التراث الثقافي أحد ساحات الصراع الكبرى في المدينة المقدسة

تابعنا على:   09:24 2019-10-16

د. حنا عيسى

أمد/ تعتبر مدينة القدس المحتلة إرثاً دينياً وحضارياً وتاريخياً، تحفل حاراتها وشوارعها وأزقتها بالأماكن الدينية من كنائس ومساجد واديرة وتكايا، اضافة للعديد من المقامات والمزارات والمتاحف والمكتبات، حيث يوجد فيها حوالي 742 موقعًا، بما في ذلك 60 موقعًا أثريًّا رئيسا، وحوالي 682 معلمًا تراثيا كالقبور والكهوف والقنوات وبرك المياه والمنشآت الصناعية، إضافة إلى ما يربو عن 700 مبنى تاريخي، جعل منها قبلة للسياح من شتى بقاع الارض، للوقوف على حضارات تعاقبت، وامم تلاحقت للسكن في هذه البقعة المقدسة من الأرض.

 

واعتبر القطاع السياحي في القدس مصدر رزق لعدد كبير من التجار المقدسيين، لاعتماد تجارتهم على نوعين من السياحة: سياحة داخلية بحيث يتوافد للمدينة الزوار من جميع القرى والمدن المحيطة، وتعتمد عليهم المدينة كقوى شرائية منعشة للاقتصاد فيها، وسياحة خارجية بشقها التاريخي لأهمية المدينة على مر العصور، والديني وهو الأهم كون المدينة تعتبر مهدٌ للديانات السماوية الثلاث، وقد بقي هذان النوعان من السياحة يثلجان قلب التجار المقدسيين حتى عام 1967 واحتلال المدينة المقدسة.

 

ولكن المحتل الاسرائيلي الغاشم باحتلاله وما اقامه من تجمعات وبؤر استيطانية، وما بناه من جدران اسمنتية أحاطت القدس وكبلتها، شوه هدوء المدينة وروعتها، وحجب جمالها عن العالم بأسره لتكون مدينة حصرية لليهود، حيث يعملون ليل نهار على سرقة تاريخها العربي وحضارتها الاسلامية، وتزوير حقائقها ومعالمها لتصبح القدس كما يتمنون ويحلمون، حاضنة لكنسهم وحدائقهم التلمودية ، حيث تسبب عزل الاحتلال للمدينة المقدسة عن محيطها عقب توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993، الذي أجل قضية القدس للمفاوضات الأخيرة، بإغلاق نحو 37 متجرا، واضعاف نحو 50 ٪ من قوتها الشرائية، لتسطر حكاية معاناة القطاع السياحي في مدينة القدس.

 

وجراء سياسات الاحتلال وسلطاته ومخططاته التهويدية، اصبحت القدس مغلقة، لا يدخلها الا من ارادت له اسرائيل الدخول، لتصبح حلم الكثيرين وهاجس المئات... حيث يعتبر استمرار الاحتلال من أهم المعيقات التي تواجه نمو القطاع السياحي في القدس والأراضي الفلسطينية عموما؛ فهي تحول دون استغلال الموارد السياحية في القدس، ولذلك فإن زوال الاحتلال هو شرط أساسي لربط القطاع السياحي بتنمية اقتصادية مستدامة. حيث يتم رفض منح التراخيص لإنشاء أو توسعة الفنادق وعدم منح التسهيلات المالية من البنوك ثم منح الأفضلية التنافسية لقطاع السياحة الصهيوني كالقروض طويلة الأجل والإعفاءات الضريبية، اضافة الى أن الاحتلال يسيطر على جزء مهم من الموارد السياحية في القدس كسور المدينة وقلعة القدس ومتحف الآثار الفلسطيني والأنفاق الأرضية ومغارة سليمان وقنوات المياه.

