التنافس الأمريكي الصيني الحديث في مجال الاقتصادي و السياسي

تابعنا على:   10:22 2020-04-27

عصام سمير دلول

أمد/ مقدمة: الصين احدى الحضارات الخمس للعالم القديم، وعمرها خمسة آلاف عام، المزدهرة في العلوم الطبيعية والابتكارات العلمية، المزدهرة في الحرث والزراعة وكافة مجالات الحضارة، أصبحت الآن من أبرز القوى العالمية الصاعدة، التي تنافس الدولة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات الأمريكية المتحدة قوة عالمية ستكون إما عاملا مساعدا أو عائقا أمام (الصين)، وذلك بسبب المكانة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تبوأتها.
تاريخياً تأرجحت العلاقات بين البلدين، حيث لم تعترف أمريكا بجمهورية الصين الشعبية لأكثر من 20 عاما، فالاعتراف، ثم الشراكة فالتطور في العلاقات بينهما، ويمكن تحديد مراحل التطور كالتالي:
المرحلة الأولى قبل عام 1949م حيث دعمت أمريكا، الصين ضد الغزو الياباني، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التصادم وعدم الاعتراف بالدولة الوليدة، كانت في الفترة 1949م – 1972م، المرحلة الثالثة وهي بداية التقارب منذ عام 1972م.
في اللقاء الذي عقدته جمعية الاقتصاد السعودية يوم الثلاثاء الموافق 24/04/2018م مع البروفيسور الفرنسي تييدري دي مونتيبال ذكر عدة نقاط تتعلق بالوضع الحالي فيما بين الدولتين، ومايراه سببا للتنافس وكيف أثرت هذه المنافسة في الاقتصاد الدولي، وقال أن هذا التنافس سوف يسيطر على القرن الواحد والعشرين، وسيؤثر على مستقبل الإتحاد الأوروبي أو الشرق الأوسط.
كما يرى دي مونتيبال أن الصين ذات الـ 1.3 مليار نسمة صاحبة ثقافة عظيمة ولديهم ارتفاع كبير في معدلات النمو والتطور في كافة القطاعات الاقتصادية، وأن الصينيين لديهم طموح عسكري كبير وقوى تتمثل في مشروعات ضخمة لتحقيق رؤيتهم، فهي تفكر بصيغة الأجيال ومشاريعها تبدأ من 50 الى 100 عام مثل مشروع طريق الحرير وصلت عقوده الى 99 سنه .
لدى الصينيين قيم مختلفة مقارنة بمعظم دول العالم، واقتصاديا ترغب بتحديد العدد لتقليص الكثافة السكانية والوصول الى اقتصاد حديث.
امريكا ذات الـ 350 مليون نسمة يرى رئيسها ترامب نفسه أنه فوق النظام العالمي ولا يوجد له منافس، أيضا تنظر أمريكا الى التجارة كأداة سياسة شرسة كما يعتقد البروفيسور الفرنسي أنها ستؤدي الى حدوث حروب تجارية.
ذلك كان أبرز ما جاء في اللقاء عن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في اللقاء الذي ترأسته الدكتورة نورة اليوسف والبروفيسور عبدالله القويز .
تتصاعد الآمال في واشنطن وبكين بقرب التوصل إلى اتفاق يساعد في تسوية الحرب التجارية بين البلدين، ولكن يبدو أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين يتجاوز الاقتصاد إلى الدفاع والثقافة والتكنولوجيا.
فما الذي تريده الولايات المتحدة من الصين؟ وكيف ستكون نهاية اللعبة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؟
الإجابة المختصرة عن ذلك تتمثل في أنه في المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري تصافح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي في المكتب البيضاوي الشهر الماضي. ولكن التوتر بين البلدين يصل إلى مدى أعمق من مجرد خلاف تجاري، ولا يعتقد أحد ممن تحدثت إليهم في واشنطن أن هذا الاتفاق سيحقق فارقا كبيرا.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تحولا سلبيا واضحا في المواقف الصينية نحو الولايات المتحدة، ومن المهم إدراك أن هذا التحول تواكب مع وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض.
ويقول دانيال كليمان، المستشار رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية والمدير الحالي لبرنامج آسيا المحيط الهادي الأمني في المركز الأمني الأمريكي الجديد (CNAS) : "أعتقد لو كانت هيلاري كلينتون في الرئاسة أو أي ديموقراطي أو جمهوري آخر لكنت سترى التحول نفسه، فقد ساد شعور بأن التوجه السابق في التعامل مع الصين لم يعد ناجحا".
وهناك أسباب عديدة لتصاعد التوترات بين البلدين، فالفوائد الاقتصادية المتوقعة لانضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001 لم تتحقق أبدا، بحسب راي براون، الذي عمل محللا اقتصاديا للحكومة الأمريكية بين عامي 2001 و2018.
وأضاف قائلا: "إن الصين لم تعتزم أبدا الالتزام بالقواعد، وقد انضمت للمنظمة بهدف أن تغيرها لا أن تتغير هي".
وأدى ذلك إلى مزيد من الخسائر في الوظائف وإغلاق المصانع في الولايات المتحدة في ما عرف بـ "الصدمة الصينية".
وقد تحملت الولايات، التي عرفت باسم "ولايات الحزام الصدئ"،و التي صوتت لترامب عام 2016 العبء الأكبر في هذه الصدمة.
وقد نقل العديد من الشركات الأمريكية إنتاجه إلى الصين للتمتع بميزة انخفاض كلفة العمالة بحسب دانيال كليمان، ولكن كان على هذه الشركات دفع ثمن باهظ نظير الانتقال للصين : "فقد أجبرتهم الصين على نقل التكنولوجيا معهم، وحقوق ملكيتهم الفكرية أيضا".
وحتى تلك الشركات التي لم تنتقل للصين وجدت أن الصينيين قد حاولوا التسلل لأسرارها التجارية. وأمام وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة قائمة طويلة من الاتهامات ضد أفراد صينين وشركات للتجسس والقرصنة الإلكترونية.

