فلسطين .. بين صفقة القرن والمصالح الحزبية

تابعنا على:   14:57 2020-03-03

جيهان فاروق الحسيني

أمد/ لم يكن هناك ما يثير الدهشة فيما تضمنته صفقة القرن الأمريكية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما عبرت بعض  قيادات في السلطة الفلسطينية عن صدمتها بالقول: "أن صفقة  القرن خطة إسرائيلية أعدها نتنياهو-في إشارة لرئيس الحكومة الإسرائيلية- بالرغم  من أن قادة السلطة يعرفون الحقيقة كاملة".

ليس جديداً، أن الإدارات الأمريكية بمختلف توجهاتها كانت وما زالت تتبنى المواقف "الإسرائيلية" تماماً، وليس فقط الإدارة الحالية، لكن الفارق أن الرئيس ترامب يعلن عن مواقفه بشكل مكشوف وبدون مواربة، وإن كان قد  تخطى الحدود إلى درجة غير مسبوقة في تبنيه  للمطامع "الإسرائيلية" التي لا تنتهي، وذلك عندما سلم مقاليد  العملية السلمية كلها لصهره ومستشاره "جاريد كوشنر" بالرغم من خبراته المحدودة جداً في هذا الشأن، وبالإضافة لتوجهاته الداعمة للمستوطنات "الإسرائيلية" الغير قانونية (معروف عن عائلة كوشنر أنها تقدم  تبرعات سخية للمستوطنات الضفة الغربية )، ومع الأخذ في الاعتبار أن الجناح اليميني المتطرف هو الذي يتصدر المشهد في إسرائيل اليوم.

مع كل هذه المعطيات تكون الصفقة هي النتيجة المتوقعة من هذه الإدارة التي بادر رئيسها بعد أشهر قليلة من تبوئه للرئاسة إعلان القدس الموحدة عاصمة لـ"إسرائيل"، وتفعيل قرار الكونغرس بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة واشنطن، وذلك بعدم تجديد ترخيصه ( فهو يجدد كل ستة شهور بقرار من البيت الأبيض)، وكذلك العمل على تجفيف الموارد المالية للأونروا، من أجل شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين.  ولكن هذا لا يمنع أن الدبلوماسية الفلسطينية تتحمل نوع من المسئولية في هذا الصدد، وبلا شك أن هناك تقصيراً لا يخف على أحد، لكن يبدو أنهم استمرأوا تضليل شعبهم. 

وأذكر هنا، في عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك،  وأثناء فترة تغطيتي لأعمال الرئاسة المصرية في عام  1996 -وخلال فترة الانتخابات الإسرائيلية - أعرب مبارك عن قلقه من فوز حزب الليكود اليميني ، وقال: "ربنا يستر "، "لو استلم الليكود الحكم عملية السلام حتتعقد " ، وبالفعل عندما فاز الليكود ، وترأس زعيم الحزب  بنيامين  نتانياهو  الحكومة الإسرائيلية ، قال مبارك حينئذ :" الأمور حتتأزم ، والعملية حتقف".

وأذكر موقف آخر في عام 1997 ، عندما زار المنسق الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط دينيس روس القاهرة ، واستقبله الرئيس مبارك ، أبلغ  روس مبارك ، بأنه يحمل معه رسالة من الرئيس الأمريكي ، فأجابه مبارك متهكما : من الرئيس الأمريكي في تل أبيب !؟  ذلك كان في عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون (المعتدلة)، هذا ما ذكره لنا الرئيس مبارك مُدللاً على أن الإدارة الأمريكية تتبنى المواقف الإسرائيلية.

"في عهد إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون (المعتدلة ) وعقب محادثات كامب ديفيد عام  2000 تم تهديد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من قبل  مدير وكالة المخابرات المركزية" جورج تنت، بأنه إذا لم يوقع فإنه سيم مقاطعته من الجميع ومحاصرته وعزله ، وهذا ما حدث بالفعل.

