لبنان العربي أكبر من الطائفية

تابعنا على:   09:46 2019-10-24

د. فايز أبو شمالة

أمد/ مظاهرات الشعب العربي اللبناني لا تقتصر على طائفة دون أخرى، ولا تقتصر على فئة عمرية، مظاهرات الشعب اللبناني يشارك فيها الصغير والكبير، والرجل والمرأة، ويشارك فيها المسيحي والمسلم، والسني والشيعي، والدرزي والشركسي، في مشهد يختزل حقيقة لبنان العربي الذي أراد له الأعداء أن يختنق بحبل الطائفية المقيت، وأن يظل أسير تحالفات وسياسيات رسمها الاحتلال الفرنسي قبل عشرات السنين.
مظاهرات الشعب العربي اللبناني تحاكي الحالة العربية كلها، وهي ترفض هذه الأنظمة التي ورثت السيطرة على حياة المجتمعات العربية من الاستعمار الفرنسي والبريطاني، في مفارقة تؤكد أن ميلاد دولة الاحتلال الإسرائيلي كان قرين سيطرة تلك الأنظمة على الشعوب العربية التي أخذت اليوم تتنفس حريتها، وتتحرك في الساحات والميادين، وهي تقول: إن مواسم الربيع العربي لا يجف اخضرارها، وما فشلت في تحقيقه الجولة الأولى من ربيع العرب، ستتمكن منه جولات الربيع المتتالية، والتي ستطال كل مكان في بلاد العرب، والعيون ترنو إلى النموذج الراقي الذي جسده الشعب التونسي في انتخاب رئيسه، وهو يردد مع شاعر تونس أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بلاد أن يستجيب القدر.
إنه قدر الجماهير العربية الذي يتجسد في أصالة الشعب اللبناني، ويعبر عميق انتمائه لتاريخه العربي وحضارته، هو يحرق علم أمريكا وإسرائيل، ويضع إصبعه على أسباب المرض الذي أنهك الجسد العربي ككل، وأعيا الجسد اللبناني بالتحديد، فكان حرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي تأكيداً على حرق الفتنة وخنق بؤر التسلط والتجبر على هذه الأرض.
حرق العلمين الأمريكي والإسرائيلي جاء مفنداً لرأي أولئك الداعين إلى عدم التدخل في الشؤون العربية، والقائلين بضرورة الاهتمام بالحالة الفلسطينية فقط، فكان الجواب من الشعوب العربية في تونس ولبنان والجزائر والسودان يؤكد أن فلسطين قلب الأمة العربية، وأن الملوك والرؤساء العرب جميعهم يتدخلون في الشأن الفلسطيني، بل ويتآمر بعضهم على فلسطين لتثبيت حكمه، متجاهلاً مصلحة الشعوب التي أدركت بفطرتها أن التآمر عليها وعلى مستقبلها بدأ من اللحظة التي فكر فيها الصهاينة باحتلال فلسطين، وتحويلها إلى قلعة التآمر على مصالح الأمة العربية.
سينتصر الشعب العربي اللبناني على الطائفية والتفرقة والاختلاف، وسيهزم الأحقاد التي خلفها الاستعمار وأعوانه، وستنتصر الشعوب العربية قريباً، كما سينتصر الشعب الفلسطيني على كل عائق، وسينجلي ربيع لبنان العربي عن حقل سنابل، وسيصفو قمر تشرين مبدداً عتمة الأنظمة، لتعانق الشعوب مستقبلها المشرق، الذي ترسمه الأجيال الشابة بعيداً عن القطرية والطائفية والتبعية.

اخر الأخبار