شبح الحرب... دواء ترامب الشافي

تابعنا على:   13:36 2019-06-28

طوني خوري

منذ ان وصل ​دونالد ترامب​ الى سدة الرئاسة الاميركية في بداية العام 2017، وهو يحيّر العالم ومن حوله بفعل القرارات التي يتخذها، والتي تأتي بغالبها غير مألوفة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتحديد... الدبلوماسية. ولا يختلف اثنان على ان ترامب بات "ظاهرة" في نادي الرؤساءـ ولا يقيم معياراً لاي روابط في التعاطي المفترض لهم، ولكنه لا يزال ينجح في كسب قلوب شريحة كبيرة من الاميركيين بفعل رؤيته الاقتصادية والمالية الصرف.

ويأخذ الكثيرون على ترامب انه غير مرتقَب بقراراته، وان بعضها متهور لدرجة اثارة القلق والخوف حول ردود الفعل التي ستنشب عن هذه القرارات، ولكن حتى اليوم، بدا ان كل ما فعله الرئيس الاميركي الحالي مرّ بشكل سلسل رغم اصوات البعض التي صدحت دون ان تغيّر في الواقع شيئاً. ووسط التساؤلات عما يمكن ان يعيد ترامب الى رشده او يجعله اكثر واقعية في التعاطي مع الامور من زاوية سياسية-دبلوماسية، وليس من زاوية اقتصادية ومالية بحتة، اتى الجواب واضحاً ودون لبس: انه شبح الحرب.

هذا العنصر الغائب من قاموس الرئيس الاميركي الحالي، موجود فقط للتلويح به عند التهديد وليس لاستعماله كما بات معروفاً. فقد قفز ترامب على اكثر من مناسبة كانت الارضية فيها مهيئة لاستخدام القوّة العسكريّة التي تعتمد عليها ​الولايات المتحدة​ لاخافة اعدائها ومناوئيها، واتت المواجهة مع ​ايران​ لتثبت هذه الحقيقة الدامغة، وهي ان ترامب بعيد عن الحرب، بُعد الارض عن السماء. ان مقاربة الرئيس الحالي لاكبر دولة صاحبة نفوذ في العالم، ليست بعيدة عن الواقع، فتفكيره ينطلق من الاسس ذاتها لتفكير رجال الاعمال، هذا ما هو عليه وما لا يمكن تغييره فيه، والاقتصاد والحرب لا يمكن ان يلتقيا، لذلك فإن السلاح الوحيد الذي يتقنه هو المال، فتراه يشن حروباً اقتصادية على هذا البلد وذاك، ويكسب ود هذه الدولة او تلك وفق رغبته في سحب الاموال منها، ويعزز رصيده الداخلي من خلال الورقة الاقتصاديّة التي احسن لعبها ضمن الحدود الاميركيّة. وفيما يرضى الاميركيون بتحسين وضعهم، فإن ترامب يلبّي شرطهم الثاني الذي يفرضونه لكسب ودهم، وهو عدم ارسال اولادهم الى حروب عالميّة يعتبرون ان لا علاقة لهم بها، وهذا شرط اعتبره ترامب اكثر من عادي لانه لا يحتاج الى من يقنعه بتبنّيه بالاصل.

وفي وقت يرى الكثيرون ان الرئيس الاميركي يعيش حالياً وقتًا حرجًا جراء "النكسة" التي اصيب بها في المواجهة مع ايران، فإن الواقع يشير الى العكس لان الامور لم تنقلب عليه وهو لا يعاني من تناقص شعبيته اولاً، ولا من تخلي الحلفاء عنه ثانياً، ولا تزال قدرته على السيطرة على الامور من باب الاقتصاد، مفتوحة على مصراعيها وهو يستمر في تهديداته لايران و​الصين​ وتوقيع العقوبات الاقتصادية والمالية.

ويمكن القول ان شبح الحرب اعاد ترامب الى رشده وشكّل الدواء الشافي له، لأنّها المرة الوحيدة التي يتصرف بها هذا الرئيس بشكل واقعي ومنطقي، وبطريقة يفهمها الجميع من حوله (ما عدا بعض الاشخاص المعدودين الذين يرغبون في اندلاع الحرب)، دون ان يظهر بموضع الضعيف او العاجز، فيما يعتمد بشكل كلّي على الورقة الاقتصاديّة التي يستعملها بين الحين والآخر، وقد تشكّل هذه المعلومة الجديدة خريطة طريق للوصول الى فكر الرئيس الاميركي وفك رموز دفاعاته للوصول الى قواسم مشتركة معه.

لن تنقلب الامور بشكل دراماتيكي في التعاطي بين ترامب وبقيّة دول العالم، ولكنها ستكون دون شك اكثر وضوحاً من قبل، الى ان تبدأ التغييرات المنتظرة والمتوقعة في ​الشرق الاوسط​ والعالم وفق رؤية هجينة تأخذ من الخطة الاميركيّة ومن الوجهة الروسيّة والاوروبيّة.

عن النشرة اللبنانية

كلمات دلالية

اخر الأخبار