بالرغم، من أن تباين مواقف بعض الإدارات الأمريكية تجاه اليمين "الإسرائيلي" الحاكم، والتي رأت أن مواقفه لا تجلب السلام  والاستقرار للمنطقة وتتعارض مع المصالح الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن بأي حال، وفي أي  وقت، وسيطاً نزيها في العملية السلمية بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"،  ولن تكون كذلك اليوم أو في الغد، بل أنها تعتبر الشأن الفلسطيني شأناً داخلياً "إسرائيلياً" وبامتياز، ومن يعتقد غير ذلك، فإنه يضلل نفسه.

إن الخطوة المتوقعة في هذه اللحظة الفارقة التي أصبحت القضية الفلسطينية فيها  على المحك، هي أن يتوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى غزة لطي صفحة الانقسام، لكن طالما أن الرجل لم يقدم على هذه الخطوة ، فليوجه دعوة جادة لعقد انتخابات في الأراضي الفلسطينية، لأن المسؤولية الوطنية تحتم عليه ذلك  .

أعتقد أن العمل على استعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هي المخرج الوحيد والجاد من أجل  مجابهة هذه الصفقة التي لم تقم وزناً لأي من قرارات الشرعية الدولية ، فانتهكت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل وسحقتها

لا يوجد مبرراً لتعطيل إجراء الانتخابات بسبب رفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجرائها في القدس الشرقية ، لقد تم إجراء انتخابات في القدس ثلاثة مرات منذ قيام السلطة الفلسطينية ، في عام 1996، 2005، 2006 ، ويمكن اليوم  إجراء الانتخابات عبر البريد الإلكتروني ، قطعا يمكن التوصل إلى حل يكفل لأبناء القدس المشاركة في الانتخابات.

ألا تشعر القيادات الفلسطينية بالخجل ، وهم يرون الإسرائيليين يقترعون  ثلاث مرات في أقل من عام ، بينما الفلسطيني محروما  منذ حوالي خمسة عشر عاما، من المشاركة في اختيار قياداته والتي باتت مفروضة عليه، كل طرف يتمترس خلف مواقفه، يتهربون من الاستحقاق الإنتخابي تحت حجج  وذرائع  واهية . 

الشارع الفلسطيني في كل من الضفة وغزة يغلي ، و بات على وشك الانفجار بسبب الأزمات المتتالية التي يعيشها، ففي الضفة السلطة الفلسطينية باتت أداة بيد الاحتلال، وفي غزة الناس مخنوقين بسبب الحصار المفروض عليهم نتاج  سيطرة حركة  حماس على غزة، ورغم ذلك فإن "حماس" لا تتورع عن حل أزمتها المالية على حساب  أبناء غزة من خلال ما تفرضه من ضرائب على الغزيين المقهورين من الحصار والحروب المتتالية.

وبالرغم من أن الرئيس الفلسطيني يتحدث علنا عن لقاءاته الدورية مع رئيس جهاز الشاباك "الإسرائيلي"، وتوافقه معه في معظم القضايا ، إلا أن سلوكيات حركة حماس ليست فوق الشبهات ، فما يتم تسريبه عن أخبار - منها على سبيل المثال - استعدادها لإبرام تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل استمرار سيطرتها على غزة ،  يجعلنا نخشى من ما يتردد عن أن  الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون في غزة ، خصوصاً بعد أن أعلنت إسرائيل عن مطامعها في الضفة الغربية ، وأصبح ضمها للمستوطنات ، مسألة إجرائية . 

لاشك أن الرأي العام الفلسطيني بات ينظر إلى العديد من القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة على أنهم يغلبون مصالحهم الشخصية  على المصلحة العامة ،  في حين أصبح الهم الأكبر للفلسطيني هو تدبير لقمة العيش  لأسرته، بعد أن كانت قضيته الوطنية  هي التي تترأس أولوياته.

لقد آن الأوان لتجديد الشرعية، ويحق للشعب الفلسطيني أن يختار بملء إرادته قيادة  جديدة منتخبة منحازة له ، تعبر عنه ، بصدق وبإخلاص .

كلمات دلالية

اخر الأخبار