فلسطين ضحية ثالوث (النكبة، النكسة، الإنقسام) ..!

تابعنا على:   16:37 2020-06-20

د. عبد الرحيم جاموس

أمد/  

اثنان وسبعون عاما قد مرت على النكبة الفلسطينية واللاجئين لا زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي هجروا منها وقواشين ممتلكاتهم من أراض وعقارات اغتصبت منهم عنوة واقتلعوا منها بالحديد والنار، لازال الفلسطينيون يتمسكون بحقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها وبيوتهم وأراضيهم التي خلفوها وراءهم سنة 1948م، كانوا يعتقدون أنها مجرد أيام معدودات ويعودون إليها بعد أن رفضوا ومعهم اشقاءهم العرب قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947م، في حين اعلنت العصابات الصهيونية قيام (دولة إسرائيل في الوقت الذي اعلنت فيه الدولة المنتدبة بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين في 15/5/1948م)، بعدها انتظر الفلسطينيون دخول الجيوش العربية التي اعلنت الحرب حينها من أجل تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية ومنع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وتمكينهم من العودة إلى ديارهم، لكن للأسف النتيجة كانت الهزيمة والنكبة، لم تتمكن هذه الجيوش من هزيمة العصابات الصهيونية التي استطاعت أن تحتل ما يساوي أكثر من 78% من مساحة فلسطين متجاوزة بذلك النسبة التي كان قد قررها لها قرار التقسيم وهي نسبة 54% من مساحة فلسطين، وقعت على أثرها اتفاقات الهدنة العربية الإسرائيلية لترسيم حدود الكيان الصهيوني الوليد على أساسها فيما بعد، رغم ذلك بقي الأمل عند الفلسطيني بالعودة قائما ويكبر يوما بعد يوم وفق القرار الأممي رقم 194 لسنة 1948م كما بقي الأمل لديه ينمو وقائما بإزالة الكيان الصهيوني يوما قادما لا محالة وإقامة كيانه المستقل على كامل التراب الفلسطيني.

لكن الواقع العربي كان يسير عكس هذه  الآمال والأمنيات  فوقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وانتهى بإنسحاب القوات الغازية من سيناء وقطاع غزة، وبقي الأمل قائما حين تستعد الجيوش العربية من جديد لمعركة التحرير، لكن الطامة الكبرى والتي سميت بالنكسة حين وقعت حرب الخامس من حزيران للعام 1967م والتي انتهت بكارثة كبرى، بإحتلال ما تبقى من أرض فلسطين وسيناء والجولان لتتضاعف مساحة الكيان الصهيوني خمسة مرات عما كان عليه، وسمي نكسة عربية، عندها تصاعدت الثورة الفلسطينية التي كانت قد انطلقت في الاول من يناير عام 1965م على يد حركة فتح  لتلتحق بها فصائل وطنية متعددة من مختلف ألوان الطيف السياسي، هكذا يمر اليوم على النكسة ثلاثة وخمسون عاما وما تبعها من مقاومة ونضال وكفاح فلسطيني وعربي بأشكال وأساليب مختلفة وحرب اوكتوبر1973م .. ليبدأ بعد كل ذلك مسلسلا جديدا في الصراع يرتكز على أسلوب (المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاق كامب ديفيد مع مصر ومن ثم اتفاق اوسلوا مع م.ت.ف واتفاق وادي عربة مع الأردن).. وبقي الفلسطيني رغم ذلك يحلم بالعودة إلى وطنه ويحلم بإقامة كيانه المستقل وعاصمته القدس ..

مسلسل من النكبات والنكسات والتراجع في المواقف وسوء الإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني واكبه تفوق الكيان الصهيوني وداعميه وحلفاءه ...

ليأتي الإنقسام الفلسطيني الناتج عن انقلاب حركة حماس الحزيراني في15/6/2007م والذي يكون قد مر عليه اليوم ثلاثة عشر عاما ليمثل الضربة القاسمة للمشروع الوطني الفلسطيني المرحلي أو في حده الادنى، ويتزاوج ويمثل الركن الثالث في أركان ثالوث النكبات والنكسات الفلسطينية والعربية، التي جعلت من فلسطين ضحيتها المستمرة والكبرى وتبعد أمل العودة والتحرير الملازمان للإنسان الفلسطيني عقيدة لا يحيد عنها، منذ بدايات القضية إلى اليوم إلى سنوات وربما إلى عقود أخرى، هكذا تتشكل القضية الفلسطينية بفعل القوى الصهيونية وحلفائها من القوى الإستعمارية من جهة وبفعل التراجع وسوء الإستعداد والإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني ...

