القصة الكاملة: فتح وإيران تحالف.. طلاق.. مصالحة

تابعنا على:   12:59 2019-07-02

صالح عوض

(إلى سيد الأشراف وقائد المجاهدين في فتح السيد محمد القدوة الحسيني “ابوعمار” دام ظله.. ) هذا نص استهل به الإمام الخميني رسالة بعث بها إلى ياسر عرفات قائد حركة فتح الذي أوفد له سنة 1964 السيد هاني فحص عالم الدين الشيعي اللبناني الى النجف الاشرف لاطلاعه على نيته بانطلاق الثورة الفلسطينية طالبا منه التأييد.. ومن المعروف ان السيد الخميني اصدر فتواه فيما بعد الى مقلديه انه يجيز صرف الخمس “وهو خمس الربح” الى ثورة الفتح.. منذ ذلك الحين انطلقت العلاقة متميزة بين حركة فتح وخط الإمام الخميني والتواصل بينهما كان مستمرا.. وبعد خمسة عشر عاما كان ياسر عرفات أول زعيم يصل الى طهران فور الانتصار مهنئا الإمام الخميني الذي رفع شعار “اليوم طهران وغدا القدس” وقطع علاقات إيران مع اسرائيل.. وقف ياسر عرفات بعد عام في جامعة بيروت العربية يحتفل بانتصار الثورة قائلا: “لا أقول تحالف ثورتين واتفاق قائدين بل أقول ثورة واحدة في خندق واحد بقيادة واحدة قيادة الإمام الخميني”.. اليوم بعد أربعين سنة من انتصار الثورة الإيرانية تبدو المسافة بعيدة بين فتح وإيران فما هي الأسباب؟ وأين الخطأ؟ وهل تستطيع التوجهات الأخيرة ان ترمم ما انهار من ثقة ومودة.

الشاه كرس العداء

كان الشاه ليس فقط حليفا لإسرائيل وصديقا للأمريكان، بل كان خطرا حقيقيا على الأمن القومي العربي كله، وكان جسر العبور للموساد الإسرائيلي يعيث فسادا في مناطق الأكراد شمالي العراق، ومهددا لوحدة العراق وأرضه ومذلا لأمراء الخليج ومتغطرسا في عتوه على المنطقة كلها، وكان الشاه كذلك محرضا بقوة ضد العرب وأهل السنة في إيران مدعيا انه يتحالف مع إسرائيل ضد آهل السنة العرب (أعداء الشيعة) وأوجد مناسبات في الميادين العامة لسب الصحابة وأهل السنة ليكرس القطيعة بين إيران والعرب كقاعدة نفسية فكرية لتحالفه مع إسرائيل والأمريكان..

فكانت دعوة الخميني على الضد من أطروحات الشاه تماما.. نادى الخميني بالوحدة بين المسلمين السنة والشيعة واعتبر ان طرح قضية الخلاف بينهما نفاقا وجريمة، وأكد الخميني أن الغرب الاستعماري عدو للأمة وان أمريكا هي الشيطان الأكبر، ونادى الخميني بضرورة فتح الحوار لرص صفوف العرب والمسلمين لاجتثاث الغدة السرطانية الكيان الصهيوني من فلسطين، واعتبر الخميني ان إي إساءة للخلفاء الراشدين وكبار الصحابة إنما هي جريمة تستوجب العقاب واستمر نضاله على هذا الطريق الى أن نفاه الشاه الى العراق في عام 1964 .. ومن هناك بدأ التفكير العملي لدى الخميني بإسقاط الشاه.. لم يتردد الخميني عن إعلان موقفه المؤيد للدول العربية التي تحارب إسرائيل لذلك كانت علاقته بمصر عبد الناصر حيوية، وهو بذلك أراد ان يكون في عمق الهم العربي على اعتبار انه عمق الهم الإسلامي.

