حين يتقدم الحزب ويتراجع الوطن

تابعنا على:   08:31 2020-06-25

د. خليل عبد السلام جبر

أمد/ التنظيم المقاوم لا يختلف في حقيقته عن الحزب السياسي، فهو تجمع لأفراد يحملون رؤية مشتركة، تستهدف معالجة ملفات اجتماعية عامة وفق قيم ضابطة، كالانفتاح، وتقبل الآخر، والايمان بالشراكة السياسية وسيادة القانون، واحترام حقوق المواطن وحرياته العامة، والايمان بأن الجميع تحت مظلة الوطن وخدام له..

ولا شك أن رفعة الدولة هي إفراز طبيعي للحيوية الفكرية والالتزام القيمي لتنظيماتها السياسية، ولكن المشكلة تظهر حين تختل البنية المعرفية للحزب وما ينتج عن ذلك من انهيار للمنظومة الأخلاقية لديه، ومن أبرز مظاهر هذا الخلل البنيوي ما يمكن ان نطلق عليه "ثلاثية الهدم المجتمعي"، وهي التحمل غير الواعي للمفاهيم، واضطراب الأولويات، ثم انقلاب الوسائل إلى غايات، وإذا اجتمعت هذه الإصابات الثلاث، فإن الحزب سيبتلع لا محالة الوطن..

ولكي تتضح الصورة، فإننا نحيل إلى مفهوم مفصلي وهو "مفهوم الانتماء"، فالأصل في الانتماء أن يكون للوطن، ولكن التشويه الحاصل عند بعض التنظيمات بفعل غياب المراجعات، والحساسية المفرطة تجاه أي خطاب نقدي، إضافة إلى ظهور قوى مستفيدة داخل الحزب، أدى إلى قلب المعادلة، إذ تقدم الحزب وتراجع الوطن..

وهذا التقديم والتأخير ليس أمرا ذهنيا أو نظريا مجردا، بل أضحى هو الموجه للسلوك التنظيمي، وخطورة هذه الوضعية تكمن في تحول الحزب من كونه وسيلة إلى غاية، ومن تجربة بشرية إلى مقدس، وهذا ما يفسر كيف تحولت كثير من التنظيمات إلى كيانات منغلقة على ذاتها، حيث طغيان المنطق الحزبي، وسيادة العقلية الإقصائية، التي ترى في كل صوت معارض تهديدا لوجودها، فتعمد إلى مواجهته بالتشكيك والاتهام بمختلف مصطلحات التآمر والتخوين والتكفير، وإن تطلب الأمر لا تتورع عن التدخل العنيف بحق منتقديها..ا

كلمات دلالية

اخر الأخبار