نتنياهو يثير الجدل حول أصول الفلسطينيين

تابعنا على:   15:02 2019-07-12

حافظ البرغوثي

حاول رئيس حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو التشكيك في الأصول العرقية للشعب الفلسطيني لنفي علاقتهم التاريخية في أرضهم المحتلة، زاعماً أن أصولهم تعود إلى جنوب أوروبا أو إلى جزيرة كريت، كما جاء في التوراة، وهؤلاء انقرضوا، أما الشعب الفلسطيني الحالي، فتعود جذوره إلى شبه الجزيرة العربية. والتناقض واضح في كلام نتنياهو، فهو وإن أقر بأن أصولهم تعود إلى كريت، لكنه لم يشأ القول: إنهم عاشوا في فلسطين التي سميت باسمهم قبل اليهود، وسارع إلى الزعم بأن الفلسطينيين الحاليين لا علاقة لهم بالقدماء، ولم يقل أين ذهب القدماء! وتجاهل نتنياهو في كلامه هذا الحقب التاريخية المتعاقبة على فلسطين قبل اليهود، ومنها الكنعانية التي سبقت اليهود، وهي التي اختلط فيها الفلسطينيون القدماء بالعرب الكنعانيين، ومن الحضارة الأخيرة نشأت اللغات التي تفرعت منها الآرامية والسريانية والعربية أما اليهود، فتحدثوا بلغات شتى، ولم تتشكل لديهم لغة خاصة بهم إلا في العصر الحديث وضعها مستشرق يهودي روسي في نهاية القرن التاسع عشر، وخلط فيها لغة الييدش الشرق أوروبية لليهود مع العربية وحروف الآرامية.

لغة الييدش تشير إلى لغة استخدمها اليهود، أي يهود الخزر بعد اعتناق بعض قبائل بحر الخزر اليهودية في نهاية القرن الثامن الميلادي ومطلع التاسع بناء على نصيحة مستشاري ملك قبائل الخزر الذي كان وثنياً وأراد اعتناق الإسلام، فحذره مستشاروه من أنه لو فعل ذلك لظل في حرب مع الدولة البيزنطية المسيحية، ولما اقترح المسيحية حذروه أيضاً من أنه سيكون في حرب مع المسلمين، فاقترحوا عليه اليهودية كحل وسط، وهكذا كان. ولعل كتاب المؤرخ أحمد ابن فضلان الذي اشتهر كمؤرخ كتب تاريخ أوروبا الشرقية وشمالها هو أول من أشار إلى يهود الخزر عندما أرسل ملك تتري مسلم إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله يطلب منه أن يرسل بعثة لإقامة مسجد باسمه ومن ماله حتى يردع يهود الخزر عن مهاجمة المسلمين، لأن اسم الخليفة كان يدب الرعب في قلوبهم آنذاك، ولم يكن ملك التتر يعلم أن الدولة العباسية كانت تمر في أضعف حالاتها آنذاك. لكن الخليفة أوفد ابن فضلان إلى بلاد البلغار، كما كانت تسمى، ووضع أول تاريخ عن تلك المنطقة التي تضم روسيا وشمال أوروبا.

نتنياهو يثير الجدل من حيث لا يدري حول أصول اليهود كدين وليس كقومية، لأن أغلب اليهود حالياً لا يمتون بصلة لليهود القدماء الذين عاشوا في مصر ومملكة حمير التي اعتنق ملكها اليهودية في اليمن، ومروا من شرق الأردن، ولم يدخلوا فلسطين قط، وكل ما يقال عن مملكة يهودا مجرد أساطير لا تصمد أمام الوقائع الأثرية كما يؤكد المؤرخون «الإسرائيليون» الجدد.

فاليهودية دين وليست قومية اعتنقتها قبائل متعددة في فترات تاريخية متفرقة، وظل اليهود ملاصقين للعرب والمسلمين تاريخياً، لأنهم أمنوا على أنفسهم في كنفهم والتحقوا بهم في الأندلس وغيرها وخرجوا منها مع العرب أيضاً. وكان كتاب «اختراع الشعب اليهودي»، من تأليف البروفيسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة «تل أبيب» سابقاً أكثر الكتب إثارة. ويذهب ساند فيه برحلة تنقيب تمتد إلى آلاف السنوات إلى الوراء. وكانت حصيلتها النهائية نظرية تثبت أن اليهود الذين يعيشون اليوم في فلسطين وفي أماكن أخرى من العالم ليسوا على الإطلاق أحفاد «الشعب العتيق» الذي عاش في «مملكة يهودا» إبان فترة «الهيكل الثاني».

وبحسب ما يقوله، فإن أصولهم تعود إلى شعوب متعددة اعتنقت اليهودية على مرّ التاريخ في أماكن شتى من حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المجاورة، وإن هذا يشمل أيضاً يهود اليمن (بقايا مملكة حمير في شبه الجزيرة العربية التي اعتنقت اليهودية في القرن الرابع الميلادي) ويهود أوروبا الشرقية الإشكنازيين (وهم من بقايا مملكة الخزر البربرية التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي).

وكتاب ساند وغيره من الأبحاث العرقية يدحض نظرية نتنياهو التي يحاول تسويقها سياسياً بأن «إسرائيل» وطن قومي لليهود، بل ويدحض وعد بلفور نفسه الذي يدعو إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مع احترام الحقوق الدينية والمدنية للآخرين - وفقاً للوعد الوغد - أي للفلسطينيين والفقرة الأخيرة أي احترام الحقوق الدينية والمدنية هي التي تحاول صفقة القرن ترسيخها حالياً أي بلا حقوق سياسية للفلسطينيين.

وما ذهب إليه ساند، ذهب إليه عالم الأنساب الروسي أناتولي كليوسوف رائد البحث الجيني الذي أكد أن أغلبية اليهود يرجعون إلى الأصل الأوروبي الشرقي الخزري، وأكد أيضاً أن نتنياهو يحمل مجموعة جينية «آرية» وليست يهودية، ما يعني أن أصول نتنياهو لا تنتمي لأرض الشرق الأوسط.

عن الخليج الإماراتية

كلمات دلالية

اخر الأخبار