كانت حركة فتح طليعة المقاومة العربية بعد عام النكبة الثانية 1967، وكان الفدائيون عنوانا بارزا يتجمع حوله كل الأحرار العرب والشرفاء المسلمون ومن كل أنحاء العالم.. ولم تكن حركة فتح موغلة في الايدولوجيا، فهي ليست يسارية ولا قومية، إنما هي حركة تحرر وطني حاولت ان تطرح نفس شعارات الثورة الجزائرية.. لذلك كان من السهل عليها التوسع في العلاقات مع كل من لديه استعداد لنصرتها دونما اشتراطات أيديولوجية او سياسية.. فكانت نصيرة لثورة اريتريا ولثورة جنوب إفريقيا وللثوار في أمريكا الجنوبية وكانت بيروت حيث قواعد الثورة الفلسطينية محطا لتوافد الثوار العرب والمسلمين وغيرهم.. ولقد كان حضور المتطوعين الإيرانيين بارزا في صفوف الثورة الفلسطينية وكان الشيخ رافسنجاني من المقربين جدا لياسر عرفات أثناء وجوده في بيروت وكذلك مصطفى جمران وغيره من قادة الثورة الإيرانية.. لم تتردد فتح في إيواء الثوار الإيرانيين وتقاسم لقمة الخبز معهم وتبني كل مواقفهم ضد الشاه حليف أمريكا ولعله كان من المثير دخول ياسر عرفات الى الاحتفال الذي أقيم لتأبين المفكر الإيراني علي شريعتي في جامعة بيروت العربية ليلقي كلمة ينعى فيها الشهيد الكبير.

أكثر من تحالف

ان العلاقة بين حركة فتح والثوار الإيرانيين كانت اكثر من كونها تحالفا، ولكن هنا لابد ان نسجل ميلاد حركة شيعية في لبنان حركة (أمل) بقيادة موسى الصدر والتي اسهمت حركة فتح بشكل كبير في تأسيسها وتزويدها بالسلاح وبالمدربين والمقاتلين اللبنانيين الذين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وذلك حرصا من حركة فتح على تقوية مبررات وجودها بحلفاء أقوياء على الساحة.. وأصبحت حركة امل قوة على الساحة اللبنانية أحدثت توازنا مع قوى محلية اخرى بجانب قوى الحركة الوطنية وعلى رأسهم (المرابطون).. وهنا دخل التشابك النفسي والتعقيد الطائفي الذي سنرى أثره بعد قليل.

انتصرت الثورة الإيرانية وكما قال قادة الحرس الثوري مؤخرا لقد كان ياسر عرفات هو من يهيئ لنا طرق السلاح طيلة السنوات الثلاث الأولى للثورة.

  .. اعتبر ياسر عرفات ان انتصار الثورة الإيرانية سيعجل من صنع متغيرات إستراتيجية في المنطقة، لاسيما بعد خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بعد توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد، فكان انتصار الثورة الإيرانية معوضا كبيرا عن الخسارة الحاصلة بفقدان الدور المصري..كان يرى فيها حسب قوله النور الذي سيعم المنطقة والزلزال الذي سيصل الى كل العملاء والخونة والاستعماريين.

الا ان الأمور لم تستمر كما كان الثوار يشتهون، فأشعلت امريكا الجبهتين نارا جنونية ضد الثورة الفلسطينية وضد الثورة الايرانية.. احتشد المال العربي وبإغراء او اتفاق او أوامر من قبل الأمريكان، حيث كان رامسفيلد الأمريكي يقود عملية تسويق ضرب ايران.. احتشد المال العربي خلف الجيش العراقي في حرب ضروس ضد الثورة الإيرانية .. وتم تجنيد علماء السلاطين في دول الخليج الذين لم نكن نسمع لهم صوتا يحرضون ضد الشيعة مكفرين ولاعنين وكأنهم يكتشفون الشيعة حديثا ليعطوا بذلك غطاء ومبررا لمحاربة إيران..

كانت أمريكا إذ ذاك تعاني من أزمة رهائنها الدبلوماسيين وضباط “السي أي ايه” في طهران. وتحرك القادة الفلسطينيون للتوسط من اجل الرهائن ومن اجل ايقاف الحرب.. استجاب الإيرانيون للفلسطينيين وأفرجوا عن النساء والأمريكان السود.. ولكن مع تكرار طلب القادة الفلسطينيين للتوسط استاء الإيرانيون الذين ابلغوا الفلسطينيين انهم يريدونهم حلفاء وليس وسطاء..

وكان حرص الفلسطينيين ان تظل الثورة الإيرانية بعيدة عن الاستنزاف لاسيما وكل شيء في البلد منهار.. ذلك لإدراكهم أن ايران المعافاة هي التي تستطيع الوقوف مع الثورة الفلسطينية في مواجهة التحديات.. ولهذا اعتبروا هذه الحرب كارثة بالنسبة للشعب الفلسطيني قبل ان تكون بالنسبة لإيران، فلئن كانت ايران تحتمل الانشغال بالحرب سنوات فالفلسطينيون لا يستطيعون ان ينشغلوا بها أشهرا..

