أيها المقهورين إتحدوا

تابعنا على:   16:00 2020-04-10

فراس ياغي

أمد/ لحظة "ووهان" كانت علامة فارقة بالنسبة للعالم، لكنها لم تستقر بعد، كون جائحة كورونا لا تزال مستمرة، بل إنها في أوجها في كثير من الدول، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك حتى الآن عجز إنساني عن تحديد زمنها وتاريخ إنتهاءها، فلا زمن واضح بعد لإنتهاء هذا الوباء والعودة للحياة الطبيعية بشكلٍ جديد ووفق سلوك جديد وقيم ترسخت ولا تزال تترسخ في المنظور العالمي الإنساني وكأمر واقع وليس كإختيار.

المشاهد المُتعدّدة التي رافقت إنتشار الوباء أخذت أبعاد كثيرة، ودفعت بإتجاهات مُختلفة، وكلٌ حسب مُعتقداته وإيمانه ومنطلقاته، فنرى مثلا أصحاب الفكر الديني الذين خرجوا علينا بمفهوم الغضب الإلهي على الإنسان وكيف أنه أرسل جنوداً لا تُرى بالعين المجردة حجرت الإنسان في بيته وجعلته عاجزاً عن فعل شيء، مُعتبرين أن ما يجري هو قدرة إلهية وصناعة إلهية إن كانت عبر صناعة إنسانية في مختبرات أو عبر طفرة طبيعية للفيروس التاجي "كورونا"، هنا لست في معرض جدال هذه الفكرة لأن كل شيء في هذا الكون هو من القدرة الإلهية والإحتمالات الرياضية في الخَلق التي هيَ في علم الله تعالى، لذلك فكل ما يحدث هو في علمه، أما هل "الكورونا" غضب إلهي على الإنسان أو عقاب له فهذه مسألة أخرى لأن الله تعالي أرحم بعباده من هذه المنطلقات البشرية التي لا ترى الرحمة بقدر ما ترى الغضب والعقاب.

أما أصحاب نظرية المؤامرة فقد تعددت الأفكار هنا، فمنهم من قال أنه ليس "فيروس" بل غاز "السارين"، ومنهم من قال أن "الولايات المتحدة" وراء هذا الوباء، ومنهم من إدّعى أن "الصين" غزت العالم وأمريكا بالذات وإستبقتها في حرب غير مُعلنة للسيطرة على العالم، ومنهم من يقول أن "الحكومة العالمية" الخفية هي من يقف وراء هذه الجائحة وذلك لتغيير طبيعة النظام العالمي الحالي نحو عالم "ما بعد الحداثة" عالم التكنولوجيا الديجَتالية والسيطرة على الإنسان بشكل كامل، بل وصل بالبعض للحديث عن أن الحكومات ستطلب من كل إنسان زراعة رقاقة في جسدة للتأكد من أنه أخذ التطعيم الذي لم يُعلن عنه بعد ولكنه موجود حيث سيتم الإفصحاء عنه في اللحظة المناسبة، لحظة التأكد من قدرتهم على السيطرة وحدوث التغير المطلوب، وهنا تحدثوا عن العملة الإلكترونية وإنتهاء عصر الحريات والديمقراطية الحالية، ومنهم من رجع في ذلك لكتب الكاتب الأمريكي "آيفلين توفلر"، وهناك الكاتب "ديفيد أيك" البريطاني الذي أعلن عن نظرية المؤامرة في مقابلة تلفزيونية وأدت لحرق ثلاثة أبراج أل G5 في بريطانيا وفق تلفزيون الحرة مما يُشير ليس لنطرية المؤامرة بقدر ما هي نظرية إستهداف الإقتصاد "الصيني" حيث لا حقائق علمية تثبت ما قاله "آيك"، وهناك الكثير من الفيديوهات والمقالات حول ذلك.

