كورونا هادم القناعات وكاشف العورات

تابعنا على:   12:21 2020-04-07

طارق الثوابته

أمد/ حتى الهواء اصبح (بفلوس) جملة كانت فى ما مضى مزحة تعبر عن التندر على غلاء الاسعار لكنها اليوم اصبحت حقيقة بعد ان تحولت ساعة التنفس فى غرفة عناية مشددة تحت جهاز تنفس صناعي الى فرصة لا يحظى بها الا اولئك المحظوظون اصحاب الملايين القادرين على دفع 4000 يوروا يوميا نظير الاكسجين الذى يضخ الى رئتيهم او يحقن فى دمائهم عندما ينال فيروس كوفيد 19 من رئتيهم اما الاخرين من غير اولئك المحظوظين فان مصيرهم رحيل بشع فى هدوءه اذا انهم لن يحظوا بأى نوع من ضجيج المودعين من الاحبة والأقارب فى لحظاتهم الاخيرة اللهم إلا من دموع طبيب او ممرضة هالها هول المأساة الانسانية التى ترى وحولها الى نحيب مرير يقطر مع كل دمعة عجزا والأسى

حتى تاريخ هذا المقال هناك قرابة السبعين الف ضحية بشرية لهذا الفيروس وهناك ما يزيد عن مليون شخص تأكد تشخيصهم كمصابين بالفيروس وهذه الارقام تتغير طبقا لمتسلسلة هندسية لا عددية بمعنى ان هذه الارقام قد تتضاعف خلال اسبوع او اقل ولا يوجد احد على هذا الكوكب بمقدوره ان يدعى انه محصن من الاصابة ورغم ذلك ثمة ملايين من البشرهم فى الحقيقة محصنين لأنهم اصيبوا بهذا الفيروس وشفوا منه بدون حتى ان يشعروا وثمة مليارات اخرين على نفس تلك الحال وهم اولئك الذين يمتلكون جهاز مناعة قوى وهذا التفسير(جهاز مناعة قوي) هو فى الحقيقة احد التفسيرات المبهمة التى تعبر بكل صدق عن عجز العلماء عن فهم و تفسير مكنزمات عمل الفيروس داخل خلايا الجسم البشرى وسواء كنت من المحظوظين او اولئك التعساء فليس بوسعك غير الانتظار حبيسا فى بيتك او حتى طليقا غير مكترث لكنك فى كلا الحالتين حتما ستكون مترقبا خائفا على نفسك وعلى من تحب من القادم المجهول تماما كمن ينتظر نتيجة اختبار ليس هو من اجاب اسئلته

لقد احدث هذا الفيروس ثورة من التشكيك فى الكثير من المسلمات ليس فقط على صعيد البحث العلمى بل على صعيد الفكر الانسانى برمته فلأول مرة منذ عقود تجد البشرية نفسها امام تهديد وجودى بعدما اعتقدت انها تجاوزت هذا النوع من التهديد الى الابد لتتنحى جانبا كل الصراعات والنزاعات حتى الشعائر الدينية الغيت وأغلق المتدينون مسيحيون ومسلمون هندوس وبوذيون ويهود كنائسهم ومساجدهم ومعابدهم خوفا من الانتقال الى الدار الاخره عبر الكوفيد 19 لقد احدث فيروس كورونا حالة من الصدمة والرعب للبشرية بأسرها سقطت خلالها الكثير من الاقنعة وظهر خلالها الكثير من سوءات البشر فثمة ابناء تركوا ابائهم يموتون دون ان يحظوا منهم بنظرة وداع اخيرة ورفضوا حتى حضور دفنهم وثمة ابناء واباء طردوا ابناءهم وآبائهم عندما اصيبوا بالمرض ورفضوا استقبالهم وثمة دول تركت مرضاها يموتون فى صمت ولم تعتنى بهم لان نسبة شفائهم طبقا لتقديرات الاطباء كانت اقل من اولئك الذين قررت ان تعتنى بهم لاعتقادها ان نسبة شفائهم اعلى وهو ما ترجم عمليا فى بعض الدول بآلاف حالة الموت فى اليوم الواحد فى المدينة الواحدة وثمة دول تنكرت لكل الاتفاقات الدولية الموقعة وسرقت اجهزة ومعدات طبية كانت فى طريقها لدول اخرى وهذا ما عرف وثمة الكثير من السقوط الاخلاقى للبشر لم يعرف وربما يعرف مستقبلا ليدرك الانسان انه ثمة بشر يتمتعون بقدر من الانحطاط الاخلاقي يدنوا فى احيان كثير من مرتبة الحيوانات

ان العالم بعد كورونا سيكون اخطر بكثير مما كان عليه قبل الكورونه وحتى بعد انتهاء هذا الفيروس لن يكون العالم اقل خطورة مما هو عليه اليوم وذلك لان الانسان سيكون اقل ثقة فيما حوله واقل ثقة فى نفسه وفى قدراته على الحفاظ على حياته وانسان فى حالة كتلك يكابد الاثار الاقتصادية والاجتماعية التى احدثها فيروس كورونه لن يكون بالتاكيد متزن الافعال ولا المزاج وأجواء كتلك هى مناخ خصب للغاية لظهور مزيد من الشعبويين ووصولهم الى سدة اتخاذ القرار فى كثير من الدول والنتيجة الطبيعية لذلك هو عالم مفعم بالصراعات واكثر خطورة و اقل تسامحا و اقل أمنا وعدالة وحرية وديمقراطية وإنسانية .

كلمات دلالية

اخر الأخبار