لا لتجنيس الفلسطينيين

تابعنا على:   16:39 2019-06-17

محمد علي إبراهيم

رغم إيماني بأهمية السوشيال ميديا حالياً في غيبة صحافة معلومات حقيقية ومحللين قادرين على إشباع فضول القارئ والمشاهد، إلا أن تسليم العقل تماما لها غير صحى، ويخلط الغضب من الأوضاع الاقتصادية بالتشكيك، ويجد الرأي العام نفسه حائراً بين من يؤكد أن مصر لن تعطى أرضا للفلسطينيين ولكنها ستبيع الجنسية لهم ليقيموا مشروعات في سيناء ويساهموا في دفع عجلة الاستثمار وإدخال أموال للخزانة المثقلة بالديون، وآخرين يؤكدون استحالة إقامة مشروعات للأجانب في سيناء.. سوابق تاريخية وحالية تؤكد استحالة ذلك وأسرد هنا بعضا منها..

وقع د. حمدي السيد، نقيب الأطباء الأشهر، في أزمة عندما أحبت ابنته طبيباً فلسطينياً فلجأ للرئيس مبارك طالبا استثناءه من القرارات الصادرة أيام ناصر والسادات ومبارك.. كان هذا الكلام حوالى 1987.. طبيب عظيم لا يريد أن تتزوج ابنته بعيداً عن مصر.. في البداية رفض مبارك تماما.. لكن د. حمدي قال له: أنت أب.. ووقّع مبارك له بصفة استثنائية.. مرة أخرى سأل مبارك عن قطعة أرض ضخمة في سيناء عام 2006 وقال: لمن بيعت؟ فقالوا: لرجل أعمال مصري يملك فنادق ومنتجعات.. سأل عنه فاكتشف أنه يحمل الجنسية الإيطالية أيضاً فأصدر قراراً بنزع الأرض منه.. قال له الوزراء سيلجأ للتحكيم الدولى ويكسب ملايين الدولارات.. وحدث فعلا ودفعت مصر تعويضاً ضخماً لرجل الأعمال.

قرار منع الفسطينيين كان ساريا في عهدي السادات ومبارك بسبب ياسر عرفات.. الزعيم الفلسطيني الراحل اكتشف أن أبناء شعبه يحصلون على جنسيات في لبنان وسوريا ودول الخليج.. كلم محمود رياض، أمين عام الجامعة العربية (72- 1979)، طالباً صدور قرار يلزم الدول العربية بعدم تجنيس الفلسطينيين حتى لا يسقط حقهم في العودة.. باختصار شديد لو منحنا الفلسطينيين الجنسية سنكون خرقنا قرارا للجامعة العربية.. سيقول البعض أمريكا ستضغط ونحن مديونون.. لو حدث ذلك سيكون الرئيس السيسي قد ألغى أهم قرارين اتخذهما في عصره.. بعد حكم مرسى والإخوان كان الفريق أول السيسي وزيراً للدفاع وأصدر في نهاية 2012 قرارا ينص على أن المشروعات المقامة في سيناء تقتصر على حاملي الجنسية المصرية فقط دون غيرها.. لاحظ أن القرار صدر أيام حكم بديع وخيرت الشاطر.. غير أن وزير الداخلية السابق العيسوي خضع للشاطر وأصدر في أول 2013 قراراً باستثناء الفلسطينيين من قرار الجامعة العربية وقوانين السادات ومبارك وحصل بموجبه 13 ألف فلسطيني يقيمون داخل الدلتا والإسكندرية والقاهرة على الجنسية.

كانت الجهات السيادية متنبهة آنذاك إلى عدم تجنيس أي فلسطيني في سيناء.. ثم في العام الماضي صدر في جريدة «الأهرام» بصفحتها الأولى يوم 6 مايو 2018 تعديلاً أجراه وزير الدفاع السابق صدقي صبحي على قرار السيسى في 2012، وأضاف نصاً جديداً بأن تملك الأرض في سيناء مقصور على المصريين فقط ومن أبوين مصريين، والأشخاص الاعتبارية المصرية (الشركات والوزارات) المملوك رأسمالها بالكامل للمصريين.

لاحظوا أن المنطق الوحيد هو دفع مليارات الدولارات لحكومات المنطقة.. فهل سيقبل الحكام ثورة من المحيط للخليج؟.. نعم فرط العرب في حقوق كثيرة.. لكن هذه المرة سيكون الغضب عارماً ولهيباً ومدمراً.

في مؤتمر القمة العربي في سبتمبر 1970 وبعد مذابح أيلول الأسود وقبل وفاة عبدالناصر طلب من الملك حسين بشكل شخصي منح الفلسطينيين الجنسية الأردنية ووافق العاهل الهاشمي مضطرا ولكنه اشترط احتفاظهم بالهوية الفلسطينية وعدم دخول الجيش الأردني أو تقلد وظائف في المخابرات والأمن.. ثم عاد حسين في عام 1988 وفصل الضفة الغربية المحتلة بكل الفلسطينيين فيها إدارياً ومالياً عن المملكة الأردنية.

وقبل أن أنهى أقول إنه ما كان يجب على البرلمان إصدار قانون منح الجنسية للأجانب في هذا التوقيت.. كان الأفضل إصدار قانون بتسهيلات استثمارية وإعفاءات ضريبية لمدد من 5 إلى 10 سنوات وحرية تحويل الأموال والأرباح للخارج.. لكن التوقيت وعدم شرحه للرأي العام أثارا البلبلة.. وهو في رأيي قانون معيب أساء للدولة، وأتمنى أن يلغيه الرئيس السيسي.. الجنسية المصرية ليست كالجنسيات الأوروبية والتركية التي تدلل على نفسها مثل قبرص ولاتفيا والمجر.. جنسيتنا هي هويتنا وحضارتنا وثقافتنا، ولن تكون أبداً استرزاقاً أو استثماراً أو لمن يدفع.

عن المصري اليوم

كلمات دلالية

اخر الأخبار