زعماء الحركة "الشعبوية" تحركت في إتجاهات فوضوية كتعبير عن عقليتها، فالرئيس "ترامب" بدأ يتحدث بطريقة عنصرية مسميا "كوفيد-19" ب "فيروس الصين" أو "فيروس ووهان"، و"بوريس جونسن" تحدث عن سياسة "مناعة القطيع"، وظهرت في مواجهة الوباء نظريتان، الأولى تتعلق بقمع الفيروس وتبطيء إنتشارة وهذه كانت سياسة "الصين" ونجحت في ذلك، والثانية ترك الأمور على حالها تحت عنوان مواجهته بالمناعة الطبيعية فإنتشر الفيروس كالهشيم في النار وفتك بالمسنيين بشكل لافت وإنهارت البنية الصحية في كثير من الدول المتقدمة وبالذات في "أوروبا" و "الولايات المتحدة"، وهناك من إعتمد سياسة الوقاية مع إستمرار الحياة الطبيعية والإهتمام بالأساس بالمسنين والمرضى ك "السويد" ولا زلنا ننتظر نتائج هذه التجربة، أما الجهلة والفقراء واشباه الدول فإعتمدوا سياسة "خليك بالبيت" وهي سياسة إيجابية لفترة من الوقت لمنع إنهيار المنظومة الصحية ومحاولة تبطيء إنتشار الوباء، وفي نفس اللحظة تحدث الكثير منهم عن علاجات للوباء شعبية وأكلات شعبية ، فإنتشر في مصر ما يسمى ب "الشلولو" (أكلة شعبية من الملوخية الناشفة والثوم والليمون)، والغريب هنا أن يظهر ذلك على شاشات التلفزة الحكومية وليس الإعتقاد الشعبي الذي هو جزء من ثقافة هذه المجتمعات، طبعا هناك علاج "الخل" والخلطات المختلفة و "بول الإبل" وغيرها الكثير، وهذا كلّه تعبير واضح عن تفاوت العقليات والمنطلقات السياسية بالأساس والتي تتحكم في طبيعة نظام الحكم السياسي الذي يُعبّر عن عجزه ويعمل على إلهاء الشعوب وتحميلهم مسئولية ما قد يحدث، حيث ظهر مثلا ستكرز يقول "إنت المسؤول...خليك بالبيت"، في حين المسئولية هي تشاركية ولا يَتَحمّل أعبائها المواطن لوحده، فالبنية الصحية للدول غير القادرة على تحمل إنتشار الوباء كَ "الدول النامية" تتحمل مسؤوليتها أنظمة الحكم السياسية وفسادها وليس المواطن، وإنهيارها في الدول المتقدمة تتحمل مسؤوليته أنظمة الرأسمال الحاكمة لأن أولوياتها كانت الربح والسلاح والإحتكار وليس المواطن.

منظمة الصحة العالمية التي هاجمها الرئيس "ترامب" وقطع عنها أموال أمريكا عملت ومنذ البداية بطريقة علمية ووفق البروتوكولات الصحية والطبية، وحين وصل مقياس الإنتشار لمفهوم "الجائحة" أعلنت عن ذلك فوراً، وهنا الإتهام المُوجه من رئيس البيت الأبيض للمنظمة تعبير عن عدم قدرة هذا الرئيس على فهم طبيعة الوباء الذي ضرب العالم والولايات المتحدة ومحاولة منه لتبرير سياساته الخاطئة والتي تم تحذيره منها من قبل جهاز أل "سي آي إيه".

صحيح أن الكرة الأرضية تغسل رئتيها والفيروس يُعيث خراباً في رئات البشر كما يقول "نبيه برجي"، وصحيح قول الكاتب الأمريكي "آيفلين توفلر" أنه "في المجتمعات الجامدة يزحف الماضي على الحاضر، ويعيد نفسه في المستقبل" فهو "يزود الطفل بمهارات الماضي" لإعتقادة بأنها "نفس المهارات التي سيحتاجها في المستقبل" متمسكاً بمقولات دينية كما في الإنجيل " مع القديم تكون الحكمة" وهنا "توفلر" يقول "المعرفة نسبية" وهو مُطلق الصحيح معتمدا على قول الفيلسوف الهولندي "إسبينوزا" (الحقيقة ما قبل جبال البيرنية خطأ ما بعدها)، لذلك سبق الجميع "توفلر" ودعا لمفهوم التربية وفق "المستقبل المُتخيّل" وليس وفق التاريخ والماضي وحتى ليس وفق الحاضر القائم.