فلا الحروب الكلاسيكية أو الشعبية أدت إلى تحرير فلسطين ولا مكنت اللاجيء الفلسطيني من العودة إلى دياره، ولا مسلسل المفاوضات تمكن من إنجاز ما اخفقت الحروب في تحقيقه...

رغم كل هذه المحطات والنكبات والنضالات والتضحيات وما حملته من مآسي واخفاقات وما حققته من انجازات، فإن الشعب الفلسطيني بقي ولازال حقيقة قائمة وماثلة يربوا على اربعة عشر مليونا من البشر ليسوا فائضا بشريا على وطنهم ولا على العالم حتى يستمر إنكار حقوقهم الثابتة غير القابلة للتصرف من عدوهم وغيره، ولا يجوز أن يترك فريسة لسياسات الكيان الصهيوني وداعميه ليواصل مسيرة قضمه لها قطعة قطعة ...

على طريق إلغائها وقبوله من ثم عربيا وعالميا على صيغته التوسعية والعنصرية المرفوضة فلسطينيا وعربيا ودوليا، ويتم كل ذلك بدعم وغطاء من إدارة الولايات المتحدة منفردة ...

الفلسطينيون اليوم مطالبون بقراءة الواقع قراءة فاحصة، على ضوءها يجب أن يتم بناء استراتيجية نضالية كفاحية جديدة أول عناصرها إنهاء الإنقسام وانجاز الوحدة الوطنية ميدانيا ومؤسساتيا في إطار م.ت.ف بصيغة تكفل احتواء جميع القوى والتيارات في إطار جبهوي ناظم وموحد للفعل الوطني في مواجهة المشروع الصهيوني على كل المستويات وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة.

عربيا لا بد من مراجعة المواقف العربية لجميع الدول ووقف مسلسل التراجع والتراخي في التعامل مع الكيان الصهيوني ووقف كل محاولات ومقدمات التطبيع معه وبناء المواقف الغربية الدولية على اسس مصلحية مع مختلف الدول والقوى على أساس مواقفها من هذا الصراع المزمن، وتنفيذ القرارات العربية والدولية المختلفة بهذا الشأن ..

حتى يدرك الكيان الصهيوني وحلفائه مدى جدية الموقف العربي من سياساته العدوانية، وتأكيد الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية كحد أدنى للموقف العربي لإنهاء الصراع ..

على الديبلوماسية العربية والفلسطينية أن تنشط وتسعي لخلق جهة دولية شعبية ورسمية عالمية داعمة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومعارضة لإستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وسياساته التوسعية والإستيطانية والعنصرية المجافية للشرعية الدولية ولأبسط قواعد القانون الدولي  ..

نخلص إلى أن النضال الفلسطيني يجب أن يرتكز ويهدف إلى تحقيق الغايات والأهداف الإستراتيجية التالية لإعادة الإعتبار لقضيته ..

اولا: إنهاء الإنقسام فورا وتحقيق الوحدة الوطنية في إطار م.ت.ف كجبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الفلسطينية.

ثانيا: النضال من أجل اسقاط قانون قومية الدولة (يهودية الدولة) في الكيان الصهيوني وتحقيق المساواة لشعبنا في منطقة الإحتلال للعام ثمانية واربعين، والعمل على تحقيق هدف العودة للاجئين الفلسطينيين، كحق أصيل وثابت فردي وجماعي غير قابل للسقوط أو التقادم أو التنازل وفق ما فصله وأقره القرار 194 لسنة 1948م.

ثالثا: النضال من أجل ممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق القرار 181 لسنة 1947م وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.

هذا هو الرد  لمحو آثار ثالوث (النكبة والنكسة والإنقسام) الذي جعل من فلسطين وشعبها ضحية مستمرة وماثلة للعيان ..

كلمات دلالية

اخر الأخبار