في الثّورة والتّاريخ من مُدوّنات فَتحاوي عَتيقْ

تابعنا على:   10:01 2020-04-25

سميح خلف

أمد/ من الصعب الاخذ بصيغة محددة في مدونات التاريخ، فالتدوين يخضع لرؤية من يسجل أحداثه ونوع ثقافته ومستواها وحياديته ومدى قربه أو بعده عن الأحداث وهل هو في حالة إنسجام مع المفردات والتفاصيل ومدى قناعاته بها وقناعاته بمن يصنعوا الحدث وحبه أو كرهه، ولذلك، توثيق التاريخ لا يمكن أن يسجل بحيادية إلا ما ندر وخاصة حينما يتعلق الأمر بأولئك الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم جزء من الحدث وتفاعلاته، فهم يدونون ما يختلج أحاسيسهم وعقولهم من حالة نرجسية لا يضع نفسه فيها كمتهم أو منحاز بل يسوق المبررات والتعليلات والبراهين التي تدعم وجهة نظره، وهذا يخرج عن سياق التدوين الجاد والمحايد، ولذلك نجد كثيرًا من أحداث التاريخ لأمم وشعوب وحضارات ومعارك ومواجهات قديما وحديثا، روايات كل منها يضحد وجهة النظر الأخرى.
في تدوين النخب بكل صفاتها ومهنيتها قد تكون الهزيمة نكسة وقد يكون التراجع المميت حكمة، وقد يكون التحوّل عن الأهداف الإستراتيجية نوع من الواقعية بحسب وجهة نظر البعض، وقد يضع جميع المجمّلات والمُبررات لتبرير العجز والفشل أمام الأجيال ولذلك تبقى الحقيقة غائبة أو ملفقة أو مسمومة برؤية تعطي ظلامًا حالكًا وتعتيم وجهل لوجهات نظر متناقضة وأحيانا خبيثة، ولذلك كتابة التاريخ والأحداث التي مرت تحتاج لمدونيين من خارج الملعب واللاعبين والحكام لهم دقة القياس بالمليمترات لمساحة الملعب والمشاركين في لعبة صناعة الحدث، وليسوا شركاء فيه او وطأت اقدامهم أرضية هذا الملعب، فتدوين التاريخ لا يمكن أن يكون تدوينًا يُؤخذ به بأقلام مسمومة أو كشاهد على العصر كما ينقل الراوي بمقاييس متحالفة او معادية للحدث واللاعبين فيه.
كثيرٌ منهم يهدفون من كتابة التاريخ لرسم ثقافة حاضرة وأدلجة للجيل لتمرير رؤى سلطوية تخدم طبقة النفوذ، وهذا ما يحدث من تدوين لأحداث حركة التحرر الفلسطينية، ولكن كل مهتم يجب أن لا يغفل أن ما يقال في التاريخ والتجربة ليس مقدسا ولا منزلا من السماء ولذلك قبل أن نشكل قناعاتنا يجب معرفة الجهة التي دونت والأشخاص وطبيعتهم وانتماءاتهم ومواقفهم وأطروحاتهم منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة للآن، فالصفحات بالتأكيد ليست كلها معتمة وليست كلها مضيئة، ولكن مقاييس وقياسات الواقع قد تكشف من كذب ومن صدق ومدى قربه وبعده عن الهدف الاستراتيجي لقيام الثورة المعاصرة، فعملية التلقين ورقصة القرود وصناعة الأصنام كلوحات مشرقة في التاريخ علها تغطي عورات حاضرة وماثلة وانهيار لمفاهيم الثقافة الوطنية وكلما كان هناك إحساس بالفشل أو الضعف نعود لتلك الاصنام علها تنقذ حاضرنا من أزماته ومحنه.
العديد من الأزمات تسبب بها مسجلي التاريخ بمصنفاتهم، حيث لم نفهم أين هزمنا وأين انتصرنا وماذا حققنا من اهدافنا، ولكن الواقع يحدّثنا عن واقع تراجيدي بين السلطة واللا سلطة، والثورة واللا ثورة، والسيادة واللا سيادة، وبين انقسام مؤدلج ومبرمج او عفويا وتلقائيا صنعته الأحداث على الأرض، ولذلك لكي نبني أجيالنا القادمة يجب أن تخرج الثقافة الفلسطينية من عنق التناقض وفتح الابواب لسياسة النقد المفتوح بحيث لا يعتبر جرما أو جريمة او تنكر للتجربة أو مراحل سابقة . هكذا تصنع الأمم أجيالها إن أرادت خيرًا لها ولمستقبلها، فبناء الحاضر بشكل علمي يحتاج التاريخ فقط لمعرفة اين اصبنا؟ وأين اخطأنا؟ ومتى انتصرنا؟ ومتى هزمنا.

 

اخر الأخبار