حماس 2020: لا قفز من تايتنك اردوغان

تابعنا على:   17:31 2019-12-05

فؤاد ابو حجلة

أمد/ رغم النفي المتكرر لوجود صدع في العلاقة التحالفية بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي من قبل قادة الحركتين، يظل الصدع موجوداً، ويبدو أكثر وضوحاً في الحراك السياسي اللاحق للمواجهة الأخيرة بين حركة الجهاد وإسرائيل، وهي المواجهة التي خاضتها الجهاد منفردةً، رغم اندلاعها في جغرافيا الحكم الحمساوي في غزة.

وبينما تؤكد حركة الجهاد، وبلسان أمينها العام زياد نخالة عمق علاقتها بطهران، يختار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية أن يتجاهل إيران تماماً، ويبدأ من القاهرة جولة تشمل تركيا، وقطر، وروسيا، ما يعني أن الحركة تقرأ المشهد الإقليمي بموضوعية، وتحتكم إلى حسابات الربح والخسارة في إعادة تموضعها في منطقة تشهد تراجعاً يكاد يصل حد الانهيار للنفوذ الإيراني، بعد اشتعال شوارع بيروت، وبغداد بالتظاهرات الغاضبة ضد هذا النفوذ وتعبيراته المحلية، وبعد أن تفجر الغضب الشعبي في الداخل الإيراني، واشتعلت المواجهات في طهران، والعديد من المدن الأخرى، بالتزامن مع تشديد العقوبات الأمريكية على نظام الملالي الذي كان إلى أمد قريب يتربع على قيادة ما اختار السياسيون تسميته محور المقاومة.

هذه البراغماتية السياسية في قراءة المشهد الإيراني غابت عن تقييم حماس لعلاقتها بتركيا، وارتباطها بنظام أردوغان، وربما لم تغب تماماً، لكن الحركة اختارت تغييبها بحكم الضرورة، وإدراكها لحاجتها للارتباط بعاصمة إقليمية تتبنى المشروع الإسلاموي، ولو كان مجرد غطاء للمشروع العثماني العتيق.

كان الخيار الحمساوي صعباً بين كسرى والباب العالي، لكن الحركة اختارت في النهاية البقاء في مربع الطائفة، وتخلت عن نافذتها الإيرانية ليظل الباب التركي مفتوحاً أمامها. وهكذا يذهب هنية إلى أنقرة لتأكيد قرار الحركة البقاء في السفينة التركية التي حولها أردوغان إلى تايتنك تمخر عباب بحور النار وهي منخورة بالثقوب.

لم يكن ذلك مفاجئاً لأحد، لأن حماس ومعها بعض التكوينات الإسلاموية الفلسطينية الأقل شأناً، تفردت بالصمت على جريمة الغزو التركي للأرض السورية، وكان موقفها أقل أهمية حتى من موقف جامعة الدول العربية.

بل ذهب بعض شيوخها إلى التحريض على دمشق في الوقت الذي كانت فيه الدبابات التركية تعجن تراب الشمال السوري، ولحم أبنائه. ولم يكن تصريح كمال الخطيب، الذي قال، إن "فلسطين أقدس من أن يدافع عنها نظام يقتل المسلمين" في إشارة إلى الحكم في سوريا، إلا تعبيراً عن الموقف الحقيقي للحركة الإسلامية في فلسطين في تأييد الغزو التركي، وتأكيد الولاء للسلطان العثماني الجديد.

هذه الهرولة السياسية المدهشة، والإصرار على الارتماء في الحضن التركي، لا تجد ما يبررها حتى بالمنطق الانتهازي، لأن حاكم تركيا المصاب بجنون العظمة، لا يمتلك عناصر العظمة وأدواتها، ولأن حلمه باستعادة المجد الغابر للإمبراطورية العثمانية يصطدم بالواقع الصعب في الداخل التركي، أين يُزج بمئات الآلاف من المواطنين في سجون النظام، وتُقصى أعداد أكبر ويطردون من وظائفهم لمجرد الاشتباه في تأييدهم للمعارض التركي فتح الله غولن، ناهيك عن الحرب التركية المفتوحة ضد الأكراد، في تعبير فظ عن العصبية العرقية التي ترى الأتراك بشراً أرقى وأعلى شأناً من الأكراد، ومن العرب أيضاً.

وكذلك يبدو الواقع أكثر صعوبة في محيط تركيا الإقليمي وعلاقاتها الدولية، أين تخوض حربا في سوريا، وينشغل حاكمها الإخواني بالتعبير عن انفعالاته العصبية بتوجيه الاتهامات إلى زعماء عرب وأوروبيين لا يستطيعون الصمت على جرائمه في الداخل والخارج.

تذهب حماس الآن إلى تركيا، وتحدد مسارها في 2020، وهي تدرك أن لا شيء يعني أردوغان أكثر من أردوغان، وأن من أعلى الصوت الخطابي في شتم إسرائيل يتحالف معها في سوريا، ويحرص على تمتين علاقات نظامه مع تل أبيب، التي وصلت أرقام تجارتها مع أنقرة مستويات غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الدولة التركية، والكيان الإسرائيلي.

إنها سياسة الضرورة الإخوانية التي تقدم الحركة والجماعة على الوطن، وهي السياسة الانتحارية التي تقود إلى الغرق في سفينة اردوغان.

كلمات دلالية

اخر الأخبار