السيل الجارف يقترب رويداً رويدا 

تابعنا على:   08:49 2020-07-05

بكر محمود اللوح

أمد/ من الطبيعي جدا أن يعتز ويفتخر خريجي الجامعات بما وصلوا إليه من درجات العلم والثقافة والمعرفة ليهيئوا أنفسهم لحياة العمل ولقمة العيش الكريم وفتح البيوت والإستقرار والسكينة والطمأنينة في ظل أسرة كريمة 

وهذا طموح كل إنسان يجتهد في طلب العلم سواء في الجامعات المحلية أو الخارجية فالهدف واحد في طلب العلم والسكينة فنجد الأب عاش مع أسرته على الفتات من أجل أن يرى أبنائه متعلمين حتى تبدأ حياة جديدة ويرى أبنائه موظفين والفرحة تملأ عيونهم 
ولكن في بلدنا فقط ما أن يصل الطالب إلى نهاية حياته الجامعية يصطدم بجدار الواسطات والمحسوبيات في الوظائف فيرى من هو أقل منه كفاءة موظف وغيره ينتظر قوائم الخريجين المتقدمين للوظيفة فيبدأ الصراع النفسي مع الخريج 

ومن هنا تبدأ المعاناة الحقيقية للخريج وأسرته فهو مقدم على الزواج والإستقرار والسكينة وأهله تكاد الفرحة تملأ قلوبهم وتتدفق الدموع فرحا وإبتهاجا بتخرج أبنائهم حتى يتفاجأوا بأبنائهم يقفون على عتبات الفقر المعيشي والقهر الوظيفي 

وبدلا من أن تبدأ فصول الإرتياح النفسي بعد طول عناء وشقاء الدراسة وبعد الفرحة والبهجة التي عمت البيت والأسرة تبدأ فصول الوجع والألم النفسي والمعاناة التي تخيم على جميع أفراد الأسرة الذين كان همهم الوحيد رؤية أبنائهم وهم يحملون الشهادات الجامعية ويحصدون أعلى الدرجات 

فيصبح همهم الجديد البحث عن وظيفة مناسبة لأبنائهم وتدور الأيام وتتعاقب الأشهر والسنين دون جدوى فتعم الأسرة خيبة أمل حقيقية من واقع لم يكن يخطر ببالهم حينما يجدون أبناء المسؤولين وأقربائهم زملاء أبنائهم كل منهم في وظيفته 

عندها تبدأ فصول المعاناة ويود الوالدين ألا يرسلون أبنائهم للتعليم الجامعي سواء في داخل الوطن أو خارجه ويتمنون لو تعلم أبناؤهم صنعة أو حرفة يدوية تعود عليهم بلقمة العيش الكريم بدلا من تعذيب أسرة بأكملها من أجل توفير نفقات الدراسة لأبنائهم الذين في نهاية المطاف سيقفون على عتبات السيدات والسادة من أجل إمكانية الحصول على وظيفة 
فيبدأ الإحباط واليأس يخيم على الخريجين الذين قد تصل أعمارهم فوق سن الثلاثين وهو بدلا من أن يبحث عن وظيفة أصبح يبحث أي عمل من توفير أدنى متطلبات الحياة المعيشية ولم يجد وغيره من أبناء المسؤولين والواسطات والمحسوبيات يركبون أحدث السيارات ويسكنون أرقى الشقق والفلل والبيوت 

فتصل الأمور بهؤلاء الخريجين إلى حالة من الجنون والإحباط النفسي فيصبح جل إهتمامهم الهجرة من بلدهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه فيضغط على والديه لتوفير أموال السفر وهما على أمل أن يحصل أبناؤهم على عمل أو وظائف خارج حدود الوطن 

فيتفاجأون خلال رحلة العذاب الطويل أن البحر الغدار والحيتان في إنتظارهم ليعودوا إما جثثا هامدة أو مفقودين في البحار أو يدفنون بعيدا عن أهلهم وذويهم وإن وصلوا بلدا أسكنوهم في معسكرات تشبه معسكرات النازية وربما أسوأ لتبدأ معهم رحلة عذاب طويلة 
ومنهم لا يجد قوت يومه فيحاول أن يدبر أمره من هنا أو هناك بالديون لكي يصنع له عربة صغيرة لبيع المشروبات الساخنة والباردة ليلتقط بعض فتات المال يكاد لا يكفيه شخصيا ومنهم من يبيع السجائر على مفترقات الطرق وحالة البؤس والعذاب تهيمن على وجهه 
وهذا العمل المرير قد يكون في أحسن الأحوال للخريجين ومنهم من يرمي بنفسه إلى التهلكة فإما يقدم على الإنتحار هروبا من واقع مرير ومنهم من يقدم على حرق نفسه إعتقادا منه أن الموت أرحم من حياة الذل والمهانة 

ومنهم من يتمنى أن يصاب أو يكون شهيدا من أجل الحصول هو أو أهله من بعده على راتب ثابت يساعد الأسرة في حياة بسيطة بالكاد يمكن القبول بها والأمثلة والحالات هنا كثيرة وحدث ولا حرج ولا يزال الجرح ينزف والقهر والفقر يعم البلاد والعباد دون حلول جذرية لهذه الحالة السيئة التي إجتاحت بلادي 

والكارثة الحقيقية التي لا ندري هل المسؤولين عن هذا البلد يعلمون بها أم غافلون عنها وهي إقبال جيل الشباب والخريجين على حرق أنفسهم أو إقدامهم على الإنتحار ولم نجد أحدا من المسؤولين حاول العمل على إيجاد حلول ولو مؤقتة لهذا الشريحة الكبيرة في بلادي 
وما زلنا نصرخ ونطرق جدار الخزان لكي يسمعوا صوت النداء للعمل على إيجاد الحلول المناسبة لهذه الشريحة من الجيل الشاب الذي في أحسن الأحوال يكاد يحصل على فتات المال الذي قد لا يكفي لسد رمقه شخصيا قبل أسرته التي أثقلت نفسها وغرفت في الديون حتى يصل الأب إلى سجون الغارمين العارفين بالديون وإعلان إفلاسهم 

هذا غيظ من فيض نضع فيه المسؤولين أمام مسؤولياتهم التاريخية والإنسانية لكي يصلوا إلى حلول جذرية لحل هذه الكارثة الإنسانية قبل أن يصل السيل العارم فيجرف كل من يقف في طريقه إلى واد سحيق قد لا يعلم خطورته إلا الله عز وجل 

اللهم إرحم شبابنا وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل مما هم فيه من اليأس والإحباط اللهم يسر لهم سبل العيش الكريم اللهم خذ بأيديهم لما تحب وترضى 
اللهم آمين يا رب العالمين

كلمات دلالية

اخر الأخبار