وقال كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي اف. بي آي، مؤخرا أمام الكونغرس إن 1000 تحقيق على الأقل من التحقيقات التي أجريت مؤخرا في سرقات فكرية من مؤسسات أمريكية تشير بإصبع الاتهام إلى الصين.
كريستوفر راي يقول إن 1000 تحقيق على الأقل من التحقيقات التي أجريت مؤخرا في سرقات فكرية من مؤسسات أمريكية تشير إلى الصين
وتقدر الحكومة الأمريكية أن الحجم الإجمالي للملكية الفكرية التي سرقتها الصين خلال السنوات الأربع بين 2013 و2017 تصل إلى 1.2 تريليون دولار.
وبحسب دين تشينغ وهو من مؤسسة التراث، وهي مركز أبحاث أمريكي محافظ يُعنى بالدراسات المستقبلية، فإن هذا هو السبب الأول للتوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين.
ويقول: "عندما تجد الشركات أن براءات اختراعاتها ومنتجاتها تتعرض للانتهاك وأسرارها التجارية تتعرض للقرصنة فإنها تنتهي إلى أن الشراكة مع الصين ليست مربحة بل هي أمر سلبي".
وقال راي براون إنه لاحظ تغير المزاج من أواخر عام 2015 داخل أروقة الحكومة. فأولئك الذين كانوا يدفعون سابقا باتجاه التفاعل مع الصين يحذرون الآن من سرعة الصين باتجاه اللحاق بالولايات المتحدة.
يرى دين تشونغ أن انتهاكات الملكية الفكرية هي السبب الأول للتوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين
وفي الوقت نفسه، قاد في البنتاغون البريغادير جنرال روبرت سبالدينغ فريقا لصياغة استراتيجية جديدة للتعامل مع صعود الصين ونفوذها.
ومنذ تركه الجيش قام بتأليف كتاب عنوانه "حرب السرية: كيف سيطرت الصين بينما النخبة الأمريكية نائمة".
ولدى سؤاله عن التهديد الذي تمثله الصين للمصالح الأمريكية قال الجنرال سبالدينغ: "إنه أكبر تهديد وجودي منذ الحزب النازي في الحرب العالمية الثانية".
وأضاف قائلا: "إنه أكبر من التهديد السوفييتي بكثير، فبوصفها القوة الاقتصادية الثانية في العالم فإن لها القدرة على الوصول للحكومات والمؤسسات في الغرب بدرجة تتجاوز ما كان عليه السوفييت بكثير".
الصين بنت جزرا صناعية في بحر الصين الجنوبي
وتبلور عمل الجنرال سبالدينغ في البنتاغون في استراتيجية الأمن القومي التي نشرت في ديسمبر/كانون أول عام 2017. واعتبرت الوثيقة الرئيسية في الحكومة التي يجب أن تسترشد بها كل الوزارات ومثلت تحولا عميقا تجاه الصين، بحسب بوني غليسر مديرة مشروع قوة الصين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

