كابوس: كُوْنِي قَاسِيَةً كُوْنِي!

تابعنا على:   12:48 2019-10-20

عبد الرحمن بسيسو

أمد/ شعر:

"لستُ أدري إِنْ كَانَ هذا الذي نَحْنُ فيه الآن مخاضَ ميلادٍ وانبثاقٍ من رمادٍ، أم مَحْضَ موتٍ  أزليٍّ في الحَياة، أَم كابوساً وجوديِّاً يُلاشي وجودَ الإنْسَانِ إِذْ يلقيه في قبضة جحيمٍ عدميٍّ يوقدُ محارقه استبداد لا يني يرسخ ويتسع!

ولعلَّ للحُلْم الكابوسي، أو للكابوس الحُلْميِّ الآتي، باكياً فيه الإنسانُ؛ الذَّاتُ الْحُرَّة، عَلَى صَدْر حَبَيبٍ ألقاهُ في مهاوي جُبٍّ عميق، أو شَرَّده في متاهة بلا حُدُود؛ ليكون فريسةَ أوغادٌ ذئبيين مأفونين، وَوحُوشٍ غابٍ، استأجَرُوا ثُلَّةَ مَارقينَ من أبناء وطنه العَاقِّينَ، وبعض شركائه الخاذلين حلم الحياة والحريّة، لِيُهْلِكُوهُ، ويعْدِمُوهُ الْوُجُودَ، أنْ يُجِيبَ!"

*

كُوْنِي قَاسِيَةً كُوْنِي!

...،

ووحيداً،

ثُمَّ وحيداً،

ثُمَّ وَحيدا،

كبقايا روثٍ مُنْغَرسٍ في قبوٍ مَهْجُورْ،

يَسْكُنُني القلقُ النازفُ قَيْحَاً،

وصَدِيدا.

هذا وجهي خارطةٌ للحُزْن الأبديْ،

أو رزنامةُ أيَّام سقطت من بين ثناياها أيَّامُ الفرح الوهَّاجْ؛

لا تحسبُ غيرَ الحُزْنِ الممتد من الرأس إلى السَّاق؛

أفتقد حنانك يا ذاتَ الوجه الشرقيِّ المَلْمِحِ والإشراقْ،

أبكيكِ،

وأبكيني،

حتى ألعقَ مِلْحَ الدَّمعْ،

وتلحُّ الذَّاكرة؛ وأبكي،

وتعيد الذَّاكرة، وأبكي:

أسألُ عن سِرٍّ مَسْكُونٍ بلهيبِ الأسرارْ،

يَجْعَلُني، في عِزِّ الرَّغبة،

أمتَشِقُ سِلَاحَاً صَدِءَاً؛

فَتَهبّ الذَّاكرةُ الباكيةُ،

كما النَّار،

لتصهرَ أيامي الآتيةَ برغْوةِ حاضِريَ المأفُونِ، وكِلْسِيَّةِ أَمْسِي!

تقتلني الذَّاكرةُ الباكيةُ، العَرْجَاءُ، بسيفي!

تَتَصَادَي غَفْوةُ زمني الرَّاهن مع يقظةِ وطْأة أَمْسِي!

وعلى عتباتِ الرُّوحِ الغَافيةِ على راحةِ كَفِّي،

تَنْسَلُّ أصابعُ من وهَجٍ وضَّاءٍ تَنْقُرُ،

في العَتْمَةِ،

جبهةَ رأسي،

وتُوشِّمُ وجْنَةَ وجْهِي اليُمْنَى بالأخضر،

وتعانقُ أَمْواجَ أثير الصَّوتِ المائجِ فوق جبيني، لِتخطُّ على شَاهدِ رَمْسِي؛

هذا المَحْفُورِ بأظلافِ خَنَازيرٍ،

وَمخاليبَ وُحُوشٍ،

وأظافيرَ خِرافٍ من فحَمٍ،

ودُخانٍ أَسْودَ،

وهَبَابٍِ مِن كِلْسٍ رَغَوِيٍّ رَخْوٍ،

وعِظامٍ يَكسُوهَا ملحٌ يَكْسُوهُ العفنُ المزمنُ:

"كُونِي قَاسِيَةً يا واحِدَتِي، لكنْ لا ..."!

كُوْنِي قَاسِيَةً يا واحِدَتِي،

لَكِنْ لا، ...

لا، لا، ...

لا تَبْتَعِدِي!

كُوْنِي قاسيةً يا واحِدَتِي الآتيةُ من الغيبْ،

أو كُوْنِي خنجر عشقٍ أبديٍّ يُدْمِي القلبْ،

أو كُوْنِي ثَلْجَاً يُشْعِلُ في أوصَالِي لهبَ الوَجْدْ،

أو كُوْنِي مرفأ لا يستقبل غير المذبوحينْ؛

فأكِونُ المذبوحَ الأوَّلَ،

والثَّاني،

والثَّالث،

وأكُونُ المذبوحَ على شَطَّيكِ بعينيكْ،

أُبحرُ عبر خلايا الجِلْدِ،

وأَعْطَافِ الرُّوح،

وَأَسْألُ، مَلُهُوفَاً، عَنْكْ!

اللَّوحة للفنان حسني رضوان

اخر الأخبار