انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ23 .. سيطرة اليمين تتواصل

تابعنا على:   20:36 2020-04-04

د. يوسف يونس

أمد/ شهدت الانتخابات الإسرائيلية في نسخاتها الثلاثة الأخيرة نهاية المعايير التقليدية لتعريف اليمين واليسار في إسرائيل ، فالتنافس في هذه الانتخابات جرى بين “اليمين المتطرف” و “اليمين الناعم”، حيث تميزت غالبية برامج الأحزاب الإسرائيليّة بتوجهات يمينيّة في جوهرها، تتمحور حول يهوديّة الدولة، ومرجعيّتها القوميّة والدينيّة، واعتماد خطاب التمييز والإقصاء تجاه المواطنين العرب في إسرائيل. والتنكر التام للحقوق الفلسطينية، وتعزيز الاستيطان والتأكيد على ان القدس “الموحّدة” عاصمة الدولة اليهوديّة، والعمل على ضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية، مع أقل عدد ممكن من السكان .
•التوجهات اليمينية السائدة في اسرائيل تتناغم مع صعود القوى اليمينية في الكثير من دول العالم، وسينعكس تأثيرها على الاتجاهات الاستراتيجية الاسرائيلية في المرحلة المقبلة ، باتجاه تبني مواقف اكثر تطرفا وتشددا فيما يتعلق بالكثير من القضايا.
•انجاز القائمة العربية المشتركة في الانتخابات كرسها كقوة أساسية في المشهد السياسي الإسرائيلي، لم يعد بالإمكان تجاوزها، الا ان هذا الإنجاز سيبقى مهددا في ضوء غياب البرنامج السياسي الذي يجمع كافة مكونات الجماهير العربية، والتباين في صفوف القائمة المشتركة بخصوص بعض القضايا المتعلقة بالمجتمع العربي والتحالفات المرتقبة مع الأحزاب الصهيونية. ما قد يؤدي الى فقدان القائمة العربية المشتركة الكثير من تأثيرها السياسي، وبقاءه منحصرا في قضايا “المواطنة”.
•التغييرات الجيواستراتيجية التي تشهدها المنطقة، وفق استراتيجية امريكية قائمة على نظرية “الاحلال والتركيب”، والتي تعنى باحداث تغيرات جيوسياسية لإعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية، ومنح اسرائيل دورا محوريا ضمن تحالف اقليمي، لمواجهة الخطر الإيراني، هذه التوجهات ستؤدي الى عدم الاستقرار في المنطقة، خاصة وان المقاربة الأميركية ركزت على إنهاك المنطقة، ما ادى الى جعل الوضع الإقليمي يعاني من هشاشة وتوازن حرج قابل للانهيار بحكم التداخلات الجيواستراتيجية. إضافة الى الموقف الاسرائيلي المعارض لتلك التغييرات بسبب التوجهات اليمينية السائدة في اسرائيل، والتي تدفع باستمرار العزلة عن المحيط في اطار “الحائط الحديدي”، والذي لن تفلح معه كافة محاولات الاندماج.
•اعتبر اليمين الإسرائيلي ان الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل تهديدا وجوديا، وسعى دائما الى فرض حقائق على الأرض تقطع الطريق امام اية إمكانية لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولذلك ستركز الحكومة الإسرائيلية اليمينية القادمة جهودها على الاستفادة من الأوضاع الداخلية والدولية، ودعم الإدارة الأميركية ، وسيكون المشروع الأول أمام الحكومة، تسريع ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية الى السيادة الإسرائيلية وضم مناطق الاغوار ، للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية ، وستعمل إسرائيل على دعم قوى اقتصادية براغماتية لتغيير المشهد السياسي الفصائلي القائم حاليا بمشهد سياسي اقتصادى تتحكم فيه جماعات ضغط ترتبط مصالحها بقوى خارجية.
•وستواجه الحكومة الإسرائيلية القادمة مشكلة التعامل مع قطاع غزة بصورة تتناسب مع استراتيجية ادامة الانقسام الفلسطيني، ويتوقع ان تكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة مدفوعة بتوجهاتها اليمينية ، المؤكدة على اعتبار ان الدولة الفلسطينية تشكل خطر وجودي ، وفي ضوء اعتراضهم على رؤية الإدارة الامريكية “صفقة القرن”، وفي ضوء تعاظم التهديدات التي بات يشكلها قطاع غزة ، فان التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية قد تدفع باتجاه تنفيذ عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة ، قد تقلب الأوضاع رأسا على عقب.
•يحاول الجيش الإسرائيلي فرض اجندته على توجهات الحكومة المقبلة وخاصة فيما يتعلق بموضوع الميزانيات لمواجهة التهديدات المحدقة بالدولة وخاصة التهديد الإيراني، واحتمالات اندلاع حرب على عدة جبهات، خاصة في ضوء تراجع الاهتمامات الامريكية في الشرق الأوسط، والذي سيعجل من احتمالات اندلاع المعركة الجديدة ونوعيتها، والتي قد يكون محورها التنظيمات المعادية التي تطورة بصورة كبيرة وأصبحت تضاهي افضل جيوش المنطقة، والتي نجحت في تطوير المنظومات القتالية واسعة النطاق، وامتلكت أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة. وهو ما يدفع الجيش الإسرائيلي الى بلورة مفاهيم قتالية جديدة للتصدي لتلك التهديدات الغير مسبوقة .
•ولقد وجهت اتهامات للحكومة الإسرائيلية السابقة بالفشل والعجز عن بلورة استراتيجية امنية لموجهة المخاطر والتهديدات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل، والتي قد تتطور في المدى البعيد إلى تهديد وجودي، مع إمكانية اندلاع حرب متعددة الساحات. وستكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة مطالبة بتطوير استراتيجياتها لمواجهة هذه التهديدات. ومن المرتقب ان يعزز الجيش الإسرائيلي جاهزيته على كل الجبهات : إيران وحزب الله في سوريا، والساحة الفلسطينية. ووضع استراتيجيات وخطط عملياتية مناسبة لتعزيز التفوق النوعي والأمني لإسرائيل.
•بالرغم من الطموحات الكبيرة التي تبنتها خطة الجيش الإسرائيلي متعددة السنوات “تنوفاه” ، الا ان الميزانيات الكبيرة التي تحتاجها كانت العقبة الأساسية امام تمريرها الى حيز التنفيذ بسبب غياب الحكومة القادرة على تبني هذه الخطة ، وفي ضوء حكومة الوحدة المرتقبة يمكن القول ان الميزانيات اللازمة لتنفيذ هذه الخطة ستكون من أولويات الحكومة القادمة ، التي تضم الكثير من الجنرالات الذين يقدرون جيدا أهمية هذه الخطة الاستراتيجية لصالح دولة إسرائيل.
*باحث مختص في الشؤون الإقليمية – نائب رئيس مجلس إدارة مركز الناطور للدراسات .

اخر الأخبار