وجاءت حرب صيف 1982 والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وحصار بيروت لمدة ثلاثة اشهر قاتلت فيها المقاومة الفلسطينية ببسالة 88 يوما وشنت اسرائيل حربها جوا وبحرا وبرا، انتهت باخراج المقاومة من لبنان.. كان المشهد مظلما تماما.. الثورة الإيرانية تئن تحت وقع الصواريخ وقصف الطائرات لطهران والحصار الدولي الكامل والعزلة العربية والإسلامية.. فيما المقاومون الفلسطينيون يتوزعون على بلاد عربية لا يقع احدها على حدود فلسطين.

فترت العلاقات بين الطرفين وتنافرت السياسات وبحث الفلسطينيون عن حلفاء جدد في الساحة العربية تمدهم بأسباب الحياة والاستمرار فكانت علاقتهم تتوثق مع صدام حسين ودول الخليج وبدأ الإيرانيون يبحثون عن حلفاء في الساحة الفلسطينية وفي المنطقة حتى جاءت الانتفاضة وشيئا فشيئا وبعد ان تنامت حركات إسلامية جهادية في الساحة الفلسطينية: حركة الجهاد وحركة حماس، وجدت ايران ضالتها في هاتين الحركتين وأمدتهما بالمال والعون على كل الأصعدة.. وتعمقت علاقتها بالنظام السوري الخصم التقليدي لحركة فتح وياسر عرفات.

القطيعة:

جاء اوسلو ليحدث القطيعة بين ايران وحركة فتح حيث لم يترك الإيرانيون فرصة لتفهم موقف فتح في خضم التحولات الكبيرة الناتجة عن انهيار الكتلة الاشتراكية وعن حرب الخليج الثانية، حيث كان الفلسطينيون هم المتضررين الأوائل بذلك.. ولم يبذل الفلسطينيون جهدهم لإقناع الإيرانيين الذين اخذوا على عاتقهم الوقوف مع رؤية حماس والجهاد.. وانصرف أعلام فتح إلى اعتبار الموقف الايراني تدخلا في الشأن الفلسطيني.

كان واضحا ان حماس والجهاد اخذتا على عاتقهما تدمير اتفاق اوسلو من خلال سلسلة عمليات بوتيرة متسارعة في القلب من إسرائيل، وكان الموقف الايراني داعما لهما بلا تردد.. الأمر الذي ازم العلاقة بين الطرفين واحدث طلاقا نهائيا بينهما وتحركت وسائل اعلام الطرفين في تشويه صورة الاخر والتحريض ضده.. ومرت مرحلة ثقيلة بين الثورتين وبين سياستهما تجاه بعضهما..

وبعد ان فشلت مفاوضات كامبديفد بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأصبح واضحا ان ابا عمار ومعه حركة فتح لا تساوم على مبادئ القضية الفلسطينية رغم الضغوطات الرهيبة التي مورست عليه، واكتشف الإيرانيون أن لا غنى عن فتح الباب على الكل الفلسطيني لاسيما حركة فتح التي لم تتوقف عن الكفاح بكل أشكاله وقدمت قادتها وكوادرها سجناء وشهداء على رأسهم القائد زعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات.. وان الاختلافات في وجهة النظر مع حركة فتح لا ينبغي ان تحدث قطيعة معها وان الفراغ الذي تحدثه هذه القطيعة الخسارة للطرفين لن تملأه حركتا الجهاد وحماس.. فلئن كانت حماس والجهاد مستفيديتين من علاقتها بايران من خلال دعمها لهما بالمال والسلاح فان فتح هي من كانت داعمة للثورة الايرانية بكل ما تستطيع وهي التي اعطتها شهادة مصداقية في ايامها الاولى حيث لم يكن يعرفها الشارع العربي.. كما اثيتت الايام ان فتح لاتلعب بعلاقاتها وانها تلتزم سياسة ناضجة تجاه الاقليم فلعلها التنظيم الفلسطيني الوحيد الناضج المتوازن تجاه مشكلات المنطقة لاسيما الشان العربي الدالخي وسورية مثالا.

 ومن خلال إحساس الطرفين بالأهمية هاهما يستعيدان لياقتهما ليفتحا بابا جديدا من علاقة لا ينبغي ان تكون مقطوعة ابدا.. وهاهو الموقف الإيراني مع حكومة الشيخ روحاني يذهب الى الجانب العملي في العلاقات أكثر من الجانب النظري ويقابله في هذا ادراك الفلسطينيين انه لا يجوز إغفال الدور الإيراني وثقل إيران في المنطقة في ملفات عديدة يمكن الاستفادة منه لجهة مصلحة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.. ويبدو ان هناك انفراجات كبيرة قادمة وانفتاحا ايرانيا واسعا على المكون السياسي الفلسطيني دونما انحيازات.. هذا و تولانا الله برحمته.

كلمات دلالية

اخر الأخبار