درس في الحماقة السياسية

تابعنا على:   18:44 2020-04-27

عاصم عبد الخالق

أمد/ لا تعنينا كثيراً تفاصيل اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في «إسرائيل» بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومنافسه السابق وحليفه الحالي بيني غانتس. لا يدهشنا أو يفاجئنا ما أظهره الاتفاق من دهاء سياسي لنتنياهو، لكن ما يستوقفنا بالفعل ويستحق الدهشة هو ما كشفه من حمق سياسي وسوء تقدير فادح وفاضح لغانتس.

ربما يكون هذا الجنرال السابق بارعاً في ساحات القتال، إلا أنه فشل مبكراً جداً في أولى معاركه السياسية، وتبين أنه دخل عالم السياسة بطريق الخطأ، وما زال مبتدئاً لا يجيد الإبحار وسط أمواجها المتلاطمة وأنوائها العاتية.

قبل أن نوضح لماذا يفضح الاتفاق التباين الشاسع بين الطرفين من حيث الخبرة والدهاء السياسي، نشير أولاً إلى أنه ينص على أن يتبادل الاثنان رئاسة الحكومة خلال ثلاث سنوات، وبحيث يستمر نتنياهو في منصبه حتى آخر أكتوبر 2021.

ويمثل التوقيت نصراً مهماً لنتنياهو الذي يواجه اتهامات بالرشوة والفساد وخيانة الأمانة، وقد تنتهي محاكمته بإدانته وسجنه. وأحد أسباب استماتته في البقاء على رأس الحكومة هو رعبه من هذا المصير المظلم.

وباستمراره في منصبه تنتعش آماله في إمكانية تعطيل الإجراءات القانونية ضده. كما سيستفيد من مؤيدي غانتس في الكنيست لمنع المعارضة من سن تشريع يحظر توليه السلطة خلال المحاكمة. وحتى عندما يصبح نائباً لرئيس الوزراء سيظل الرجل القوي في «إسرائيل» بفضل كتلته البرلمانية المتماسكة.

يمنحه الاتفاق أيضاً حق الاعتراض على المرشحين لمنصب المدعي العام أو النائب العام، أي الجهة المنوط بها التحقيق معه وإحالته للمحاكمة. وهذا مكسب آخر. المكسب الأكبر هو بند وضعه يقضي بالتصويت على ضم أجزاء من الضفة اعتباراً من يوليو / تموز المقبل، سعياً لتعزيز شعبيته.

باختصار كل ما فشل نتنياهو في الحصول عليه عبر الانتخابات، بما فيه تشكيل الحكومة، قدمه له غانتس مجاناً، بل دفع ثمناً باهظاً سيكلفه خسائر فادحة. خسارته الكبرى هي ضياع ثقة الرأي العام والأحزاب التي ساندته. انشق عن التحالف الذي تزعمه، ودمره، وخسر نصف مؤيديه في الكنيست. خان الجميع، ونكث بوعده الذي ظل يردده عاماً أو أكثر برفض الانضمام إلى حكومة يتزعمها نتنياهو المتهم بالفساد على حد قوله.

أفضل وأدق تعبير عن هذا الانتحار السياسي المجاني كتبته صحيفة هارتس «الإسرائيلية» تحت عنوان ساخر يقول: «نتنياهو استأجر غانتس كحارس شخصي لمدة 3 سنوات».

اعتبرت الصحيفة أن ما توصلا إليه ليس اتفاقاً لتقاسم السلطة، ولكن عقد توظيف وقعه الطرف الأول، وهو صاحب العمل أي نتنياهو، مع الطرف الثاني الأجير أي غانتس الذي سيتولى تأمين بقاء الأول في السلطة ثلاثة أعوام، منها 18 شهراً رئيساً للوزراء. وبحكم العقد يلتزم الطرف الثاني بالدفاع عن الطرف الأول، وحمايته من العزل داخل الكنيست وخارجه، وهذه هي كل مهمته الحقيقية أياً كان مسمى وظيفته.

وإذا كان غانتس يحلم برئاسة الحكومة كمكافأة على تضحياته السياسية، فلا يوجد ما يضمن حدوث ذلك. وليس في تاريخ نتنياهو ما يؤكد أنه كان دائماً وفياً بعهوده، ولن يعدم وسيلة لنسف الاتفاق إذا رأى في ذلك مصلحة له. وربما يتم حل الكنيست، وفي هذه الحالة إذا تولى غانتس المنصب الذي يحلم به، فسيكون بطة عرجاء باعتبارها فترة انتقالية.

لا نعرف على ماذا يراهن غانتس، ولا لماذا خان مبادئه وناخبيه، وغدر بحلفائه بلا مقابل مضمون أو مجزٍ. خسر أحزب اليسار والوسط، ولم يكسب اليمين المتشدد الذي لا يرى فيه إلا منشقاً قادماً من المعسكر المناوئ لا مانع من الاستفادة من خدماته مؤقتاً، لكن من المستحيل الوثوق به أو التحالف معه على المدى البعيد.

قد يكسب غانتس منصب رئيس الحكومة، ولكن سيكون ذلك بلا قيمة، فلن يصدقه أحد في ما بعد. فقد خسر مصداقيته وثقة الآخرين واحترامهم، والأهم خسر مستقبله السياسي.

عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار