أداة اغتيال العدالة

تابعنا على:   12:32 2019-10-07

أحمد طه الغندور

أمد/ لا شك بأن العدالة هي غاية سامية تسعى الإنسانية قاطبة إلى تحقيقها، فالعدالة هي تصوُّر إنساني يُركز على تحقيق التوازن بين جميع أفراد المُجتمع من حيث الحقوق، من خلال مجموعة الأنظمة والقوانين السائدة في المجتمع بهدف تحقيق المساواة بين جميع الأشخاص داخل المُجتمع.

لذلك من الواضح بأن العدالة تمس جوانب حياتية متعددة للمجتمعات البشرية؛ سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية أو قضائية، ولعل الأخير هو الجانب الأهم لنا في هذا المقال.

وإذا أردنا تعريف "العدالة القضائية" في شِقها الجنائي كمصطلح؛ نقول بأنها " هي الحق في إجراء محاكمة عادلة ومتوازنة مع الجرم المرتكب "، هذا هو التعريف العام في الحالة المدنية العادية لشخص قادته الأقدار لارتكاب جرم ما في المجتمع.

ولكن حتى هذه العدالة ـ المتعلقة بالشق الجنائي ـ من وجهة نظرنا ـ نحن الفلسطينيون ـ كشعب يناضل للخلاص من أبشع احتلال في العصر الحديث؛ ألا وهو "الاحتلال الإسرائيلي"، وإذا ما افترضنا أنه من الممكن أن نتجاهل حِقنا في تقرير المصير الذي كفلته لنا المواثيق والمعاهدات الدولية، وما يمنحه لنا من حق في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المشروعة بما فيها استخدام " الكفاح المسلح " ضد الاحتلال!

وبالرغم من كل المحددات السابقة، إلا أن "العدالة القضائية الإسرائيلية" في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين لها معايير أخرى فرضها الاحتلال من خلال محاكمه العسكرية، وما تُسمى بـ "المحكمة العليا" لهذا "الكيان الغاصب"، والتي لا تتناسب مع قواعد حقوق الإنسان حتى في حدها الأدنى، كما سنرى خلال السطور التالية.

لذلك سنحاول من خلال طرح متوازن للموضوع أن نُبين كيف يجري انتهاك حقوق الأسرى الفلسطينيين من خلال هذه الأداة "المحاكم الإسرائيلية" وخاصة ما تُسمى بـ "المحكمة العليا" والتي يفترض بها أن توافر العدالة!

في البداية يجب أن نعرف بأن الفلسطيني يُحاكم كـ "متهم" أمام "المحاكم العسكرية الإسرائيلية" وهي التي تُديرها طواقم من "جنود الاحتلال" مهما كان دورهم؛ في التحقيق أو الادعاء أو حتى تنفيذ العقوبة التي تم صياغتها بـ "أوامر عسكرية" تعمل على إدانة " الفلسطيني " في تصرفاته المشروعة لمناهضة الاحتلال.

فالأخبار حديثاً تتحدث عن نقل الأسير الفلسطيني " سامر العربيد" (44 عاما)، لإحدى المشافي الإسرائيلية بحالة "الخطر الشديد" نتيجة التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق معه في أقبية التحقيق الإسرائيلية، وفق مؤسسة فلسطينية معنية بشؤون الأسرى.

وأعلن ـ ما يسمى بـ ـ "جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)"، أن الأسير " العربيد " تعرض لتحقيق “بأساليب غير اعتيادية”، ودخل في حالة صحية حرجة، حسبما نقلت وسائل إعلام عبرية. (المصدر ـ القدس العربي).

ولعل في هذا إجابة كافية حول أساليب التحقيق التي تستخدمها "قوات الاحتلال" مع الأسرى الفلسطينيين أثناء الاعتقال!

