الأكراد ودرس التاريخ

تابعنا على:   16:34 2019-10-14

عمر حلمي الغول

أمد/ دروس التاريخ هامة وضرورية لكل الشعوب والأمم، ومن لا يتعلم من دروس التاريخ سيبقى جاهلا، ويخسر لعبة السياسة في كل الأزمان القادمة، والعكس صحيح. لإن التاريخ منصة هامة لتطور ورقي الشعوب. وهذا لا يعني العيش في الماضي، أو التغني الدائم بامجاده، والنوم على أَسرته، وعدم الربط العلمي والجدلي ما بين الماضي والحاضر بآفاقه، والبناء على معطيات الحاضر وإرهاصاته، وقراءته بإستشراف المستقبل للنهوض بمكانة هذا الشعب أو تلك الأمة.

ومن الواضح ان الشعب الكردي لم يستخلص العبر والدروس جيدا من تجربته الخاصة. لهذا بقي أسير مراهنات خاطئة، وغير ناضجة، ولم يتمكن من تحقيق أهدافه في الحرية وتقرير المصير، ووقع فريسة الأوهام، التي غذتها بعض الدول والقوى العالمية والأقليمية لديه، مما ابقاه رهينة، وأداة إستعمالية لغايات آنية وليس أكثر. لإن جميع القوى نكثت بوعودها، وتخلت عن الكرد، كما فعل الرئيس الأميركي ترامب عشية العدوان التركي الأخير على شمال شرق سوريا، الذي بدأ يوم الأربعاء الماضي الموافق 9/10/2019.

وإذا عدنا للتاريخ، فإننا نجد ان الأكراد سقطوا في شر حساباتهم الخاطئة، ولم يتحقق اي من أهدافهم، ليس هذا فحسب، بل تنكر الجميع لهم ولمستقبلهم. ونورد بعض المحطات التاريخية، التي تعاكست مع طموحاتهم القومية، منها: أولا في العام 1894 وعد السلطان العثماني مراد الخامس الأكراد إذا قاتلوا الأرمن حلفاء الإمبراطور الروسي نيكولاوس، سيمنحهم دولة. ولكن بعد قيامهم بمساعدته، لم يف بوعده لهم، ليس هذا فقط، وإنما تم القضاء على أعداد كبيرة منهم؛ ثانيا بعد إتفاقية سايكس بيكو 1916 وعد الوزير البريطاني، ديفيد لويد جورج الأكراد بدولة إذا قاتلوا العثمانيين، وقاموا بواجبهم القتالي إلى جانب الدول الأمبريالية، وقدموا الآلاف على مذبح بلوغ هدفهم، لكنهم لم يحصلوا على اي شيء، وهذا ما أظهرته إتفاقية لوزان 1923 بعد تقسيم المنطقة؛ ثالثا في العام 1974 وعدهم شاة إيران بدولة، إن خلصوه من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وارسل لهم اسلحة ثقيلة، ولكن بعد توقيع إتفاقية الجزائر بينه وبين العراق 1975 تخلى عنهم الشاة؛ رابعا في العام 1988 وعدهم الرئيس الأميركي رونالد ريغان إذا خلصوه من صدام حسن سيمنحهم دولة، وساعدتهم الCIA بتأمين سيارة مفخخة لإغتيال الرئيس الراحل، وفي ذات الوقت سربوا أخبار العملية، وفشل رهانهم؛ خامسا ومع إعلان أميركا الحرب على العراق  عام 2003 وعدتهم الإدارة الأميركية والنظام التركي الأردوغاني بدولة في شمال العراق إذا حاربوا الجيش العراقي، وبعدما فعلوا، وذهبوا لإجراء إستفتاء عام 2017 على خيار الإستقلال عن العراق، تخلوا عنهم، وهو ما أعلنه فورا رئيس الوزراء التركي، علي يلدريم برفضه نتائج الإستفتاء، وأجبرت أميركا مسعود برزاني على التنازل، والتخلي عن هدفهم؛ سادسا مرة اخرى في عام 2011 وعدت أميركا وتركيا الأكراد بدولة في شمال سوريا إذا حاربوا الجيش السوري، وعندما فشل المخطط إنسحب الأميركيون، وتركوهم لقمة سائغة لأردوغان وتركيا.

تجارب ست مريرة عاشها الشعب الكردي، ودفع ثمنها من دم ولحم ابنائه، ولم يحصل على الحد الأدنى من مصالحه. وللأسف لم يتعلم الأكراد ولا قياداتهم السياسية من التجارب القديمة ولا الحديثة، ولم يدركوا ان المعادلات السياسية الدولية والإقليمية تتناقض ومصالحهم، ولا يوجد فيها مكانا حتى الآن لدولة كردية مستقلة، ولا يبدو ان إمكانية ذلك واردة في المستقبل الوسيط. وكل ما يمكن ان يتحصلوا عليه هو حكم ذاتي في البلدان، التي يعيشون بين ظهرانية شعوبها.

وعلى الأكراد ان يتعلموا ان الرهان على دولة إسرائيل الإستعمارية، والتعاون معها لا يخدم ايضا اهدافهم. لإن إسرائيل تريد منهم ان يخدموا اهدافها الإستعمارية في المنطقة، وهي جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية والإقتصادية الغربية والشرقية، ولا تخرج عن محدداتها. ولا يغرهم كل ما يكتبه الإعلاميون الإسرائيليون عن تخلي ترامب عنهم، والتباكي عليهم، لإن ذلك مجرد طحن في الماء أو الهواء. وعليهم ان يدركوا ان مصيرهم مرتبط بمصير اشقائهم العرب والتعاون معهم لتعميق أواصر العلاقات المشتركة على اساس التكامل. آمل ان يستخلصوا الدرس.

كلمات دلالية

اخر الأخبار