الشباب الفلسطيني والتزامات مناصرة حقوقهم

تابعنا على:   09:39 2019-08-17

بهجت الحلو

إن قيام المؤسسات الرسمية وشبة الرسمية بتنفيذ التزاماتهم يحتاج الى مشاركة المواطنين بشكل أكثر فعالية، خاصة من فئة الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى في المجتمع، والذين يأخذون على عاتقهم إحداث التغير المنشود داخل مجتمعاتهم نحو الأفضل. وفي الواقع الفلسطيني وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء[1]،  تبلغ نسبة الشباب، من عمر( 15-29) 30% من إجمالي السكان، يتوزعون بواقع 36% في الفئة العمرية (15-19) عام، وبنسبة 64% في الفئة العمرية (20-29). وتشير بينات مسح الشباب الفلسطيني الى ان نسبة الأسر التي يراسها شباب أعمارهم ما بين ( 15-29) عاماً بلغت في الضفة الغربية 13% وفي قطاع غزة 17% كما اشارت البينات الى ان 72% من الأسر لديها شاب واحد على الأقل بواقع 71% في الضفة الغربية، و74% في قطاع غزة، وعلية  فإن مشاركة الشباب ضرورية لصناعة خطط وبرامج مستقبلة، تسعى الى ايجاد فرص اكثر لتحقيق ذاتهم وتلبية طموحاتهم في المشاركة، وصناعة القرار والتمتع بحقوقهم الأساسية.

يتحمل المسؤولية عن هذا الغياب القسري لدور الشباب مجموعة من العوامل منها ثقافة المجتمع التي تربط المشورة والمشاركة بمعيار السن، فيتقدم كبار السن ويتراجع الشباب، وهنا ينشأ تمييز بسبب السن نعاه القانون، كما يتحمل المسؤولية غياب التشريعات الناظمة لعملية المشاركة بصفتها حق ووسيلة، وضعف الخطط والبرامج والسياسيات التي تنظم عملية مشاركة الشباب، كما يتحمل الشباب أنفسهم جزء من المسؤولية بسبب ضعف اهتماماتهم للمشاركة وعجز الاطر والائتلافات والقطاعات التي تمثلهم.

أن قضية مشاركة الشباب تطرح نفسها  بقوه لأسباب تتعلق بهموم الشباب نفسه ولأسباب تتعلق بمتغيرات المجتمع وتوجهاته وإفرازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. ولكن ما يزيد من صعوبة التناول لقضية الشباب هو كونها قضية تتغلغل داخل كل القطاعات التي يتكون منها البنيان السكاني، فالشباب هم نتاج المجتمع بما فيه من نجاحات وإخفاقات، ومن عوامل ومؤثرات وما يملك من حصاد التجربة، وهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وعليه ينبغي الحذر من عدم الوقع في أي شكل من اشكال التمييز بحق الشباب على اساس الجنس، أو الانتماء السياسي، أو العمر، والأصل، إضافةً إلى قضايا أخرى تُشكل مصدر اهتمام لحقوق الإنسان.

لقد كفل القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والبروتوكولات الملحقة بهما، وكذلك اتفاقية سيداو، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، وكافة المواثيق الدولية الاخرى التي تضمنت عناصر الالزامية القانونية والحقوق الاساسية للشباب،  وخصوصاً حق تقرير المصير، والحياة، وحرية التفكير والاعتقاد والرأي والتعبير والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات والعبادة، والمشاركة السياسية وإدارة شؤون البلاد وتقلد الوظائف، والتنقل والسفر، وحق العمل  وحق المساواة، وحق النساء المتساوي مع الرجال في كافة المجالات، وحق تشكيل النقابات والإضراب، والحق في الحماية والضمان الاجتماعي ، وحرية الاستثمار والتجارة، وحق المشاركة الثقافية، وحرية البحث والإبداع والتبادل الثقافي والعلمي العالمي، وحق التمتع بصحة نفسية وعقلية جيدة، وحق الحماية ضد الجوع، وحق حماية العائلة ومساعدتها، وحق تحديد نمط الحياة. وحق التعليم للجميع.

هذه الحقوق وغيرها تحتاج إلى ترجمات لها من خلال الخطط والسياسيات والبرامج التي تمكن الشباب من التمتع بها،  فحقوق الإنسان الواردة في الوثائق الدولية يمكن أن تشكل إطاراً مناسباً لمناقشة قضايا الشباب في فلسطين، من زاوية الواقع الذي يعيشه الشباب أولاً، وبالتالي حقوقهم في مواجهة سياسات الاحتلال المستمرة  التي تشكل  قيداً على هذه الحقوق، وفي التعامل مع اصحاب الواجب في دولة فلسطين، ومؤسسات المجتمع المختلفة  التي يقع على كاهلها تعزيز ومناصرة وحماية حقوق الشباب، وهذه الحقوق ايضاً يمكن أن تشكل إطاراً للمطالبة بتغيير واقع الشباب مستقبلاً من خلال النهج القائم على حقوق الانسان الذي يشكل إطاراً مفاهيمياً مرجعياً لتعزيز دور الشباب والنهوض بهم.