ونود الإشارة هنا؛ بأن هذه "المحاكم" والإجراءات المتبعة أمامها، والأحكام التي تُنظمها أو صادرة عنها تُخالف بشكل قاطع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة التي نصت عليها المعاهدات الدولية، كما جاء في المادة "8" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على: "لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون"، وما جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ـ علماً بأن "الكيان الاحتلال" عضو في هذه الاتفاقية ـ فقد نصت المادة (2) على أن: " احترام وكفالة جميع الحقوق للأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب ".

وحتى المحاكم في حالة الحرب أو الاحتلال كما بينت "اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949"، فـ "الاحتلال" يزعم بأن "اتفاقيات جنيف" لا تنطبق على الحالة الفلسطينية، كونه "لا يعتبر فلسطين أرضاً محتلة!" وإنما هو ـ أي الاحتلال ـ يلزم نفسه بتطبيق الجوانب الإنسانية لهذه الاتفاقيات!

وهذا أمر لا يستحق التعقيب عليه، لمخالفته الواضحة للواقع، والقرارات الدولية العديدة ذات الصلة، والأحكام الدولية، ومخالفته الصريحة للمادة (27) من " اتفاقية جنيف الرابعة " التي نصت على أن: " للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأحوال معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص ضد جميع أنواع العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير ".

ولعله من المهم أن نُذكر هنا أن ظهور المحامين الفلسطينيين أمام "المحاكم العسكرية" ليس من باب إسباغ الشرعية القانونية عليها، بل هو من باب "الاضطرار" ومحاولة توفير أكبر قدر ممكن من الحماية القانونية للمعتقلين أو الأسرى الفلسطينيين؛ الذين يصفهم الاحتلال زوراً وبهتاناً باسم "سجناء أمنيين" في محاولة لرفع الغطاء عن حق الفلسطيني في مناهضة الاحتلال.

أما الجانب الأهم بالنسبة لنا فهو ما يتعلق بما يُعرف باسم "المحكمة العليا".

والحديث هنا عن "المحكمة العليا" من حيث أنها محكمة "عدل عليا"، تنظر باعتبارها درجة قضائية أولى وأخيرة في القضايا بين "المواطن وسلطات الحكم". وهي لا تعمل بمبادرة ذاتية إلا في حالة التوجه إليها، بواسطة تقديم التماس خطي، ويسمى مقدم الشكوى "مقدم الالتماس".

إذا اعتقد "قاضي المحكمة"، بأن الالتماس غير مبرر، فإنه يحوله للنظر أمام تركيبة من ثلاثة قضاة. لا يجوز إلا أن يرفضه القضاة الثلاثة، وأن يعيدوه إلى مقدمه. وفي هذه الحالة، لا مجال للاستئناف.

كما تعمل محكمة "العدل العليا"، بواسطة أوامر ضد "سلطات الدولة"، وضد كل من يعمل بوظيفة عامة. القاضي الذي يقبل الالتماس يصدر أمرًا "احترازيًا"، وهو يعني التوقف مؤقتاً عن أي عمل من قبل "السلطة الحاكمة"، ويدعو المجيبة للمثول أمام "محكمة العدل العليا"، والرد على ادعاءات مقدم الالتماس خلال ثلاثين يومًا من صدور الأمر.

مع العلم بأن الطرفين؛ "مقدم الالتماس" و"المجيبة" يحضران المداولة، وكل طرف يقدم ادعاءاته، وبعد أن تستمع "المحكمة" إلى الطرفين تصدر قرارها.

وإذا لم تمثل "المجيبة" أمام "محكمة العدل العليا" في الموعد المحدد، يصبح الأمر نهائيًا؛ أي تقبل وجهة نظر مقدم الالتماس.

تملك محكمة "العدل العليا" صلاحية إصدار أوامر مختلفة: هي

1. أمر إحضار المتهم (Habeas corpus). وهو قرار إخلاء سبيل لأي شخص في حالة الاحتجاز غير القانوني.

