عودة الحريري تعيد "الروح" إلى المعارضة؟!

تابعنا على:   18:18 2020-04-22

حسين عاصي

أمد/ فجأة، وفي عزّ سريان قرار "حظر السفر" المعمول به في إطار الإجراءات الاحترازيّة من "​كورونا​"، في ظلّ "التعبئة العامة" المُعلَنة ​لبنان​ياً، قرّر رئيس ​الحكومة​ السابق ​سعد الحريري​ العودة إلى لبنان، وبالتالي استئناف نشاطه السياسيّ بعد انقطاع "قسريّ"، تزامن مع "الفرصة" التي كان قد منحها لحكومة حسّان دياب.

لكنّ عودة الحريري لم تأتِ "معزولة" من الدلالات السياسيّة، أقلّه من حيث التوقيت، فهي جاءت في عزّ اشتداد "الحملة" المستجدّة على الحكومة من قبل مختلف أحزاب وقوى المعارضة، وفي وقتٍ بدأ التداول باستعدادات "​الحراك الشعبي​" للعودة تدريجياً إلى الشارع، بفعل انتهاء "مهلة السماح"، على رغم كلّ المعوقات.

إزاء كلّ ذلك، هل تكون عودة الحريري بمثابة تمهيد لعودة "الروح" إلى المعارضة، التي اعتبر كثيرون أنّها خسرت جولتها الأولى في مواجهة الحكومة بفعل انقساماتها الداخليّة؟ وهل تنجح هذه المعارضة في تجاوز المطبّات، وتنظيم صفوفها، وصولاً حتى "الاتحاد" ربما خلف "جبهة" واحدة، عملاً بمبدأ "في الاتحاد قوة"؟!.

خسارة جولة...

قد لا يكون من الصعب الاستنتاج بأنّ المعارضة، التي رفعت لواء مواجهة حكومة حسّان دياب منذ ما قبل ولادتها، خسرت الجولة الأولى، على رغم كل "التخبّط" الذي أصاب الحكومة، والتي لم تستطِع أن تسجّل حتى الآن إنجازاتٍ ملموسة، بعيداً عن خطّة مواجهة "كورونا"، في وقتٍ لم تتجاوز خطتها الاقتصادية مرحلة "الوعود"، واصطدمت تعييناتها بداء "​المحاصصة​" القاتل.

هذا "التخبّط" لم تنجح المعارضة في توظيفه لصالحها، لأنّها ببساطة، تعاملت مع الحكومة، على طريقة "كلٌ يغنّي على ليلاه"، بعيداً عن أيّ شكلٍ من أشكال التضامن، ولو بعنوان "الغاية تبرّر الوسيلة". ولعلّ انقسام المعارضة على نفسها منذ اليوم الأول يمثّل خير دليلٍ على ذلك، ففيما سلك "الكتائبيّون" و"القواتيّون" درب "الشعبويّة"، ودخلا في معركة "مزايدات" بلا أفق، مال نظراؤهما في "المستقبل" و"الاشتراكي" إلى "التطبيع" مع الحكومة، بعنوان "الفرصة"، وباعتبار أنّ وجود الحكومة يبقى أفضل من الفراغ، كما قال رئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" ​وليد جنبلاط​ مثلاً.

لكنّ هذه "الفرصة" لم تبدُ، بالنسبة لكثيرين، سوى محاولة من "المستقبل" و"الاشتراكي" بالتحديد على "ركوب الموجة"، وبالتالي محاولة تحصيل أكبر عدد من المكاسب السلطويّة، ولكن من مقاعد المعارضة، وهو ما يفسّر مثلاً تقديم "الهدايا المجانية" للحكومة، في الكثير من محطّاتها المفصليّة، لعلّ أبرزها تأمين النصاب المطلوب لها في جلسات ​مجلس النواب​ التي خُصّصت لمناقشة ​الموازنة​، والبيان الوزاري،على رغم أنّ "المزاج الشعبي" العام كان مُعارِضاً لهذا المنحى في الاستحقاقين، وخصوصاً في جلسات الموازنة.

ويتجلّى "تعزيز" هذه النظرية في "صدفة" تزامن انتهاء "التطبيع" مع الحكومة، مع بدء التداول "جدياً" ب​التعيينات​ الماليّة والمصرفية أولاً، وما حملته التسريبات من تأكيد "نوايا" إقصاء رموز المراحل السابقة، ولا سيما من يعتبرهم "المستقبل" و"الاشتراكي" رموزاً، وربما "ودائع"، وبالخطّة الاقتصاديّة ثانياً، والتي لم يقرأ "المستقبليّون" تحديداً منها، سوى "الانقلاب" على النهج الاقتصادي الذي كرّسته "الحريريّة السياسيّة"، علماً أنّ الخطة التي لم تُشرَّع بعد لقيت رفضاً شعبياً عارماً، ولكن وفق مُعطياتٍ تتناقض بطبيعة الحال مع دوافع "المستقبل" وهواجسه.

تنظيم الصفوف...

