"المخلب" التركي

تابعنا على:   13:56 2019-06-08

محمد نورالدين

قبل أكثر من عشرة أيام بدأت القوات التركية عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال العراق في المنطقة الممتدة من الشرق، من جبال قنديل إلى حدود منطقة سنجار. وحدد وزير الدفاع خلوصي آكار هدف العملية بأنها تهدف إلى السيطرة على تلك المنطقة وبعمق أكثر من 25 كيلومتراً.

العملية بدأت بقصف مدفعي وجوي لتلك المنطقة التي تقول تركيا: إن مقاتلي حزب العمال الكردستاني يتواجدون فيها، ويتخذونها ممراً للتواصل بين جبال قنديل، حيث مقر قادة الحزب وسنجار وصولاً إلى الشمال السوري، حيث قوات الحماية الكردية التي تسيطر على منطقة شمال شرق الفرات. ومن بعد ذلك دخلت قوات تركية إلى المنطقة بهدف احتلالها.

ما هو مختلف هذه المرة في العملية عن سابقاتها منذ الثمانينات أن الجيش التركي كان ينفذ عمليات عسكرية أعمق بكثير من المخطط لها هذه المرة، ولكنه سرعان ما كان يعود أدراجه إلى الداخل التركي بعد إتمام العملية.

أما هذه المرة، فقد أعلنت أنقرة رسمياً أنها تريد البقاء في المنطقة وإقامة ثلاث قواعد عسكرية ثابتة فيها. أي أن القوات التركية لن تنسحب هذه المرة، ولا أحد يعلم كم ستبقى.

وهذا بالطبع يذكر بالعمليات السابقة في سوريا، حيث الأولى كانت «درع الفرات» التي حصلت في صيف 2016، ومن ثم عملية «غصن الزيتون» التي حصلت مطلع عام 2018، والتي احتلت القوات التركية في إثرهما المنطقة الحدودية داخل سوريا من جرابلس وأعزاز وصولاً إلى عفرين، وبعمق يصل إلى مدينة الباب وأبواب حلب، ولا تزال حتى الآن. وتركيا تحتل مباشرة على هيئة نقاط مراقبة محافظة إدلب، وتدير تحركات المسلحين أو معظمهم هناك، ويقدرون بعشرات الآلاف، وليس لهم من منفذ بري سوى الحدود مع تركيا.

العملية العسكرية التركية في شمال العراق اتخذت اسم «المخلب». ومع أن أنقرة أعلنت رسمياً عنها وعن النية في إقامة قواعد عسكرية ثابتة ودائمة لها هناك، غير أن حكومة بغداد أو أي مسؤول عراقي رفيع المستوى لم يخرج بأي تصريح يوضح موقف الحكومة من العملية، وما إذا كانت بالتنسيق مع بغداد أم أنها محطة أخرى من انتهاك تركيا للسيادة العراقية من دون أي رد فعل عراقي يرقى إلى مستوى التحديات.

والجميع يتذكر تلك الملاسنة الشهيرة والإهانة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان لا يزال رئيساً للحكومة، إلى رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بخصوص تواجد القوات التركية في منطقة بعشيقة ونقاط عسكرية أخرى في شمال العراق. وعلى الرغم من الفورة العراقية، إلا أنها بقيت في حدود الإنشاء والاحتجاج اللفظي، ولا تزال القوات التركية في بعشيقة ومناطق أخرى في العراق.

اليوم يتكرر السيناريو نفسه مع عملية «المخلب»، وهي عملية تهدف إلى نهش أجزاء من جسم حزب العمال الكردستاني، لكنها عملياً تنهش أكثر من جسم السيادة العراقية. ولا يقتصر السكوت على العملية على بغداد، بل كذلك على إدارة إقليم كردستان.

النقطة الأخرى من العملية هي عما إذا كانت مقدمة لعملية أخرى تستهدف التوسع إلى شرق المنطقة أي مهاجمة جبال قنديل نفسها، أو غرباً إلى منطقة سنجار، وكلاهما مناطق تواجد رئيسية لحزب العمال الكردستاني.

خبراء عسكريون أتراك يرجحون أن يكون الهدف التالي منطقة سنجار، لأن السيطرة على قنديل دونه صعوبات ميدانية كبيرة، بينما السيطرة على سنجار لا تؤمن فقط التخلص من عناصر الكردستاني هناك، بل أيضا التحكم بخط الإمداد الكردي من قنديل وشمال العراق إلى سوريا، وهو هدف استراتيجي مهم في لعبة عض الأصابع بين تركيا والولايات المتحدة التي تتحكم بمنطقة شرق الفرات، ويحرمها من الدعم المفتوح من جهة العراق.

وعلى الرغم من كل الأهداف المعلنة والواضحة، لكن لا يمكن أن نضع العملية خارج الرغبة التركية المزمنة في احتلال الشريط الحدودي داخل العراق وسوريا في سياق استعادة خريطة حدود «الميثاق الملي» لعام 1920 الذي كان يشمل شمال سوريا والعراق. وتركيا تستفيد من الوقت الضائع في المنطقة أي من تفاهماتها مع روسيا في ما يتعلق بسوريا، ومن ضعف وتفكك القرار المركزي في ما يتعلق بالعراق، لتمد مخالبها وتستعيد حدود الميثاق الملي عشية الذكرى المئوية لرسمه في عام 1920.

عن الخليج الإماراتية

كلمات دلالية

اخر الأخبار