 

قبل حرب 1967 كان أدلاء السياحة العرب حوالي مائة وخمسين دليل سياحي في القدس، والا انه بعد عشرات السنين من الاحتلال فقد تراجع العدد بشكل كبير جراء السياسات الاسرائيلية ضد السياح العرب وما تمارسه عليهم من ضغوطات ومعيقات، يقابلها دعم أدلاء السياحة اليهود لنشر افكارهم ومزاعمهم في عقول السياح عن احقيتهم التاريخية في الارض المقدسة، حيث عملت السلطات الإسرائيلية على منح آلاف الرخص لأدلاء يهود، حرصت حرصاً شديداً على إعدادهم حسب توجهات السلطة الإسرائيلية. وبالمقابل فقد حرمت مئات بل آلاف الأدلاء العرب الذين تقدموا للحصول على رخصة دليل سياحي دون مبررات مقبولة مما دفع عشرات منهم الى العمل بدون رخص كأدلاء سياحة متجولين، رغم ما لهذا العمل من صعوبات لأن الشركات الرسمية لا تتعامل معهم ولا يحق لهم قيادة مجموعات سياحية سوى بعض الأفراد الذين يفدون وحدهم. حيث عملت وزارة السياحة الاسرائيلية على زيادة أعداد الأدلاء السياحيين اليهود مقابل تقليص أعداد العرب منهم، الذين وصل عددهم مؤخراً إلى (500) دليل مقابل (9000) دليل سياحي اسرائيلي.

 

ويعتبر التراث الثقافي أحد ساحات الصراع الكبرى في المدينة المقدسة، حيث تبذل سلطات الاحتلال جهودا متواصلة لإنتاج رواية تاريخية أحادية جديدة تخدم مشروعها الاستيطاني في المدينة، تقوم على نفي التعددية والحقائق الموضوعية المتصلة بالوجود التاريخي الفلسطيني في هذه المدينة، وقد جرى توظيف مباشر لعلم الآثار في إنتاج الرواية الصهيونية المختلقة حول تاريخ القدس، حيث تسهم المؤسسة الأثرية الرسمية وهي سلطة الآثار والمؤسسات الأكاديمية الصهيونية والجمعيات الاستيطانية في إنتاج هذه الرواية وتكريسها والترويج لها. وتقدمها للسائح المحلي والأجنبي من خلال شبكة واسعة من المؤسسات والمكاتب السياحية.

 

v   وتقوم مهمة الادلاء السياحيين اليهود على:

 

1.    نشر الأفكار الصهيونية حول وضع القدس والبلدة القديمة وتاريخها وفق الرؤية الإسرائيلية.

 

2.    يعملون على الترويج بين السياح بأن التسوق من البلدة القديمة بشكل خاص وشرقي القدس بشكل عام في غير صالح السياح لأن الأسعار في القدس العربية كما يدعون غالية جداً ويطلبون منهم التسوق في غربي القدس.

 

3.    اثارة الفزع بين السياح حول خطورة زيارة البلدة القديمة في المساء لأنها مليئة بقطاع الطرق العرب. وإن البقاء في غربي القدس أضمن لهم.

 

والفنادق ومكاتب السياحة العربية في نفس الخندق تواجه الكثير من المشاكل، حيث تناقص عدد الفنادق في القدس منذ عام 1967 من 40 فندقاً إلى 22، لكنه ما لبث أن انتعش بعض الشيء ليرتفع عددها إلى 30 بعد أن تم إعادة فتح عدد منها. حيث يتم توجيه السياح الأجانب للفنادق الاسرائيلية التي أقيمت في الشيخ جراح وباب الخليل، وإغلاق الاحتلال لمدن الضفة وايقاف حركة السياحة المحلية، وعدم منح بلدية الاحتلال تراخيص بناء لفنادق جديدة فخمة، وارتفاع تكلفة تشغيل هذه الفنادق بالتوازي مع ارتفاع الضرائب التي تفرضها بلدية الاحتلال وبالتالي يصعب عليها تمويل ذاتها.

v   سبل إنعاش قطاع السياحة في القدس:

1.    دعم قطاع السياحة في القدس.

 

2.    التأكيد على الرواية الصحيحة للمدينة المقدسة لمواجهة الاكاذيب والمزاعم الصهيونية حول احقيتهم وتاريخهم في المدينة.

 

3.    تشجيع السياحة العربية للقدس لإنعاش السياحة فيها من خلال التعامل مع الفنادق والمكاتب السياحية العربية.

 

4.    أعداد الدراسات والتقارير التي توضح انتهاكات الاحتلال لقطاع السياحة وتدميره في القدس.

5.    أعداد برشورات وكتيبات حول القدس ومعالمها وأثارها تروي الحقائق التاريخية للمدينة وتوزيعها على السياح.

 

6.    استثمار رجال الاعمال العرب لأموالهم في القدس لدعم قطاع السياحة فيها.

اخر الأخبار