2. أمر (اعمل ولا تعمل). المحكمة تصدر أمرًا للسلطات "المجيبة" بتنفيذ عمل يوجب على السلطة القيام به من أجل المواطن مقدم الالتماس أو يوجب عدم تنفيذ عمل تجاه المواطن.

3. أوامر المنع وأوامر الاستيضاح. تصدر محكمة "العدل العليا" أمر "منع للمحاكمة الخاصة" في المحاكم الخاصة، مثل المحاكم العسكرية أو المحاكم الدينية، لمنعها من النظر في قضية معينة.

4. أمر (من نَصَبكْ). بإمكان هذا الأمر منع أو إيقاف تولي منصب أو تعيين شخص في وظيفة حكومية، إذا كان تعيينه مخالفًا لقواعد الاختيار أو القانون.

ويرى البعض أن صلاحية "محكمة العدل العليا" لا يجب أن تقتصر على المناصرة، وإنما عليها أن تحمي حقوق الإنسان والمواطن وحقوق المجموعة، بما في ذلك، الحقوق غير الراسخة في القانون، وإلزام "السلطات" بالعمل بما يتماشى معها. بسبب عدم وجود دستور، وقوانين للأساس لحماية جميع حقوق الإنسان والمواطن لدى "الكيان". (المصدر ـ وكالة وفا الفلسطينية).

هذا ما يجب أن يكون عليه الحال وفقاً للقانون والأصول، ولكن ما يحدث خلافاً لذلك، فمن حيث المبدأ ينظر "الإسرائيليون" إلى السماح للفلسطينيين بالتوجه للمحكمة على إنه "استثناء" يمنح "الكيان" لمسة من الديمقراطية في نظر المجتمع الدولي.

ولكن منظمة بتسيلم "مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" له رأي أخر؛ حيث ترى أن، "محكمة "العدل العليا" وهي أعلى هيئة قضائيّة تنظر في المسألة وبوصفها كذلك يلعب قضاتها دورًا مركزيًّا في نسج رداء الشرعيّة الزّائف هذا.

رغم أنّ "المحكمة العليا" ليست هي من يسنّ القوانين ولا هي من يضع السياسات أو يطبّقها - إلّا أنّها تتحمّل قسطًا كبيرًا من مسؤوليّة حماية حقوق الإنسان: عندما تطبّق الدولة سياسة تمسّ بشكل منهجيّ بحقوق الإنسان الأساسيّة لآلاف الأشخاص المحرومين من أيّ تمثيل يصبح من صلاحيّة "قضاة المحكمة" بل من واجبهم بحكم وظيفتهم، أن يقرّروا بأنّ هذه السياسة مخالفة للقانون وعليهم بالتالي أن يمنعوا مواصلة تطبيقها.

ولكن بدلًا من أن يقوموا بوظيفتهم هذه يختار "قضاة العليا" مرارًا وتكرارًا "تبييض" هذه السّياسة بإضفاء الشرعيّة القانونيّة عليها وبالتالي تسويغها لدى الجمهور.

بذلك يخلّ "قضاة المحكمة العليا" بواجبهم بل ويلعبون دورًا مركزيًّا في ترسيخ مشروع الاحتلال الاستيطانيّ والإمعان في سلب أراضي الفلسطينيّين. (المصدر: منظمة بتسيلم).

وحتى لا يطول حديثنا بشكل نظري في مسألة قيام "المحكمة العليا" بـ "اغتيال العدالة" أو إضفاء الشرعية لـ "سلطات الاحتلال" في مخالفة قواعد القانون الدولي وخاصة "القانون الدولي الإنساني" و "قانون حقوق الإنسان"، دعنا نطرح هذه القضايا:

• أولا: شرعنة التعذيب في التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين:

من المعروف بأن "محققي الشاباك" أو ما يُسمى جهاز الأمن العام، يستخدم بشكل روتينيّ وكجزء من وسائل التّحقيق مع الفلسطينيّين مجموعة متنوعّة من أساليب التّحقيق هي بمثابة تنكيل بل إنّها بلغت حدّ التعذيب. وفي أيلول 1999 في أعقاب سلسلة التماسات قدّمها فلسطينيّون جرى التّحقيق معهم من قِبل "الشّاباك" وعدد من مؤسسات حقوق الإنسان.

