تقرير: عمالة الأطفال براءة مقموعة وحقوق مهدورة

تابعنا على:   13:32 2020-02-07

أمد/ غزة - آمنة الدبش: كبروا قبل أوانهم، شاخت طفولتهم واندثرت أمانيهم وأحلامهم بواقع مأساوي مرير كالعلقم، يتجرعون مرارة الجوع والحرمان ويدفعون ثمناً باهظاً من أعمارهم وأجسادهم من أجل إعالة أسرهم.

تعد ظاهرة عمالة الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية التي تمس كيان مجتمعنا الفلسطيني خاصة في قطاع غزة. ظاهرة أفرزتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية نتيجة الحصار والانقسام السياسي، الذي اتسع نطاقه مما اضطر بعض الأسر لدفع أطفالهم إلى سوق العمل وتشغيلهم بأعمال شاقة لا تناسب قدراتهم الجسدية، وحرمانهم من التعلم واستغلال أرباب العمل ظروفهم بالعمل لساعات طويلة بأجور متدنية، مع غياب القوانين الرادعة والضرورية لمكافحة هذه الظاهرة.

وتشير الإحصائيات الصادرة عام 2019 عن مركز الإحصاء الفلسطيني، بأن نسبة 3% تقريباً من إجمالي الاطفال في فلسطين يعملون في سوق العمل، وتقدر الاعداد بحوالي (66782) ألف طفل بواقع (64609) ذكور و(2173) إناث. حيث بلغت النسبة في الضفة الفلسطينية 4% من إجمالي عدد الاطفال بالضفة، ويقدر العدد (51015) طفلا عاملا من 10-17سنة، وفي محافظات غزة تقدر النسبة 1.3% من إجمالي عدد الأطفال في قطاع غزة، ويقدر العدد (13594) طفلا عاملا من سن 10-17سنة، وسط ازدياد معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة.

تداعيات الفقر

الفتى أحمد (15 عاماً)، أجبرته ظروف العيش القاسية على مغادرة مقاعد الدارسة والعمل في ورشة لصناعة الألمنيوم لمساعدة أسرته على توفير حاجياتها الأساسية قائلاً: "لم أستطع الوقوف عاجزاً أمام ظروف قست على والدي بتراكم الديون، فإنني أذهب لعملي من الصباح حتى مغيب الشمس، صحيح أن ما أحصل عليه ضئيلاُ لا يتعدى 5-10 شواكل يومياً لكن هذا ما أستطيع فعله".

استرجع أحمد أنفاسه مع تنهيدات مستكملاً حديثه: "أقسى لحظات عندما أشاهد زملائي يذهبون للمدرسة حاملين حقائبهم وأنا أسير بجوارهم حاملاً مفتاح الورشة".

وباسم (14عاماً) الذي يعمل في إحدى المناجر، ترتسم ملامح الرجولة عليه رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة ومرض والده الذي أقعده في الفراش وهو المعيل الوحيد له على أربع شقيقات، إلا أنه يحافظ على التزامه بمدرسته وواجباته تجاه أسرته بنفس الوقت، حيث يستيقظ من نومه مبكراً للذهاب إلى مدرسته ويعود في الثانية عشرة ظهراً ليبدل ملابسه ويتوجه إلى المنجرة ليبدأ رحلة عمله نظير مبلغ ضئيل لا يتجاوز 20 شيكلاً أسبوعياً.

يوسف ابن (12عاماً) لا يبالي بصقيع البرد القارص وحرارة الشمس المحرقة، يخرج للعمل ليساعد والدته وأخواته على المعيشة الصعبة، يصارع الفقر والعوز اللذين حرماه التعلم والعيش الكريم بالعمل على كارة (عربة) في السوق من الساعة السادسة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، حيث يحصل من 10-20 شيكلا يومياً يغطي نفقات احتياجات أسرته المكونة من 8 أفراد.

وتروي أم يوسف معاناة عائلتها قائلة: "إن زوجها تركها وحيدة أي مهجورة لم تستطع العمل بسبب وضعها الصحي المتردي، تمنت لو أن يكمل يوسف تعليمه لكن ظروفهم المادية سيئة"، موضحة أنها طرقت ابواب جميع الجمعيات والمؤسسات لمساعدتها في محنتها لكن دون جدوى لا يسمع أحد ضجيج فقرهم ومحنتهم".

سؤال الحماية .. والرعاية

أطفال رمت بهم نيران الحصار والانقسام إلى أبواب الفقر والحرمان لا يختلفون عن الذين يستعطفون السائقين والمارة لتوفير جزء يسير من قوت يومهم ليعينهم على سد رمقهم للبقاء على قيد الحياة.

وفي هذا السياق، أوضح مسؤول المكتب التنفيذي لكتلة الوحدة العمالية، الإطار العمالي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في رفح عماد القيق، أن إفراز ظاهرة عمالة الاطفال وما يرافقها من انتهاكات تتمثل في حالة الحصار الخانق المفروض منذ سنوات على قطاع غزة، والعدوان المتواصل وما خلفه من تدمير للبنية التحتية والاقتصادية في مختلف قطاعتها وانضمام آلاف العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل.

وأشار القيق إلى أن المجتمع الفلسطيني أصبح أمام مشكلة حقيقية، وهي حماية هؤلاء الاطفال العاملين وصون حقوقهم، ومن جانب آخر نجد تقاعسا في الجهود المبذولة وتجاهل الأطراف المختصة وغياب آليات تترجم على أرض الواقع.

وأكد على أن دفع بعض العائلات بأطفالها للعمل جريمة لا تغتفر، ويجب الحد منها، لما لذلك من أبعاد نفسية واجتماعية تؤثر على نفسية الطفل حيث تنعكس طفولته على شخصيته، ما يؤدي إلى تبلور شخصية غير سوية.

غياب القانون.. والرقابة

وأضاف المستشار في القانون المدني د. يوسف أبو هاشم، أنه "على الرغم من تجريم تشغيل الأطفال واستغلالهم اقتصادياً بحسب قوانين أقرتها اتفاقيات دولية مثل (حقوق الطفل) في المادتين (10-32) التي تعترف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني والعقلي والمعنوي والاجتماعي"، مبيناً أنهم ما زالوا يمارسون الإتجار بالبشر مستغلين ضعف الطفل وعدم قدرته على الإدراك.

وأكد أبو هاشم على أن تشغيل الأطفال جريمة قانونية مجتمعية تحت وطأة الحاجة الاقتصادية فيما تنص التشريعات والقوانين على منع تشغيلهم أكثر من ست ساعات متوالية تتلوها فترة راحة، قوانين حبيسة الأدراج في المجلس التشريعي الفلسطيني وتطبيقه بحاجة إلى جهود كبيرة من قبل السلطة التنفيذية.

وطالب أبو هاشم بضرورة التركيز الإعلامي على خطورة انتشار هذه الظاهرة على مجتمعنا وضرورة تكاتف جهود كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني للحد من اتساع فجواتها والضغط على وزارة الشؤون الاجتماعية بوجود ضمان اجتماعي للأسر الفقيرة داخل المجتمع، واتخاذ إجراءات حازمة ضد من يشغلون الاطفال في منشآتهم ومحاربة التسرب من المدارس وتعزيز أهمية التعليم.

آثاره السلبية

ومن جهته، أضاف الأخصائي النفسي د. محفوظ عثمان، أن "الطفل يعاني أثناء العمل من الحرمان من كافة الأشكال الاجتماعية والصحية والنفسية بسبب خروجه من البيئة الطبيعية التي يجب أن ينشأ فيها إلى بيئة لا تتناسب مع تركيبته البدنية والعقلية والنفسية".

ونوه عثمان إلى أن الأثار السلبية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال والتي تتمثل في فقدان فرص التعليم والتعرض للعنف بكافة أشكاله واكتساب العادات السيئة، مثل التدخين أو تعاطي المخدرات مما يؤثر على التطور العاطفي والمعرفي والسلوكي لديه، حيث يصعب عليه احترامه لذاته والاختلاف عن الآخرين، ويصاب بالتوتر والقلق واضطراب السلوك والكثير من الأمراض النفسية.

بدوره، أوضح عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سلامة أبو زعيتر، أن قضية تشغيل الأطفال تعد من الظواهر السلبية في المجتمع الفلسطيني، وهي نتاج العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية وفيها استغلال للطفولة وانتهاك لحقوقهم.

وأكد على أن دور النقابة يتركز على مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال من خلال كشف الانتهاكات التي يمارسها المشغلين في تجاوز القانون وفضحها، وتحميل الجهات الرسمية في الحكومة مسؤوليتها لوقف هذه الظاهرة وخاصة وزارة العمل. مشيراً إلى أن الاتحاد قدم العديد من الوقفات ضمن حملات ضغط لوقف انتهاك القانون بتشغيل الاطفال دون سن العمل، وتم عقد العديد من الورش واللقاءات التوعوية لمخاطر تشغيل الأطفال واستغلالهم في العمل.

وطالب أبو زعيتر بوضع حلول جذرية لعمالة الأطفال لعلاج هذه الظاهرة التي تحتاج لتعاون كل الاطراف ومنها، والعمل على تطوير منظومة القوانين والتشريعات لمكافحة الظاهرة بشكل رادع من خلال معاقبة كل مشغل ينتهك القانون، والعمل على مراقبة ومتابعة كل ورش العمل من الجهات التنفيذية لتطبيق القانون، وتفعيل دور التوعية المجتمعية حول مخاطر تشغيل الأطفال دون سن العمل، وتطوير منظومة التعليم الإلزامي لسن 15 سنة، وخلق توازن في منظومة التدريب المهني لتأهيل الاحداث للعمل بشكل منظم. أطفالنا محور عملية البناء في المجتمع، وهم بذرة الحلم الفلسطيني. ناقوس وجب قرعه، فمن ينقذ هؤلاء الأطفال..؟

اخر الأخبار