وتعتقد وزارة الدفاع الأمريكية أن التعامل مع قوة الصين الصاعدة أحد الأهداف العسكرية الرئيسية للولايات المتحدة في العقود المقبلة، وقد شعر الكثيرون في واشنطن بالقلق من السرعة التي بنت الصين فيها العديد من الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي وجهزتها ابالأسلحة في تحد للقوانين الدولية.
ويقول دين تشونغ إن حجم التجارة الذي يمر في هذه المنطقة يصل إلى 5.3 تريليون دولار سنويا.
ويضيف : "أن الممارسات الصينية ترقى إلى محاولة لامتلاك قدرة قطع شريان التجارة العالمية الرئيسي".
وكانت الصين واضحة في التعبير عن طموحها لقيادة العالم في مجال التكنولوجيا المهمة في المستقبل مثل الإنسان الآلي والذكاء الصناعي.
الجنرال سبالدينغ يقول إن تهديد الصين أكبر من التهديد السوفييتي بكثير
وتقول بيني غليسر: "هذا أمر مهم للغاية للمنافسة الآن، لأنه لو نجحت الصين في هذه المجالات فربما تتجاوز الولايات المتحدة كقوة أولى في العالم".
وهذا الأمر الآن على المحك بالنسبة للسيادة العسكرية الأمريكية التي لا تقوم الآن على الحجم الضخم للجيش، بل على أنظمة الأسلحة المتقدمة تكنولوجيا.
ويعتقد دانيال كليمان أن السباق التكنولوجي غير العسكري مهم أيضا. ويقول: "إن الصين لا تطور أنظمة مراقبة تكنولوجية في الداخل فقط، بل وتقوم بشكل متزايد بالتصدير، فضلا عن التمويل، وتقديم المعرفة".
تقول بيني غليسر إنه لو نجحت الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة فربما تتجاوز الولايات المتحدة كقوة أولى في العالم
ويعتقد أن الصراع ضد ما وصفه بـ "النظام السلطوي المتقدم تكنولوجيا" سيتركز بشكل متزايد على الصين.
لذلك لا تتوقع أن يتغير موقف الولايات المتحدة من الصين في المدى القريب فحتى لو خسر ترامب الانتخابات القادمة فإن المزاج في واشنطن لن يتغير.
فالحوار السياسي الوحيد الدائر حاليا ليس عن التغلب على الصين بل عن أفضل السبل لتحقيق ذلك. ويفضل أغلب الديمقراطيين التعاون مع الحلفاء ضد توجه الرئيس ترامب الانفرادي. وعلى الرغم من معرفة الديمقراطيين بأن القليل من الأصوات تدافع عن تعامل أكثر نعومة مع الصين.

اخر الأخبار