وقد أصدرت "محكمة العدل العليا" حينها حكمًا ينص على أنّ القانون الإسرائيلي لا يمنح لمحقّقي جهاز الأمن العام "الشّاباك" أيّة صلاحية لاستخدام وسائل تحقيق جسديّة.

وحكم القُضاة أنّ الأساليب التي جرت مناقشتها في إطار الالتماس – منها التقييد المؤلم والهز وتغطية الرأس بكيس لفترة طويلة والحرمان من النوم – كلّها غير قانونيّة.

ومع ذلك أقرّ القُضاة بأنّ محقّقي جهاز الأمن العام "الشّاباك" الذين تجاوزوا صلاحياتهم واستخدموا "الضغط الجسديّ" على المُعتقلين لن يتحمّلوا المسؤوليّة الجنائيّة في أعقاب ذلك، إذا تبيّن بأثر رجعيّ أنّهم فعلوا ذلك في حالة ما أسموه "قنبلة موقوتة" استناداً إلى "دفاع الضّرورة".

ومن الجدير ذكره أن هذا القرار صدر عن "القضاة"، دافيد مينتس، ويتسحاق عميت ويوسف ألرون، في قضية الأسير المحرر " فراس طبيش".

ولكن المتتبع لشؤون الأسرى الفلسطينيين يرى بأن كلا من؛ "النيابة العسكريّة" و"النيابة العامّة" و"القضاة العسكريّون" يوافقون بشكل شبه تلقائيّ على طلبات تمديد الاعتقال للأسرى، وبالتالي مواصلة التنكيل والاحتجاز في ظروف غير إنسانية؛ وأن "النيابة العامّة" و"المستشار القضائي للاحتلال" يمنحان حصانة تامّة لمحقّقي جهاز الأمن العام "الشّاباك"، بل أن "قضاة محكمة العدل العليا" يرفضون بشكل منهجي التماسات المعتقلين المحتجّين على حرمانهم من مقابلة محاميهم وبذلك فإنهم يتيحون استمرار تعذيبهم والتنكيل بهم.

ودفاعاً عن هذه السياسة المتبعة في التعذيب والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين، فقد، أقرت "المحكمة" أيضا عدم وجود أي لزوم لفتح تحقيق جنائي تلقائي لكل شكوى، وأن التحقيق الجنائي ضروري فقط في حالات يكشف من خلالها الفحص الاولي عن أدلة كافية تبرر فتح تحقيق جنائي، وأن مناط الأمر كما يراه "المستشار القضائي للاحتلال"، الذي حول الأمر من "الالتزام بالتحقيق والمقاضاة للالتزام بالفحص والتحقيق" كما بين تقرير "لجنة تيركل" والتي أكدت " أن "تل أبيب" كانت قد صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقيات جنيف الأربع، إلا أنها لم تدرج الحظر المطلق للتعذيب في قانونها الداخلي. بالإضافة لذلك، عادة ما تفهم التشريعات المتعلقة التعذيب في الخطاب القانوني والسياسي "الإسرائيلي" على أنها تشير إلى الحاجة إلى قوانين تخوّل استخدام أساليب استجواب معين". (المصدر: مؤسسة عدالة).

وهذا يستوجب اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية لوضع حد لهذا النوع من جرائم الحرب.

• ثانياً: منع زيارة العائلات عن الأسرى من قطاع غزّة المنتسبين إلى حركة حماس.

