"الحجر الصحي" يشعل الخلافات الأسرية.. والحل بالمرونة والحوار

تابعنا على:   20:15 2020-05-16

أمد/ غزة-آمنة الدبش: مع تسارع وتيرة الحياة يوماً بعد يوم، فيروس كورونا المخفي يلقي بظلاله على البنيان الأسري في المجتمع الفلسطيني، مغيّراً معايير وموازين الحياة الزوجية بفرض الحجر الصحي المنزلي لأجل غير مسمى مؤثراً على انماط وسلوكيات استقرار العلاقات الأسرية.. نمط روتيني غير المعتاد يطفو على حياة الزوجين يولد الشعور بالملل والفتور العاطفي ما يؤدي إلى نشوب الخلافات والصراعات الزوجية.

سيناريوهات خلف الجدران تترنح تحت وطأة الجائحة تنعكس سلباً على كلا الطرفين لتغير مجرى حياتهم واستقرارهم رأساً على عقب.

المواطن أحمد "أبو محمد" (45عاماً)، أب لـ(8) أفراد يعمل في مجال البناء توقف عمله خلال جائحة كورونا قائلاً: "لا أحد منا يرغب في افتعال المشاكل، لكن هناك عوامل وأسباب تفاقم الخلافات الأسرية، وتزيد المعاناة وخصوصاً في شهر رمضان جراء ضيق الحال وعدم وجود دخل ثابت لإعالة أسرتي وأطفالي الصغار، أتهرب من منغصات الحياة والضغوطات اليومية بالنوم كوسيلة للانفصال عن الواقع المرير والابتعاد عن أي انفعال، صراع نفسي يشعرني بالتقصير ويؤرق حياتي الزوجية ويزيدها تعقيداً".

مشاجرات ومشاحنات

في حين تشتكي شيرين ماضي (44 عاماً) وهي ربة منزل لأسرة مكونة من (4) أفراد من شريك حياتها العامل داخل الخط الأخضر والذي أجبرته تداعيات «كورونا» للعودة الى غزة وإلتزامه البيت دون عمل. تروي شيرين معاناتها فتقول: "منذ قرابة شهر تفاقمت حدة المشاجرات اليومية بيني وبين زوجي على أبسط الاشياء وعدم التفاهم وعلو الصوت على أطفالنا وابنتنا التي تدرس بالجامعة نتيجة تراكم الديون وزيادة المصاريف المنزلية مما جعلني أشعر بالوحدة وعدم القدرة على التحمل".

ترتسم ملامح اليأس والاحباط على ابنتها إيمان التي لا تتعدى (20 عاماً) بعد أن ارهقتها الخلافات الأسرية العنيفة لتتحمل جزءاً من أعبائها تاركةً دراستها الجامعية وتلجأ إلى العمل لتتجرع مرارة الحياة، وتتمكن من توفير النفقات اللازمة لأسرتها وتجنب المشاحنات اليومية قائلة "فقدان الذات يؤثر على التوافق مع الأسرة، والشعور بالقلق والتأزم النفسي، فعندما أنظر لأقاربي وأراهم سعداء ينعمون بالاستقرار العائلي يصيبني حزن عميق".

وتروي الزوجة مريم (30 عاماً)  أن زوجها موظف في إحدى الشركات ويتسم بالوسامة والأناقة، وقد أجبرته فترة الحجر على  قضاء أيام بلياليها منعزلاً يتبع سلوكيات أثارت غضبها ونفورها. وتقول:«الرجال يثورون على الزوجة في حال إهمال مظهرها متجاهلين المسؤوليات الملقاة على عاتقها في حين كشفت الأزمة أنهم لا يولون هذا الجانب أي أهمية كأن الأناقة والمظهر حكران على الزوجة، أما أناقته ومظهره فهي للعالم الخارجي، حياتي تسودها الكآبة والبؤس وانعكس هذا على أسرتي".

