطاليا ليست متشوقة كثيرة لحفتر ولكن بما أن المصالح هي المحرك الأساس ففي حال التأكد من الحفاظ علي مصالحهم لا يكونوا حجر عثرة أمام خليفه حفتر وترجم هذا الأمر بالإعتراضات الفاترة التي صدرت من هذه الدول.

و يوجد أيضا في المقابل دول كفرانسه وروسيا والإمارات ومصر والسعودية مؤخرا التي ترى في حفتر الشخصية الأنسب للرهان و الأوفر حظا للسيطرة على ليبيا وصمام أمان لحفظ مصالحم.

من خلال متابعة بعض الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي هناك أيضا بعض المخاوف لمفكريين في ليبيا يرون حفتر رجوع لنظام القذافي والإستبداد وفي الحقيقة هذا الكلام منطقي وهناك إحتمالية للتفرد في السلطة وهذا ما يتم الخشية منه.

إذا نحن أمام حكومة وطنية على غرار الحكومة قبل 2011 ،تستطيع بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي ولديها مؤسسات مدنية بدلا عن القبائل والميليشيات ويحكم الشعب بقوانين مدنية وليس أحكام فردية وأحزاب متطرفة تقود المجتمع الي الخلف.

إذاً هناك مخاوف في جميع الاتجاهات، إذا إنتصر حفتر سنشهد دولة قوية ولكن ستكون هناك تحديات عدة متمثلة بإمكانية حفط إستقلالية القرار الليبي وعدم السماح لإستغلال الشعب الليبي من قبل جهاة دولية وإقليمية وثانيا الحفاظ على لحمة الشعب وعدم زجه في صراعات داخلية.

و لكن وفي حال فشل جهود حفتر وإستمرار حكومة الوفاق بنفس المنهجية السابقة فمن الصعب أن نرى ليبيا كدولة قوية مجددا وهناك إحتمالية أن تصبح أرض بلا صاحب و العبء الكبير لجيرانيها والمنتجة للأزمات، ودخول الشعب الليبي بنفق مظلم تحت ظل تناحر الميليشيات والأحزاب علي فتات النفط من الشركات العالمية .

و تمنياتي لأهل ليبيا بالخير والتوفيق.

كلمات دلالية

اخر الأخبار