تفيد المعطيات أنّ "الاحتلال" يحتجز في سجونه (حتى نهاية نيسان 2019) المقامة خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، (303) أسرى فلسطينيّين من سكّان قطاع غزّة ومن ضمنهم قاصرين.

يواجه سكّان القطاع الرّاغبون في زيارة أقربائهم الأسرى في "الداخل المحتل" مشقّات لا تُحتمل تفرضها عليهم "سلطات الاحتلال" خلافًا لأحكام القانون الدّولي، وبين السّنوات 2007 و-2012 منع "الاحتلال" هذه الزيارات تمامًا؛ وعندما جدّدت الزيارات - في تمّوز 2012 -وُضعت شروطًا مشدّدة لها، بحيث سمحت بالزيارة فقط لوالدي الأسير وزوجته ثمّ أخذت بالتدريج تسمح بالزيارة للأبناء أيضًا مع تقييد ذلك لمن هم تحت سنّ الـ 16.

منذ 1/7/2017 تكرر منع الزيارة عن الأسرى سكّان القطاع المنتسبين لحركة حماس وعددهم نحو 100 أسير. فُرض هذا المنع في أعقب قرار حكوميّ يجيز فرض قيود على سكّان القطاع، وبضمنها تشديد ظروف الأسر، بدعوى أنّ هذا سوف يشكّل ضغطًا على حماس التي تحتجز لديها كورقة مساومة، خلافًا "لأحكام القانون ومبادئ الأخلاق"، مواطنين إسرائيليّين هما "أبره منغيستو" و "هشام السيّد" وجثماني الجنديّين "هدار جولدين" و "أورون شاؤول".

في أعقاب منع الزيارات رفع أربعة أسرى من سكّان قطاع غزّة المنتسبين لحركة حماس التماساً إلى "محكمة العدل العليا" في شهر آب 2017. مؤخّرًا، في حزيران 2019 أي بعد مضيّ سنتين على تقديم الالتماس ردّ القاضي "نيل هندل" الالتماس في قرار حُكم وافق عليه القاضيان "عنات بارون" و "يوسف إلرون".

وبرر "هندل" رد الالتماس بأن: " المبدأ الأعلى الأخلاقيّ - الدستوريّ المرتبط بالموضوع: السّجناء لا يفقدون حقوقهم مع دخولهم إلى السّجن و"عقوبة السّجن الواقعة على أيّ إنسان لا تسلبه في حدّ ذاتها كرامته ولا تحرمه من حقوقه الأساسيّة".

ولكنّه يحدّد فورًا بعد ذلك أنّ هذا المبدأ لا يسري في الحالة التي أمامه لأنّ زيارة السّجين - حتى زيارة الأقارب من الدّرجة الأولى- ليست حقًّا وإنّما هي امتياز "منفعة" ومن صلاحيّة السّجن أن يمنحها للسّجين أو يمنعها عنه، الأسرى ويحدّد ـ في النص ـ أنّ "وزير الأمن الدّاخلي" مخوّل الإيعاز إلى مصلحة السّجون بمنعها، لاعتبارات موضوعيّة "تشمل، إلى جانب الحفاظ على الإدارة السّليمة في السّجون، اعتبارات عامّة تخصّ الحفاظ على أمن الدولة".

وهكذا "حماية أمن الدّولة، بمعناها الواسع، يُنظر إليها إذن كجزء لا يتجزّأ من الإدارة السّليمة في السّجون - ومن الاعتبارات التي ينبغي للمسؤولين أن يأخذوها في الحسبان".

ويضيف: " ينبغي أن نتذكّر أنّ قرار "الوزير" يمسّ بمجموعة صغيرة جدًّا من الأسرى - نحو 100 شخص من مجمل 6,000 سجين أمنيّ واكثر من 800 سجين لحماس". (المصدر: منظمة بتسليم).

