هل نخاطر بحياة الناس في ظل عجز تشريعي؟

تابعنا على:   16:06 2020-04-27

د.ابراهيم محمد المصري

أمد/ اثار استغرابي كيف لهيئة قانونية أن تستسلم لجمود قانوني وتشريعي اقترب من خمسة عشر عاما، فقدست نصوص تشريعية وقفت عاجزة وقاصرة عن معالجة مختلف قضايا المجتمع من انقسام وتدهور للحالة الاقتصادية والاجتماعية ، فلم تعد تلبي أدنى حاجات الناس ومتطلباتهم الأساسية ، مما أثار في نفسي الدهشة وصدمني هذا الرأي القانوني الذي أصدرته الهيئة المستقلة لحقوق الانسان الذي لا يخلو من مقامرة بحياة الناس وتعريضهم لمخاطر جائحة كورونا التي أصابت كل دول العالم فقتلت من شعوبها عشرات الآلاف .. فهل لم نعد نكترث لحياة أبائنا وأجدادنا ومرضانا وهم الأكثر عرضة للهلاك والموت.
لماذا نخاطر بأنفسهم الطاهرة من أجل اعتبارات قد تخطئ أو تصيب، ومبررات غير دقيقة وحجج ضعيفة استندت إليها الهيئة المستقلة تطالب فيها الرئيس وتحثه على عدم تمديد حالة الطوارئ لفهم خاطئ وقعوا فيه واستسلموا لجمود النصوص القاصرة التي لم تتطور ولم تستجب لحاجات المواطنين منذ سنين طويلة، ادراك خاطئ للنظام الأساسي الفلسطيني بعدم وجود نصوص تشريعية تسمح بذلك.
انه من المثير للقلق اصدار توصيات من هيئة قانونية تقول في بيانها انها تقدس النص " هذه النصوص لبست قرآنا لنقدسها فهي من صنعنا نحن البشر" ونسيت أن التشريعات والقوانين هي استجابة لحاجات المجتمع ولتحقيق مصالحه العامة .
فهل النصوص القانونية مقدمة على حياة المواطنين بعد أن اثبتت جائحة كورونا أنها قادرة أن تقتل عشرات آلاف الناس وتؤذيهم، فهل نقامر بحياة الناس من أجل فهم قاصر غير مرن لا يراعي روح النصوص والتشريعات في ظل جمود تشريعي لفترة اقتربت من عقد ونصف العقد .
وغريب هذا الجمود في الفقه القانوني الفلسطيني الذي يقودنا الى سيناريو مرعب ومخيف لواقع صحي هش وضعيف ومتهالك، بحجة ان قانون الصحة العامة يعالج المسألة ويفي بالغرض، وهو أمر يجافي الواقع والمنطق لأن جائحة كورونا لا يكفي معالجتها فقط باجراءات حجر طبية، وتنسيق بين وزارات معينة ..إذ يحتاج الأمر الى اجراءات قوية وصارمة وتخلق حالة من الردع العام والخاص ،وتشديد للعقوبات لمن يخالف تعليمات الأمن الصحي والسلامة العامة ويعمل على نشر الوباء بقصد أو بغير قصد ، فقانون الصحة لا يعالج اطلاقا الحجر على قرية أو حي أو مدينة بمنع التجوال أو الحركة منعا لانتشار المرض وتفشيه الى مناطق اخرى، أو يشدد العقوبات المالية أو الحبس لمن ينشر أو يساعد على نشر الوباء والجائحة .
لقد جانب الهيئة المستقلة الصواب ولم يكن اجتهادها أو توصياتها عند مستوى المسؤولية، واستسلمت للنصوص، مع العلم أن معظم دول العالم لم تلجأ لمجالسها التشريعية أو برلماناتها، لإعلان حالة الطوارئ بل تركت الأمر للجهات الرئاسية أو التنفيذية لإعلانه وتطبيقه وتنفيذه ،سواء نصت فيها دساتيرها وقوانينها على هذا الاجراء أم لم تنص .
وأوعز للهيئة المستقلة أن معالجة هذه المسألة يمكن ادراجها تحت بند الأعمال السيادية للسلطة التنفيذية " للرئيس" باعتبارها شأنا سياسيا وليس أمر اداريا، تطبيقا للمصلحة العامة كما أشار المرسوم بقانون الصادر عن الرئيس الفلسطيني، وهو قرار لا يخضع للرقابة القضائية ، وكما هو معمول به في فرنسا "أم القوانين" استنادا للفقه القانوني، والفقه القضائي الفرنسي .
أيها السادة المتخصصون في القانون والتشريعات ،تعلمون جميعا أن النظام الأساس للسلطة الوطنية الفلسطينية مجرد مبادئ عامة تم صياغتها بدون تفصيلات على غير ما درجت عليه دساتير معظم الدول التي نصت على كل تفصيلات الحياة السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ..ولا زالت قاصرة رغم ذلك عن معالجة جميع القضايا ، فلا تقامروا بحياتنا من أجل فهم خاطئ او تفسير قاصر.
غير أنه من واجبنا التنبيه والتأكيد على أن لا تمس اجراءات الطوارئ الرأي السياسي والخصوم السياسيين في أبداء رأيهم في مختلف القضايا وحتى اعتراضهم على تطبيق قانون الطوارئ بحجة أنه مخالف للقانون والمطالبة بعدم تطبيقه، وانتقادهم لسياسات الحكومة واجراءاتها التنفيذية وفي تقصيرهم أو تجاوز الحكومة آداء واجباتها المناطة بها.

اخر الأخبار