لقد ألزمت نصوص القانون اصحاب الواجب في دولة فلسطين لاتخاذ كافة التدابير التشريعية والسياساتية والادارية لصون حقوق الشباب. وإن وجود قانون خاص بحقوق الشباب يشكل التزاماً اولياً لإعمال هذه الحقوق شرط ان يكون منسجماً مع المعايير الدولية بما يضمن التمتع بهذه الحقوق دون تمييز. إن الإلزامية القانونية هي تطبيق إطار حقوق الإنسان بشكل جلي وتتضمن تحديد أصحاب الحقوق ، واستحقاقاتهم، وأصحاب الواجبات ، والتزاماتهم المقابلة، وكذلك العمل على تطبيق الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان في كل مرحلة من مراحل عمليات التنمية التي تشمل تحديد الاحتياجات حتى تصميم البرامج، والتطبيق، والمتابعة والرقابة والتقييم ومعالجة جميع الحقوق المترابطة للشباب غير القابلة للتجزئة وفي مقدمتها الحقوق المدنية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية والاجتماعية ، وضمان انعكاس إطار حقوق الإنسان ليشتمل على حقوق الشباب بصفتهم  الشريحة الاوسع من المواطنين في عملية التخطيط الوطني لجميع القطاعات وخصوصاً الصحة، التعليم، الإسكان، والوصول للعدالة، والمشاركة السياسية.

ولا بد من تطوير وتعزيز قدرات الشباب بصفتهم اصحاب حقوق بمعنى ضمان تمكينهم من معرفة مبادئ وقيم ومفاهيم حقوق الإنسان، وكيفية المطالبة بتلك الحقوق، وضمان بناء السياسات، والاستراتيجيات، والبرامج على أساس التمكين، وليس من باب التفضل أو الإحسان أو الترفق، وإجراء تحليل لنقاط القوة والضعف، وضمان تصميم التدخلات، وعمليات التنفيذ بطريقة تجعلهما يساهمان في قدرة الشباب على الوصول للمعلومات، والتنظيم، وتعزيز التغيير، والوصول إلى العدالة، والحصول على تعويضات مقابل الانتهاكات التي تتعرض لها حقوقهم.

إن تعزيز ومناصرة دور الشباب في مجتمعنا من منظور حقوق الانسان ينطوي على إعمال لأدوات الرقابة والمساءلة والمحاسبة للجهات المسؤولة (اصحاب الواجب) من حيث تحديد الالتزامات الإيجابية والسلبية (الاحترام، الحماية والوفاء) وترجمة وتطبيق وانعكاس المعايير الدولية إلى وسائل وتدابير فاعلة على المستوى الوطني، وتوافر مؤشرات لقياس التقدم المحرز في حقوق الشباب، وضمان إسهام عمليات الرقابة والتقييم في عملية مساءلة منتجه من حيث القوانين، والسياسات، والمؤسسات، والإجراءات التي تقي من انتهاكات تمس بحقوق الشباب، أو تسعى لعدم تكرارها او التخفيف من آثارها.

إن من واجب دولة فلسطين- وعلى إثر الارتقاء بمركزها القانوني في المنظومة القانونية الدولية، وعلى اثر انضمامها لاتفاقيات حقوق الانسان- ان تعمل على تطبيق وتنفيذ وإعمال التزاماتها باتخاذ تدابير فاعله على المستويات التشريعية والادارية والبرامجية لضمان تمتع الشباب من الجنسين بحقوقهم دون انتقاص او تمييز.

وعليه فلتكن برامج التثقيف والتوعية والمناصرة بحقوق الشباب هي المدخل اولاً، وتمكينهم من الكلام والتعبير عن الرأي، وحماية حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية والتشغيلية والحق في تشكيل اسرة، وحمايتهم من الفقر والبطالة والمرض والادمان والابتزاز، وحمايتهم من اليأس والعنف والاحساس بالغربة في بلدهم وتداعياتها المعروفة، وتمكينهم من الوصول للمعلومات، ورفع القيود من امكانية وصولهم لمرافق العدالة وتقديم الشكاوى والالتماسات، تمهيدهم لواقع تتفتح نوافذ المشاركة لصناعة التغيير في مجتمعهم الباحث عن الحرية والكرامة وتقرير المصير.

كلمات دلالية

اخر الأخبار