دفاعا عن المرأة

تابعنا على:   20:27 2019-12-21

عمر حلمي الغول

أمد/ المجتمع الفلسطيني إسوة بكل المجتمعات البشرية يتكون من كل ابنائه من الجنسين، لا فضل فيه لجنس على الآخر إلآ بما يساهم في الدفاع عنه، وحمايته وتطوره، وإحترام قيمه ومكانته السياسية والإجتماعية والقانونية والثقافية والدينية، وبالتلازم مع ذلك تماثله مع روح العصر، وإلتزامه بالمعاهدات والقوانين الأممية، بإعتباره جزءا من المنظومة العالمية، كونه لا يعيش في فراغ، وليس معزولا عن دول وشعوب الأقليم والعالم ككل.

نعم لكل مجتمع سماته الخاصة، وشروط تطوره المرتبطة بسياقه التاريخي، التي صبغته بهوية مميزة، وثقافة تعكس ملامح شخصيته المحددة. غير ان المجتمعات في سيرورة تطورها تسعى دوما للنهوض بمكانتها بين الشعوب، وتعمل على إزالة وطرد الأفكار والقيم والتقاليد البالية والمتخلفة المتعاكسة والمتناقضة مع روح العصر، الذي تعيشه. لكنها لا تتخلى عن موروثها الثقافي والحضاري وخصائصها، التي تعكس هويتها الوطنية والقومية.

عطفا على ما تقدم، شهدت الساحة الفلسطينية في الأونة الأخيرة جدلا وهجوما هادفا، ومفتعل ورخيص من قبل مجموعات دينية متزمتة عنوانها حزب التحرير الإسلاموي والإخوان المسلمين وكل من والاهم من المتزمتين على حقوق المرأة الفلسطينية خصوصا، وإتفاقية "سيداو" الأممية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 34/ 180 بتاريخ 18 كانون أول/ ديسمبر 1979، والتي نادت بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة. وإعتبرت تلك المجموعات، أن موافقة السلطة الوطنية على الإتفاقية "جنوحا" و"خروجا" عن العادات والتقاليد الفلسطينية. وهو إدعاء باطل، لا يمت للحقيقة بصلة. لا سيما وان منظمة التحرير الفلسطينية في دورتها ال19، التي عقدت بالجزائر في 15/11/1988 صادقت على وثيقة الإستقلال، التي نصت على الآتي: " إن دولة فلسطين للفلسطينيين، أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية، وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي والرأي الآخر .." وأكدت الوثيقة على: العدل الإجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على اساس العرق أو اللون أو الدين، أو بين المرأة والرجل في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل." وبذلك أمست الوثيقة مرجعا اساسيا للمشرع الفلسطيني في العلاقة بين ابناء المجتمع الفلسطيني، وهو ما تكرس فعليا في النظام الأساسي للسلطة الوطنية بشكل عام وفي المادة العاشرة خصوصا حول مكانة المرأة وحقوقها في المجتمع.

ولم تخرج الوثيقة ولا النظام الأساسي عن الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية، بل أن كلاهما كانا منسجمين مع الواقع السياسي والإجتماعي والقانوني والديني الفلسطيني والعربي، دون التعارض مع إتفاقية "سيداو" ولا مع حقوق الإنسان، ولا مع القيم العالمية.

أضف لذلك، يمكن الجزم لكل الأبواق المنفلتة من عقال التزمت والتخلف والأمية، كانت ومازالت المرأة الفلسطينية شريكا اساسيا في الكفاح الوطني التحرري، ووقفت جنبا إلى جنب مع الرجل، وعلى قدم المساواة في الدفاع عن حرية وكرامة وأهداف الشعب العربي الفلسطيني. ولم تبق المرأة في البيت ساكنة، ورهينة العقلية المنغلقة والمتحجرة، ورفضت الإرتهان للعقلية الذكورية النمطية والبائدة، ونزلت للميدان في كل ثورات الشعب الفلسطيني المتعاقبة، وإستشهدت، وجرحت، وإعتقلت، وكانت في الحقل والمصنع وفي ميدان العمل، وأنجبت، ورعت وعلمت أبنائها، وحمت اسرتها، وهويتها الوطنية.

ولهذا لا يمكن ان تبقى المرأة أسيرة التبعية والغبن والظلم والتمييز الإجتماعي والسياسي والقانوني. وإدراكا من قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية لمكانة ودور المرأة منحتها حقوقها، وساوتها بالرجل، ومنحتها حقوقها، ورفعت من شأنها، عرفانا بشجاعتها وقدوتها وهو ما أكدت عليه وثيقة الإستقلال بالقول " المرأة الفلسطينية الشجاعة حارسة بقائنا وحياتنا، وحارسة نارنا الدائمة". وفي ذات الوقت لم تخرج القيادة السياسية عن الموروث التاريخي الإيجابي للشعب العربي الفلسطيني والمتناغم مع روح العصر.

لكن قوى الردة والتخلف إعتقدت ان قوى الثورة والسلطة باتت ضعيفة، لذا إندفعت في شن هجومها المفتعل والجبان والمرفوض، مفترضة ان الفرصة باتت مؤاتية لها لفتح معارك جانبية، هدفها تعميق عملية الإنقسام، وخدمة مخططات الأعداء وفي مقدمتهم الإستعمار الإسرائيلي، وصفقة القرن الأميركية. لكنها أخطأت كثيرا، ووقعت في شر حملتها الغبية والفاشلة، لإن القيادة ومعها كل قطاعات الشعب ترفض الإنتقاص من مكانة المرأة ودورها وحقها الحر والكريم في المجتمع، وستحمي كل قانون سنتة وصادقت عليه الهئيات الدستورية والقضائية الوطنية، كما ستحمي الحقوق والأهداف الوطنية في الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة.  

اخر الأخبار