الوجه القبيح للقضاء

تابعنا على:   18:27 2019-07-10

عمر حلمي الغول

يخطىء من يقع في دوامة الفصل الميكانيكي بين مؤسسات وهيئات الدولة الإستعمارية الإسرائيلية، ولا يحسن قراءة فلسفة الأنظمة الإستعمارية بكل تلاوينها، ومدارسها. ورغم ان الإستعمار ليس لونا واحدا، إلآ ان له أهدافاً واحدة بالمحصلة النهائية، تقوم على نهب خيرات وثروات الشعوب، وإستغلال الشعوب المستعمَرة إستغلالا فظا ووحشيا. 

ما تقدم يتعلق بأشكال الإستعمار الكلاسيكية، ولكن هناك نماذج إستعمارية أكثر وحشية، هي النموذج الإستعماري المركب، أو المصنع، غير الطبيعي، لإنه يقوم على ركائز ونظريات رجعية ومزورة، لا أساس لها في الواقع المعطي، انتجها، وهيأ لها شروط الديمومة الدول الرأسمالية الغربية لخدمة أغراضها وأهدافها القذرة. ولهذا أمدتها باسباب البقاء على أنقاض شعب مكلوم ومنكوب، كما هو حال دولة الإستعمار الإسرائيلية، التي قامت على انقاض الشعب العربي الفلسطيني عام 1948. وهذة الدولة الشيطانية لا تحمل أية صفة شرعية، وليس لها أية صلة بالأرض، ولا بالشعب، ولا بالتاريخ، ولا بالجغرافيا، ولا بالثقافة. وهذا النموذج لا يكتفي بنهب ثروات وخيرات وأموال الشعب الفلسطيني، انما يقوم على نهب الأرض، والحق التاريخي، وسلب الإنسان الفلسطيني ابسط حقوقه الإنسانية والسياسية والقانونية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والبيئية والرياضية والدينية، وهو يشكل ابشع وأسوأ أشكال الإستعمار القديم والحديث. ولا يمكن التعاطي مع مؤسساته التنفيذية والتشريعية والقضائية إلآ كوحدة واحدة، ولها هدف، أو اهداف واحدة، عنوانها الأساس تصفية حقوق ومصالح وثوابت الشعب العربي الفلسطيني، ومواصلة خيار الترانسفير ليستتب له المكان والزمان والمستقبل، ويكرس نفسه في الواقع الجديد كحقيقة "راسخة". 

ودون الخوض في الخلفية الفكرية والسياسية لدولة الإستعمار الصهيونية، وبالتوقف امام جزئية هامة تتعلق بقرار المحكمة المركزية في القدس يوم الإثنين الموافق 8/7/2019، القاضي بتغريم السلطة الوطنية حوالي ملياري شيقل إسرائيلي، أو ما يعادل 250 مليون يورو، أو 280 مليون دولار بذريعة أن الرئيس الراحل الرمز ابو عمار، ومعه المناضل الأسير مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المحكوم بخمسة مؤبدات توجيه تهم باطلة لهما، وتحميلهما المسؤلية على تشجيع العمليات الفدائية، التي أدت إلى وقوع قتلى إسرائيليين ما بين عامي 1996 و2000، وجاء الحكم غير الشرعي والمزور، والمرفوض في اعقاب تقديم المحامية المتطرفة متسانا دارشان- ليتنر دعوى قضائية بإسم عدد من العائلات المستعمرة للإرض الفلسطينية عليهما. وهي عضو منظمة (شورات هدين) الصهيونية المتطرفة، وبعد النطق بالحكم عقبت تلك المحامية بما يلي: " إنه نصر تاريخي، ان يتم تحميل السلطة الوطنية المسؤولية عن الهجمات خلال الإنتفاضة الثانية." طبعا الفترة المذكورة ليس لها علاقة بالسنوات الخمس للإنتفاضة الثانية 2000/ 2005. 

 الجريمة القضائية الإسرائيلية الإستعمارية في هذة اللحظة السياسية من تاريخ الصراع، وفي ظل إشتداد، وإحتدام الحرب الأميركية الإسرائيلية ومن لف لفهم من عرب وعجم، ليست وليدة الصدفة، ولا هي قضية عابرة، أو طارئة، انما هي مرتبطة باللحظة السياسية، ولا تستهدف أموال الشعب الفلسطيني، ولا سلطته الوطنية فقط، بل تستهدف أولا الرواية الفلسطينية، من خلال تنكرها للكفاح التحرري الوطني؛ ثانيا تعمل على لي عنق الحقيقة، وتقلبها رأسا على عقب، بتعبير آخر، بدل محاكمة المستعمرين على إحتلالهم، وإغتصابهم للأرض الفلسطينية، تقوم بإضقاء "الشرعية" على وجودهم؛ ثالثا تحاول الإلتفاف على جرائم الحرب التي إرتكبتها القيادات الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني على مدار قرن خلا تقريبا، والتغطية على المذابح والمجازر، التي إرتكبتها عصابات الهاجاناة، وإتسل، وليحي، والبالمالخ، والأرغون ... إلخ من مسميات العصابات الصهيونية؛ رابعا إضفاء "الشرعية" على القضاء نفسه، وهو قضاء فاسد، وإستعماري، ولا يحق له من حيث المبدأ معالجة اية قضية ذات ابعاد سياسية، تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لإن العمليات ليست معزولة عن الصراع الدائر، والموافقة على الجلوس على طاولة المفاوضات، لا تعني التخلي عن الحقوق والمصالح والثوابت الوطنية، او القوانين والقرارات الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني العربي مع الحركة الصهيونية ودولتها الإستعمارية إسرائيل. 

ما تقدم يفرض على القضاء الفلسطيني بكل مركباته ومؤسساته، وقبله القيادات السياسية التصدي للهجمة القضائية الإستعمارية المفضوحة، وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في كل المحاكم الدولية على ما اقترفوه من مجازر وحشية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، بما في ذلك الأموات، الذين يجب مطاردتهم في قبورهم. واللجوء إلى المحاكم ذات الصلة بإستعادة أموال وحقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار