هل سقطت صفقة القرن؟

تابعنا على:   09:26 2020-02-19

مروان كنفاني

أمد/ للمرة الثانية خلال ستة واربعين عاما وقف ثاني رئيس فلسطيني في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ليطالب بحقوق بلاده وشعبه، وبينما نجح الرئيس الشهيد ياسر عرفات في عام 1974 في مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة في إثارة ضمير العالم بجملته الشهيرة "جئتكم أحمل غصن الزيتون"، نجح الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس في مخاطبة مجلس الأمن الدولي مساء يوم الثلاثاء الماضي في إقناع العالم "جئتكم لأطلب السلام العادل فقط" وتأكيده لحقيقة أن الرفض للمبادرة الأمريكية ليس موقفا ومطلبا للشعب الفلسطيني فحسب بل هو موقفا دوليّا عارما تشاركت فيه دول العالم باسره  فيما عدا حكومة الرئيس الأمريكي ترامب.. وإسرائيل.   
اذا ما سقطت صفقة العصر كما يعتقد البعض فإن السبب لن يكون الرفض والتظاهر الفلسطيني فحسب. ذلك أن القرارات والمعاهدات  والاتفاقات والمبادرات التي تتبناها الحكومات المريكية محكومة بموافقة المجالس التشريعية الامريكية بشكل أو آخر، كما أنها مرتبطة بموافقات الدول الحليفة للولايات المتحدة والتكتلات السياسية كحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. والغالب الأعظم من تلك الدول والتحالفات قد عارضت بشكل واضح وصريح الميادرة الأمريكية سيئة السمعة والصيت.
ليس من الصعب الإدراك بأن الإدارة الأمريكية الحالية ترى وتسمع ما يجري من تطورات، وتبدو الآن منهمكة في معرض "تحسين" مبادرتها التي واجهت معارضة دولية وأمريكية، فمنذ بداية الشهر الحالي تحدث مسؤولين أمريكيين بارزين عن أن المبادرة هي "مجرد اقتراحات" وأنها "تهدف لإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات".  وأن الميادرة الأمريكبة "ليست نهاية المفاوضات بل بدايتها". وصرّح وزير الخارجية الأمريكي بأن" المبادرة الأمريكية هي رؤية أمريكية ونحن بانتظار أن يقدم الفلسطينيون مبادرتهم". وتتردد اقتراحات في أروقة الأمم المتحدة تدعو "لتجميد" الإدارة الأمريكية للخطوات التنفيذية المقترحة في مبادرتها وعرضها على طاولة المفاوضة القادمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي هي مطلب الأمم المتحدة والغالبية من دول العالم. الخطورة في هذه الاقتراحات، في حالة سفوط المبادرة الأمريكية، هو فقدان الإطار التفاوضي الذي سيتم التفاوض حوله.   
حين تتوقف طبول النصر احتفالا بهذا الانجاز، سوف تدرك القيادات الفلسطينية مدى المهمة الصعبة التي تنتظرهم في طريق تحقيق انجاز ملموس لوطنهم وشعبهم. كان اتفاق اوسلو هو الاتفاق الأول والوحيد الذي وقّعته إسرائيل مع الفلسطينيين أنفسهم منذ عام 1923. وقد أمكن التوصل لذلك الاتفاق بسبب تحقيق شرطين وضعتهما إسرائيل منذ حرب عام 1948. أولهما أن لا تفاوض العرب جماعيّا بل إفراديّا كما تم في المفاوضات العربية الإسرائيلية في رودوس. وثانيهما أن لا توافق إسرائيل على مشاركة أو إشراف أية دولة على تفاوضها مع الفلسطينيين سوى الولايات المتحدة الأمريكية.
حذّرت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة من التأخير في العودة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأن التأخير سوف تستغلّه المنظمات الإرهابية. والحقيقة هي ان إسرائيل وحدها هي المستفيدة من تأخير أو ربما إلغاء التفاوض والعودة لسريان "الامر الواقع" الذي ساد في العلاقات الفلسطينيين والإسرائيليين منذ توقف التفاوض بينهما في عام 1999. ففي حوالي العشر سنوات الماضية منذ ذلك التاريخ تمكّنت إسرائيل من مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وبناء العديد من المستوطنات على الأرض الفلسطينية، وأنجزت تقريبا ضم القدس الشرقية، وهي على ابواب فرض القانون الإسرائيلي على الأراضي التي صادرتها من الضفة الغربية. وكل ذلك في مخالفة للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. إن كافة هذه المخالفات والتجاوزات الإسرائيلية لم تتم أثناء سنوات التفاوض مع الإسرائليين بل بعد فشل المفاوضات وسريان الأمر الواقع. يرى العديد من الخبراء في مشكلة الشرق الأوسط أن المستفيد الأكبر من سقوط المبادرة الأمريكية هو إسرائيل، لأنها ستستفيد من العودة إلى سريان الأمر الواقع بكل الميزات التي تضمنته المباركة الأمريكية بدون تقديم أي تنازل حول أي موضوع لمصلحة الفلسطينيين على قلّته. العودة للتفاوض قد لا توقف هذا الجشع لنهب الأراضي الفلسطينية ولكنه سوف يسمح بتدخل دولي لوقف هذه الجرائم ويبرر كافة الوسائل التي قد يلجأ اليها الفلسطبنيون لحماية أرضهم ومقدساتهم.
على الفلسطينيين اليوم إدراك أن العالم بغالبيته يدعم حق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية في دولة مستقلة، كما يؤيد تنفيذ خيار الدولتين وفق ما تصفه روسيا "دولتين يسبقها تفاوض"، ولكن قوى العالم لم تدعم تحرير فلسطين أو عودة اللاجئين أو انسحاب إسرائيل لحدود عام 1967، وسوف تكون هناك شروط قاسية ومؤلمة تخضع لها الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة ذات السيادة الوليدة كما يطلب الفلسطينيون. كل هذه الأمور تتطلب اصطفاف وتوحّد الأهداف بين الشعب الفلسطيني وفصائله المتعددة، والتفاهم والانفاق بين الفصائل بعضها البعض، الأمر الذي يبدو الآن أن التوصل مع إسرائيل إلى اتفاق، على صعوبته، أسهل منه. هناك خيارين لا ثالث لهما للتنظيمين الفلسطينين الأقوى والأكبر، أولهما أن يستمرو في خلافاتهم ومصالحهم والتراشق بالاتهامات والتخوين، وسيحصل كل منهما على ما يبدو الهدف الذي ينشدوه، إمارة منزوعة من السلاح في غزة مع الكثير من الاسمنت والحديد لحركة حماس، ودويلة الضفة الغربية التي يتزايد الدخل المردود لها من إسرائيل. ولكن خيارالقوة الفلسطينية المتمثّل في وحدة الموقف الفلسطيني في التفاوض كما كان في النضال هو القادر على إعادة اللحمة للأرض والشعب الفلسطيني وتحقيق أمل الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للنمو. والخيار لنا، لا للولايات المتحدة ولا لإسرائيل.
هل لا زال هناك وقت لتوصل الطرفين الفلسطينيين المتنازعين إلى برنامج وطني مشترك بمكّن أي وفد تفاوضي فلسطيني بتمثيل كل الفلسطينيين وكل فصائلهم؟ هل ستقبل حركة فتح النفاوض وحدها وفق إطارغير المبادرة الأمريكية بينما ترفض حركة حماس المشاركة والنتائج؟ هل يتحقق حل الدولتين بالتوصل لدولة رام الله الفلسطينية ودولة غزة الفلسطينية أيضا؟ أم أننا سنمكّن إسرائيل لقيادتنا مرة أخرى لمرحلة "أمر واقع" جديدة؟

اخر الأخبار