خسرت المعارضة الجولة الأولى، من دون أن تحقّق الحكومة "نصراً كاسحاً" إذاً، ربما لأنّ الأخيرة التي تخبّطت في خلافات مكوّناتها الشخصية، ولم تنجح في تحقيق أيّ "إنجازٍ" يُذكَر، على مستوى مواجهة "التحديات" التي وضعتها نصب أعينها، مكتفيةً بـ"التباهي" بأدائها النموذجيّ في معركة مكافحة "كورونا"، مقارنةً بالكثير من دول العالم الكُبرى.

وانطلاقاً من ذلك، يجزم المتابعون أنّ خسارة المعارضة جاءت بالدرجة الأولى من "ضعفها" هي، لا من "قوة" خصومها، و"الضعف" هنا يشمل الجوانب التنظيميّة والسياسيّة على حدّ سواء، على اعتبار أنّ المعارضة هي التي "غيّبت" نفسها بنفسها عن الجوّ العام، وكأنّها كانت تنتظر "فرجاً"، بل إنّ أحد قادتها المفترضين سعد الحريري لم يجد ضيراً في "الغربة القسريّة"، تماماً كما كان يفعل حين كان رئيساً للحكومة كلما وجد نفسه في مأزق، ما وضعه في خانة "الاستسلام" بشكلٍ أو بآخر.

بيد أنّ ثمّة مؤشّرات، على رأسها عودة الحريري، توحي بأنّ المعارضة فهمت "الرسالة"، وأدركت أنّ المعارضة الجدية للحكومة تتطلب "قواعد اشتباك" مختلفة، ومغايرة عن كلّ ما سبق، وقد يكون أولها تنظيم الصفوف، بالحدّ الأدنى، وبالتالي تنسيق المواقف، على الأقلّ في ما يتعلق بالاستحقاقات الأساسيّة، طالما أنّ "جبهة المعارضة الموحّدة" لا تزال إشكاليّة، علماً أنّ هناك داخل المعارضة، من يعتقد بأنّ عدم "الذوبان" في جسمٍ تنظيميّ واحد يبقى أكثر قوّة وتأثيراً، ويُظهِر أنّ الاعتراض على سياسات الحكومة يشمل قوى مؤثّرة، لا تتبع لقيادةٍ واحدة.

قد يكون ذلك صحيحاً في مكانٍ ما، لكنّ الأكيد كما يرى بعض المعارضين، أنّ اعتماده "ذريعة" لعدم طيّ صفحة الماضي "المريرة" بين بعض مكوّنات الحكومة، وتحديداً بين "المستقبل" و"القوات"، لن يجدي نفعاً، لأنّ المطلوب هو تنسيقٌ فعليّ وحقيقيّ بين قوى المعارضة. وثمّة من يتحدّث عن عملٍ جدّي يقوم به "الحزب التقدمي الاشتراكي" تحديداً لترطيب الأجواء بين "حليفيه"، خصوصاً أنّه لا يرغب أن "يتفرّد" بالمعركة مع "العهد"، ويصرّ على إشراك "القوات" بها على سبيل المثال، تفادياً لإعطائها أبعاداً طائفيّة ومذهبيّة، من شأنها أن تطيح بها من الأصل.

التحدي الحقيقي!

يقول كثيرون إنّ عودة الحريري إلى البلاد، تزامناً مع اشتداد "الحملة" على الحكومة، جاءت لإعادة "الروح" إلى المعارضة، تمهيداً لسيطرتها على "الميدان" من جديد.

وينطلق أصحاب هذا الرأي من أنّ الرسالة خلف "عودة" الحريري واضحة، وتتلخّص بأنّ "الفرصة" التي أعطيت للحكومة انتهت، وأنّ زمن المعارضة الحقيقيّة والنوعيّة قد بدأ.

وإذا كان ذلك سيضع الحكومة في القادم من الأيام، أمام "تحدٍّ" كانت تحاول تأخيره قدر الإمكان، وقد وظّفت "كورونا" نسبياً في هذا الإطار، فإنّ "التحدّي الحقيقيّ" يبقى على عاتق المعارضة نفسها، لـ"تبرئة" نفسها أولاً من "خطايا" المرحلة الماضية.

فهل تتجاوز المعارضة أزماتها ومشاكلها، وتنجح في "الاختبار" وتقدّم أداءً نموذجياً يصلح فعلاً لتكريس منطق "الموالاة والمعارضة" في النظام الديمقراطي، أم أنّ اللبنانيين سيكونون أمام مشهدٍ جديدٍ من "التجاذبات"، ليس على الأفضل للصالح العام، بل الأفضل لتكريس "المكتسبات" التي تحقّقت للطاقم السياسيّ على مدى عقود؟.

قد يكون الخيار الثاني هو المُرجّح، ربما لأنّ "من جرّب المجرّب عقله مخرّب"، ولكن، أكثر من ذلك، لأنّ الموالاة والمعارضة بشكلهما الحاليّ، تبقيان "وجهيْن لعملة واحدة"، والعملة هي ​النظام اللبناني​ الهجين الذي تكرّس على مدى السنوات، والذي لم يلُح في أفقه بعد من يريد "إنقاذه" فعلاً...

عن  النشرة اللبنانية

اخر الأخبار