وهذه أيضا تُشكل جريمة "ضد الإنسانية" في إبعاد الأسرى الفلسطينيين ونقلهم قسراً خارج وطنهم، وتشكل جريمة حرب في حق العائلات لأنها تُشرعن التعذيب والمعاملة الغير إنسانية؛ بتوقيع "قضاة محكمة العدل العليا"!

• ثالثاً: حرمان الأسرى من التعليم.

أفاد تقرير لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان في حزيران 2019، أن قرابة 800 طفل مقدسي تعرضوا للاعتقال خلال عام 2018، من بينهم اثنان رهن الاعتقال الإداري؛ لا يتلقون تعليمهم بشكل طبيعي، في مخالفة للقانون الدولي.

وحسب مؤسسة الضمير، " فإن القانون الدولي ينص على حق الأطفال المعتقلين في التعليم بالسجون، إلا أن “ساعات التدريس في السجون تبلغ بالمعدل 20 ساعة أسبوعيّاً، وهو ما يعكس الواقع التعليمي السيئ في السجون مقارنة بعدد ساعات التدريس الطبيعية في المدارس، التي تبلغ 35 ساعة أسبوعيّاً".

وتابعت الضمير؛ " أن المرحلة الثانوية في النظام التعليمي الفلسطيني هي التي تحدد مصير الطلبة في السنوات القادمة، وقد سُمح بالتعليم العالي والثانوي في السجون عام 2004، وتم تحديث بعض البنود والقوانين عام 2006، حيث إن المواد التي كان يقتصر عليها التعليم في السجون هي المواد العلمية، أما المواد التي كانت تصنف تحت خانة "تهديد أمن إسرائيل"، فقد تم حظرها، وعام 2011 تم حظر التعليم العالي والثانوي، كعقوبة جماعية بعد أسر "الجندي الإسرائيلي" "جلعاد شاليط"، ويستمر الحظر حتى اليوم، حيث باءت محاولات المنظمات الأهلية من أجل وقف الحظر بالفشل".

وقد صدر ذلك الحظر بموجب قرار القاضي "حنان ملتسر" في شأن منع "السّجناء الأمنيّين" برمّتهم من الدّراسة في الجامعة المفتوحة ليحدّد من ثمّ أنّ مثل هذا التأويل يمسّ "بقدرة "الكيان" على "مكافحة الإرهاب بوسيلة إلغاء الامتيازات وضمن ذلك تفعيل ضواغط ضروريّة وشرعيّة ضدّ عمليّات تنفّذ لأجل المساومة تبادر إليها "منظمات إرهابيّة" لتحرير "سجناء أمنيّين" منسوبين إليها". (المصدر: منظمة بتسليم).

ولكن كما يتضح بأن الحظر استمر كما سبقت الإشارة وشمل كل فئات الأسرى، مما يُمثل عقوبة جماعية أو جريمة حرب تقوم على المعاملة غير الإنسانية.

أخيراً، نود التذكير أيضاً بأن "المحكمة" وكما أوردنا في مقال سابق قد شرعنت لـ "الاحتلال" عملية احتجاز الشهداء الفلسطينيين في مقابر غير معروفة "مقابر الأرقام" أو في الثلاجات في مخالفة واضحة لقوانين جنيف وقانون لاهاي مما يستوجب محكمتهم على ذلك.

ختاماً، لا شك أن اغتيال العدالة من قِبل أفراد أسندت إليهم مهمة الحفاظ على العدالة هي "جريمة لا تغتفر" وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وكافة هذه القضايا التي تم انتهاك حقوق أسرانا البواسل من قِبل العاملين في "النظام القضائي للاحتلال" أو في قضايا أخرى كشرعنة الاستيطان وهدم المباني الخاصة بالفلسطينيين موثقة وواضحة، فلماذا لا يجري محاكمة مرتكبي هذه الجرائم لدى القضاء الدولي؟!

وإلى متى تصمت مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية عن كشف وفضح حقيقة "اغتيال العدالة"؟!

كلمات دلالية

اخر الأخبار