هنا أقصد أن كلّ الفرضيات أعلاه تبقى مُجرّد فرضيات بلا برهان قاطع، رغم قناعاتي أن المُتحكمين في العالم إقتصاديا من مُختلف "الكارتيلات الرأسمالية" يستغلون ما يجري في العالم لتنفيذ أجندات تخدم منطلقاتهم المالية والفكرية، فمفهوم "الحكومة العالمية" لما بعد الحداثة والليبرالية هو السيطرة على الإنسان ككل وتوجيهه في خدمتها وعبر نظام إقتصادي جديد اساسه "الديجَتال" التكنولوجيا الرقمية وتحويل الإنسان لرقم في هذه الماكينة الجديدة ما بعد "الكورونا"، وإلا لماذا هذا الضخ الإعلامي الكبير الذي يُحمّل الفرد المسؤولية الأساسية ويضعه في تيه المجهول ويجعله يركض بين هذه النطرية وتلك، وكلٌ وفق معتقداته، حتى أن الضخ الديني الإعلامي يأخذ منحنى إتهام الفرد والمجتمعات العلمانية وفي نفس الوقت ينسى المسئولين عن هذا الضخ الإعلامي أن الكثير من الطقوس الدينية ممنوعة في المعبد والكنيسة والمسجد وغيرها من دور العبادة.

إن المُتهم الرئيسي في كلّ ما يجري هي الرأسمالية الشرهة والجشعة، المُكَدسين للأموال والفاسدين الذين يستخدموا كلّ ما يخطر على بال البشر وما لا يخطر في جمع الإموال وبغض النظر عن الوسيلة، إن المتهم هي "الشركة" التي لا ترى أن الإنسان والطبيعة وحدة واحدة، فإستجلبت لنا ليس فقط "لهيب جهنم بل إستنسخوا روحها" كما قال الأديب الياباني "ياسوناري كاواباتا"، إن المُتهم هي الإنظمة السياسية التي تحكم لأنها أداة طيّعة في يد "الرأسمال" العالمي المُتكتل في بوتقة ومفهوم غاية المال والمال وبأي وسيلةٍ كانت، لقد غابت الإنسانية وإضمحلت فكرة "الخلق" على الأرض لأنها أصبحت تُشكل العبء الأكبر عليها، فمن تسخير الطبيعة للإنسان إلى التناقض بينهما، تناقض فاضت منه الطبيعة وأنذرته بجائحة "الكورونا"، فالإنسان الآن عليه أن يقضي على أميته وأن يعتمد مفهوم جديد للأمية وفق "توفلر" ( الأميّ في القرن الواحد والعشرين ليس الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه الشخص الذي لم يتعلّم كيف يتعلّم ثم كيف يمسح ما تعلّمه، ليتعلّمه مرة أخرى"، إنه قانون "التغيّر" فلا شيء يبقى على ما هو إلا هو، أما هذا الضخ الإعلامي الكبير والشائعات والنظريات فكلها من صناعة أؤلئك الماسكين بمفاتيح "جهنم"، أتباع "الشيطان"، الرأسماليين المحتكرين لنور الشمس والهواء، وعلى كلّ الإنسانية والمطالبين بالعدالة الإجتماعية أن يتحدوا لمواجهة فكر الإنغلاق والسيطرة وأن يعملوا للتخلص من أدوات "حكومة الظل العالمية" في بلدانهم لصالح فكرة التصالح مع الإنسان والطبيعة والروح وبحيث يكون العلم لأجل الإنسان وليس لأجل "الشركة" وعبدة المال والتحكّم بمقدّرات العالم، ف "يا أيها المقهورين إتحدوا"!!!!

كلمات دلالية

اخر الأخبار