مصير "داعش" بعد البغدادي

تابعنا على:   07:50 2019-11-01

د. محمد السعيد إدريس

أمد/ التنبؤات الكثيرة التي أخذت تتردد حول مستقبل تنظيم «داعش» الإرهابي بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي تكشف عن تجهيل متعمد لحقيقة هذا التنظيم، والتعامل معه باعتباره تنظيماً مستقلاً له رسالته، وله أهدافه، وليس كياناً جرى تصنيعه كغيره من التنظيمات الإرهابية التي ابتلي بها العرب والمسلمون في بلادهم لأهداف عليا للقوى الدولية الكبرى التي تدير هذه الشبكة الجهنمية من التنظيمات الإرهابية. فالأسئلة من نوع ما هي هوية من سيخلف البغدادي، أو هل سيكون في مقدور الزعيم الجديد ل«داعش» أن يحفظ لهذا التنظيم الإرهابي تماسكه، أم أنه سينفرط، ويتشظى، أم أنه سيعود مجدداً إلى تنظيم القاعدة «الأم» الذي انفصل عنه عام 2014 بعد أن رفض «داعش» علنياً سلطة وهيمنة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الذي كان طلب من «داعش» في نهاية عام 2013 التركيز على العراق، وترك سوريا ل«جبهة النصرة»؟

الأسئلة مهمة، لكنها تخرج بالقضية من سياقها الطبيعي الذي يتمثل أولاً في كون «داعش» مجرد أداة جرى تصنيعها لأداء أهداف محددة أبرزها فرض «الإسلامو- فوبيا» عالمياً، وجعل الإسلام الخطر والعدو الحقيقي الذي يتهدد العالم كله، وليس العالم الغربي فقط. هذا الهدف يرتبط تماماً بمخططات العديد من كبار المفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين من أمثال زبيجنيو بريجنكسي، وصموئيل هنتنجتون.

ومن هنا كان لابد من تفجير الصراعات الداخلية في العالمين العربي والإسلامي عرقياً، ودينياً، وهنا كان التوجه إلى تأسيس وتوظيف التنظيمات الإرهابية التي تحمل رايات وشعارات إسلامية، وتمارس أبشع أنواع الإرهاب، إلى درجة تستدعي التدخل الأمريكي لضرب هذا الإرهاب كمجرد ذريعة للتدخل العسكري على نحو ما حدث في أفغانستان بعد تفجيرات 2001، ثم العراق، والآن سوريا.

تنظيم «داعش» لم ينشأ من فراغ، تماماً كما تنظيم «القاعدة»، دائماً كانت هناك أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية و«الإسرائيلية» تتعاون مع أجهزة استخبارات أخرى عربية وإسلامية.

لم يأت البغدادي من فراغ، فبعد مقتل أبوعمر البغدادي اختار تنظيم «جيش أهل السنة والجماعة» أبوبكر البغدادي خليفة له، وهو الذي كان مسجوناً في معسكر الاعتقال الأمريكي في العراق (معسكر بوكا). والجدير بالذكر أن المسؤول الأمريكي السابق في الاستخبارات الأمريكية «مايكل فيكرز» هو الذي كلف بمتابعة أبوبكر البغدادي، والإشراف على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والوثائق التي كشفها «أدوارد سنودن» المسؤول السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي تؤكد أن الوكالة، وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية و«الإسرائيلية»، (الموساد)، مهدت لظهور تنظيم «داعش»، كما أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها الذي حمل عنوان «خيارات صعبة كلمة السر 360» بأن «الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم (داعش) بهدف تقسيم منطقة الشرق الأوسط».

كل هذا يعني أن قرار مستقبل «داعش» بعد مقتل أبوبكر البغدادي سيظل رهناً بإرادة من يملكون القرار الفعلي في هذا التنظيم، وما إذا كانت الأدوار التي يقوم بها ما زالت مطلوبة، أم أن هذا التنظيم استنفد أغراضه. هذه الإجابة هي التي ستحسم كل ما يتعلق بمستقبل «داعش» بعد البغدادي.

أما السياق الثاني الذي لا يقل أهمية بالنسبة إلى قضية مقتل البغدادي فهو التطورات المتسارعة في شمال شرق سوريا، وربما في الشمال السوري كله، بما فيه محافظة أدلب. فقرار الانسحاب الأمريكي من هناك وضع «قوات سوريا الديمقراطية» بين خيارين: إما الانسحاق أمام الغزو التركي، وإما العودة إلى الدولة السورية، وفي الحالتين كان مصير «داعش» قد بات منتهياً في ظل انهيار التنظيم.

كان ترامب فى حاجة إلى انتصار يواجه به حملات الكونجرس، وخطر تعرضه للمحاكمة والعزل، وهذا يعني أن اغتيال البغدادي كان تحصيل حاصل في ظل ظروف تداعي «داعش»، والانسحاب الأمريكي.

عن الخليج الإماراتية

كلمات دلالية

اخر الأخبار