كورونا والانتحار .. صراع لحرف الانظار

تابعنا على:   16:00 2020-07-06

خالد صادق

أمد/ لست مع الذين يزعمون أن انتشار وباء كورونا بهذا الشكل في الضفة الغربية هو قرار تتحمل مسؤوليته السلطة الفلسطينية على اعتبار انها تخشى انتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني لمواجهة سياسة الضم الاستعماري, لذلك سمحت بانتشار المرض وتمدده في غالبية المحافظات الفلسطينية حتى تضمن عدم تحرك الشارع, ولست ايضا مع من يعتبر الانتحار في غزة ظاهرة, وانه يأتي بسبب سياسة حماس وتضييق الخناق على سكان القطاع وهو ما أدى الى وصول بعض الناس الى حالة يأس واحباط دفعتهم الى الانتحار, فوباء كورونا وباء اصاب العالم ولم تستطع أي دولة السيطرة عليه, حتى الصين التي قالت انها نجحت في حصار الوباء, عادت وقالت ان هناك موجة وباء ثانية تجتاح بعض المناطق الصينية أكثر فتكاً وقد حذرت العالم منها, كما أن الانتحار في غزة ليس ظاهرة, وليست مستجدة انما هى حالات فردية ومحدودة , ومتواجدة سواء في فترة وجود السلطة او قبلها او بعدها, ومن يروج لتعمد السلطة تعويم مرض الكورونا, او وصف حالات الانتحار في غزة بانها ظاهرة جديدة على شعبنا, انما لديهم اغراض سياسية, ويتحدثون من منطلق حزبي ضيق, وحديثهم ليس واقعا, ويؤخذ على انه يأتي في اطار التراشق الاعلامي, والمناكفات الحاصلة بين الطرفين المنقسمين, كما لا يمكن استبعاد فرضية سوء نية هؤلاء بإثارة بلبلة وفوضى داخل الساحة الفلسطينية الداخلية لزرع الفتنة, وادامة الانقسام والخلاف, فهذا لا يخدم الا الاحتلال فقط.
السلطة ليست في حاجة لنشر وباء الكورونا في الضفة لأنها تسيطر على الشارع الضفي بقوة من خلال فرض سياسة القبضة الحديدية على سكان الضفة وتحديدا أبناء التنظيمات الفلسطينية المقاومة, حيث تراقب نشاطهم السياسي والعسكري بدقة, ولا تكاد تغفل اعينها لحظة واحدة عنهم, فهي تقوم باعتقالهم واحباط أي محاولة لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال ومنع المسيرات الشعبية من الوصول لمناطق التماس والاشتباك مع الاحتلال, كما تحدث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن قيام اجهزة امن السلطة بتفتيش حقائب الطلبة المتوجهين الى المدارس واخراج أي سلاح ابيض منها, حتى المظاهر الوطنية التي تحرك العواطف الثورية لدى المواطن الفلسطيني في الضفة المحتلة منعت ايضا, فلا يسمح باستقبال الاسرى بأعلام الفصائل الفلسطينية, ولا يسمح بالخطابات الحماسية الثورية, وكلنا شاهدنا كيف قمعت عناصر السلطة في جنين تجمعا فلسطينيا خلال مراسم استقبال الأسير «أمجد قبها» الذي أمضى 18 عاماً في سجون الاحتلال, إذن فهي ليست في حاجة لنشر وباء كورونا لكي تمنع الانفجار في وجه الاحتلال, كما أن انفجار الشارع ضد الاحتلال لا يمكن لأحد منعه لان ارادة الفلسطيني اكبر بكثير من ان يستطيع احد ان يسيطر عليه ويمنع ثورته, ثم ان رئيس السلطة محمود عباس اصدر أمس الأحد، مرسوما بتمديد حالة الطوارئ لثلاثين يوما لمواجهة استمرار تفشي فيروس كورونا, فهو يدرك ان انتشار الوباء يضر بالمصالح الفلسطينية السياسية والاقتصادية والمالية ويزعزع الاستقرار الداخلي.
اما الذين يرجعون زيادة حالات الانتحار في قطاع غزة الى سياسة حماس وممارساتها في القطاع, فإن هذا الامر ليس دقيقا, فالوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة ليس بسبب حماس, انما بسبب الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة عشر عاما وهو الذي انهك الغزيين تماما, وبسبب العقوبات التي تفرضها السلطة على قطاع غزة, ومنع موازنات الوزارات الحكومية في القطاع, وقطع الرواتب عن آلاف الموظفين, واسر الشهداء والاسرى والجرحى من ابناء حماس والجهاد الاسلامي, حتى الفقراء الذين كانوا يأخذون مساعدات من الشؤون الاجتماعية قطعت مساعداتهم على خلفية انتمائهم السياسي, ونحن ندرك ان هناك اعباء مالية كبيرة وضرائب مفروضة من حكومة حماس على التجار مثلا في غزة, وان هذه الضرائب يتحملها في النهاية المواطن الفلسطيني, لكن الواقع الصعب في غزة اكبر من ذلك بكثير, فحماس خرجت بمسيرات العودة بمشاركة الفصائل الفلسطينية لكسر الحصار وقدمت حماس والفصائل في سبيل ذلك مئات الشهداء والجرحى, وسعت لإنهاء الانقسام مع السلطة مرات عديدة واستجابت لمطالب الفصائل الفلسطينية وقدمت تنازلات لإنجاح المصالحة الفلسطينية, لكن في كل مرة كان الانقسام يصطدم بتعنت متنفذين داخل السلطة, وبضغوط اسرائيلية عليها, بحيث لم تتوفر الارادة الحقيقية لدى السلطة لإنهاء الانقسام, لأنها تعتقد ان تضييق الخناق على غزة سيدفع الناس للانقضاض على حماس وانهاء وجودها في الضفة.
لقد تفاقمت اوضاع الناس المعيشية سوءا بفعل السياسات والتقديرات الخاطئة, اما حالات الانتحار التي يتحدث عنها البعض فلم تكن لسوء الاوضاع المعيشية انما دوافعها في الغالب ذاتية, لذلك نأمل ان نركز اهتمامنا على إحباط مخطط الضم الاستعماري, ولا ننجرف في صراعات وهمية ليس من ورائها طائل.

اخر الأخبار