الصمت القاتل:

لا يختلف الحال مع سهام (25عاماً)، حيث تعاني كثيراً منذ فرض الحجر المنزلي من صمت زوجها داخل المنزل وعدم حديثه معها أو مع أطفالها إلا بكلمات معدودة وروتينية، على الرغم من أنه خارج المنزل أو أثناء حديثه في الهاتف مع أصدقائه يتحدث بطلاقة، وعندما تستفسر منه عن سبب صمته يطالبها بأن تفتح هي حديثاً مشتركاً وعندما تفعل يكون حديثه بنعم أو لا أو لا أعرف او كما تريدين مما يشعرها بالإهانة والاستفزاز فتلتزم هي الأخرى بالصمت.

في حين أشارت أخريات لالتزام أزواجهن بالجلوس ومشاهدة التلفاز وفي الوقت نفسه يشكون من الأطفال وإزعاجهم ويطلبون من زوجاتهم التعامل مع الأمر دون إبداء أي مسؤولية.

لا مفر إذن من حدوث الخلافات والمشاحنات الزوجية وعادة ما يبدأ الخلاف بالانفعال الزائد والمزاجية ورمي كل طرف كرة المسؤولية إلى ملعب الآخر، فتتسع فجوة النزاعات وتبادل التهم بعدم المسؤولية والاتكالية.

بهذا السياق، تحدثت الأستاذة نجاح عياش مديرة مركز البرامج النسائية  قائلة: "تعصف المشاكل بين الزوجين وتتفاقم بشكل أكبر في زمن "كورونا"، لتترك أثاراً سلبية على الحياة الأسرية، لهذا بدأنا من منطلق الترابط الأسري والوعي الاجتماعي تنفيذ دورات توعية وندوات إرشاد في الحياة الزوجية تم تفعيلها منذ بدء انتشار الجائحة لتوعية وتثقيف الزوجات حول المشاكل الزوجية وآثارها على البنية النفسية للأطفال".

وأضافت عياش أن "غالبية الأسر لا تملك منهجية واضحة في التعامل مع الخلافات الزوجية، ليأتي دورنا في نزع فتيل هذه الخلافات والتعاطي معها بالصور الإيجابية، للوصول إلى التوافق والصيغة المشتركة لإدارة حياتهما بكل تفاصيلها ومعطياتها والقضاء عليها قبل تحولها لكارثة مصيرية تهدد كيان الأسرة".

الشراكة الزوجية

وأوضح الاختصاصي الاجتماعي الأستاذ محمد نصر أن أية علاقة زوجية لا يمكن أن تخلو من المشاجرات اليومية، كونها علاقة تشاركية، مشيراً إلى أن الأمر اختلف في زمن الجائحة، فهناك تأثيرات اجتماعية نفسية نتيجة الحجر المنزلي طالت كافة الأسر، وإن تفاوتت نسبتها، وخاصة في الأسر ذات الدخل المحدود.

وأشار نصر  إلى أن التغيير الروتيني الذي طرق أنماط وسلوكيات الحياة الزوجية قد يسفر عنه مشكلات نفسية، فتغير الروتين الخاص للرجل يسبب ارتباكاً ويظهر في سلوكياته، على عكس المرأة الأكثر مرونة وتأقلماً مع التغيرات.

وشدد نصر على أن الخلافات الزوجية من المواضيع الخطرة التي لا تتنبه إليها كثير من الأسر وخصوصاً الآباء أثناء مشاجراتهم أمام أبنائهم ما يعكس أثاراً سلبية ونظرة متشائمة للحياة، داعياً لتجاوز محنة "كورونا" بالتأقلم معها وتجنب المشاكل الزوجية قدر الإمكان، نحو توطيد العلاقات الأسرية بالحوار الإيجابي والمرونة في التعامل، وممارسة الأعمال المنزلية والأنشطة الرياضية، واستيعاب كل من الطرفين للآخر.

كثير من التغيرات بين مد وجزر تطرأ على الحياة الأسرية، لكن الأب والأم هما من يمتلكان العصا السحرية أو مفاتيح حل العديد من الخلافات. 

اخر الأخبار