نتنياهو وخطيئة الأصول

تابعنا على:   20:53 2019-07-15

عمر حلمي الغول

المستعمرون ليسوا شكلا، ولا نموذجا، ولا مدرسة واحدة. المستعمرون ينقسموا إلى فرق ونماذج مختلفة، ليس بين الشكلين القديم والجديد، ولا إستعمار الأغنياء للفقراء، ولا بين إستعمار مؤقت بزمن محدد، أو إستعمار إحلالي وأجلائي، انما هناك نموذجا آخر من التقسيم بين المستعمرين، هناك إستعمار يمارسه شعب وقومية محددة ضد شعب وقومية أخرى، وهناك مجموعة بشرية، خليط من مجموعات إثنية ترتبط بوظيفة محددة لخدمة إستعمار أساسي، كلاسيكي يرتبط بقومية أو قوميات لها مصالح مشتركة بتعبير آخر، نموذج الخليط من الشعوب والقوميات المختلفة، هم بالحصلة النهائية مرتزقة، مهما حاولوا من خلال عملية إستعمارهم لشعب آخر، وسعيهم للإندماج فيما بينهم، وإعتمادهم لغة واحدة مهجنة، ومحاولتهم إشادة ثقافة مشتركة، فإنهم لن يتمكنوا من ردم هوة التناقضات الإثنية والعرقية فيما بينهم، هذا بالإضافة للتناقضات الإجتماعية والطبقية وحتى الدينية والطائفية والمذهبية. وبالتالي الإدعاء انهم ذات جذر واحد، ولهم أصل واحد، ليس أكثر من إدعاء كاذب، وهراء مزيف، لا يقوى على الصمود في الواقع المعطي. ولهذا في سيرورة إسباغ هوية لشخصية إستعمارهم فشلوا، وإصطدموا بالواقع، الذي كشف ظهرهم، وأماط اللثام عن وجههم، وعن تناقضاتهم العميقة. 

والنموذج الأخير ينطبق تماما على اليهود الصهاينة، الذين تم إستخدامهم من قبل الغرب الإستعماري لتحقيق جملة من الأهداف الإستعمارية على حساب شعوب الأمة العربية عموما، والشعب الفلسطيني خصوصا. وانا هنا لا اريد ان اعود للبرفيسور اليهودي شلومو ساند، ولا لغيره من اليهود المعاصرين، الذين ينفوا نفيا قاطعا لوجود أي أثر لما يسمى بالشعب "اليهودي"، ولا حتى للعودة  ليهود طائفة ناطوري كارتا، ولا للسمرة من ابناء الشعب الفلسطيني، ولا حتى العودة ليهود أوروبا، الذين يعود أصلهم لمملكة الخزر، التي وجدت بين القرنين التاسع والثاني عشر الميلادي في آسيا الوسطى، وانما سأعود لمؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907، الذي أكد على ضرورة وجود "شعب غريب" وسط شعوب الأمة العربية ليفصل مشرقها عن مغربها، بهدف نهب خيرات وثروات الشعوب العربية، والأهم وأد وتصفية المشروع القومي العربي النهضوي. لإن الغرب الرأسمالي آنذاك كان يجري عملية تقاسم للنفوذ فيما بين دوله لتركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية)، والذي تجلى لاحقا في إتفاقية سايكس بيكو 1916، التي قسمت الدول العربية بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا كل حسب وزنه وثقله في العملية الإستعمارية. لإن الغرب كان ومازال يعيش حتى اللحظة الراهنة عقدة الحروب الصليبية، التي تؤرق قادة الغرب جميعا، ودون إستثناء. 

ودخول الغرب التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية البرجوازية مع نهاية القرن الخامس عشر ومطلع السادس عشر مع إندثار مرحلة وتشكيلة الإقطاع، وولوجه عصر النهضة، ونشوء وتطور الأمم والشعوب الأوروبية، لم يسقط من ثقافة ووعي القيادات الأوروبية والأميركية المتعاقبة لعنة الحروب الصليبية. ولهذا نلاحظهم كلما إشتدت الإزمات، عادوا إلى الأساطير والهلوسات الدينية. 

وبالعودة لنتنياهو وأصل الفلسطينيين، الذي لن اناقشه من حيث المبدأ، لإنني إن فعلت ذلك، وكأني ادافع عن تاريخ وهوية وقومية شعبي المتجذرة في تربة الأرض الفلسطينية العربية على مدار حقب التاريخ القديم والوسيط والحديث. ولكن ساعود للأمس القريب، لما يجري منذ اسبوعين (نهاية حزيران/ يونيو) وحتى الآن، أي بعد إندلاع هبة الفلاشا ضد التمييز العنصري بعد مقتل الشاب سالمون تكا، الذي قتله شرطي أبيض دون أية مبرر، إلآ للونه وإثنيته الأثيوبية، وهو ما يعكس طابع المجتمع الإسرائيلي العنصري، ووجها من وجوه التناقضات المتأصلة فيه، حيث يحتل الأحباش الأفارقة فيه الدرجة الأدنى، والمساوية للفلسطينيين العرب، ونتج عن تلك الهبة سقوط ضحايا من الجانبين بالعشرات، وتم إعتقال ما يزيد عن 200 شخص من الفلاشا. وقبل ذلك صراع الإشكناز الغربيين والسفارديم الشرقيين، وأزمة إندماج اتباع القومية الروسية، والقوميات المجاورة لها في اوروبا وآسيا الوسطى، والأتراك في نسيج المجتمع الإسرائيلي المركب. وحدث ولا حرج عن كم كبير من التناقضات، ولا اقول التباينات داخل مركبات المجتمع الإسرائيلي المفبرك والفتعل، والذي لا يوجد له اصول انثربولوجية في الأرض الفلسطينية العربية. 

خطيئة المستعمر الغبي والفاسد نتنياهو، انه نتيجة الغطرسة والغرور والعنصرية المنفلتة من عقالها، وبسبب دعم الغرب عموما وأميركا خصوصا للدولة الإستعمارية المارقة، وتهافت العرب، يُّصر على فضح حقيقة المجموعات البشرية المركزة في داخل دولة إسرائيل، ويكشف مجددا ظهرها وعوراتها، وإنتفاء مبررات وجودها، ويعتقد ان الشعب الفلسطيني ونخبه وقيادته تجهل حقيقته، ويخلط بين رغبة الفلسطينيين بالسلام مع إسرائيل الإستعمارية، وبين الروايات التاريخية والمزورة. وأنصحك العودة لماطرحته لتطبقه على مكونات المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يجمعه جامع سوى السيطرة الإستعمارية على الأرض الفلسطينية العربية. وهذة لا تندرج في نطاق ردة الفعل، انما أستنادا للوقائع التاريخية، وللقراءة الموضوعية لكيفية نشوء وتأسيس دولة إسرائيل المارقة، الدولة الوظيفية. 

كلمات دلالية

اخر الأخبار