مسألة الدولة الفلسطينية في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة

تابعنا على:   10:01 2020-07-13

منصور أبو كريم

أمد/ منذ بداية عملية السلام عام 1991 ارتبطت جهود التسوية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بنتاج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كون أن كل إدارة أمريكية تدخل البيت الأبيض تحمل العديد من التصورات الجديدة حول العديد من المسائل الدولية والإقليمية بما فيها جهود تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، بشكل عام وجهود تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على وجه التحديد، فبمجرد دخول المجتمع الأمريكي عام الانتخابات يتم الحديث عن مستقبل التسوية في ضوء الرؤية الأمريكية القادمة في حالة فوز الجمهوريين أو الديمقراطيين، ففوز المرشح الجمهوري "جورج بوش الأبن" عام 2000 بالانتخابات الرئاسية انعكس سلباً على مسار التسوية بعد ما انتقدت إدارة بوش الأبن الانغماس المفرط لإدارة بل كلنتون في جهود التسوية الفلسطينية الإسرائيلية خلال مؤتمر كام ديفيد 2 الذي باء بالفشل، نتيجة الاختلاف على السيادة على منطقة الحرم القدسي.
كما أدى اختلاف الرؤيا والطروحات التي تقدمت بها الإدارات الأمريكية السابقة لحل المسألة الفلسطينية منذ التوقيع على اتفاق أوسلو لتأزيم المسار الفلسطيني الإسرائيلي، ووضع عقبات أمام الوصول لحلم الدولة الفلسطينية، فقد تبنت الإدارات الأمريكية الأربع ( إدارة كلنتون، بوش الأبن، باراك أوباما، ترامب) رؤيا وطروحات مختلفة أحيانا ومتناقضة أحيانا أخرى، مما ساهم في تراجع فرص الحل السلمي ودخول الطرفين في صراع سياسي وعسكري، فقد نتج عن فشل مؤتمر كام ديفيد الثاني عام 2000 اندلاع انتفاضة الأقصى التي أدت إلى تراجع كبير في فرص التسوية وصعود اليمين الديني المتطرف لسدة الحكم في إسرائيل، وانتهاء شبه كامل لمسار التسوية الذي بدأ مع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
لقد أدى اختلاف توجهات الحزبين الجمهوري والديمقراطي والإدارات التي تتبع لهم من عملية السلام، وجهود التسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي إلى إحداث عقبات كثيرة أمام تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، عبر قيام دولة فلسطينية مستقلة كثمرة من ثمرات عملية السلام. كون أن الرؤية الأمريكية لفكرة لدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، لم تكن واحدة، بل تعددت المواقف والتصريحات الأمريكية حول فكرة الدولة الفلسطينية ونوع الحل الذي يجب أن يكون نهاية المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو في حديقة البيت الأبيض عام 1993، أحجمت إدارة بل كلنتون (1993-2000) عن الحديث مفهوم الدولة الفلسطينية وتركت الأمر للمفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية، ورأت أن مسالة قيام دولة فلسطينية متروك للمفاوضات المباشرة بين الطرفين، ولم ترغب في البت في قضية الدولة قبل الدخول في مفاوضات الحل النهائي، لكنها عرض في ورقة الرئيس كلنتون خلال مؤتمر كام ديفيد عام 2000 تصورات تقوم على أساس حل بموجبه تنسحب إسرائيل من أكثر 90% من أراضي الضفة الغربية على أن تكون مدينة القدس عاصمة مفتوحة لدولتين، ولم تذكر إدارة بل كلنتون فكرة قيام دولة فلسطينية أبدا، حيث كان التصور الإسرائيلي الأمريكي المبدئي يقوم على أساس حل يؤدي لقيام كيان فلسطيني أقل من دولة وأكبر من حكم ذاتي.
إدارة جورج بوش الأبن (2001-2008) كانت أول من تحدث عن فكرة الدولة الفلسطينية، وطرحت هذه الدولة في سياق خطة ما يعرف "خريطة الطريق" التي نصت على قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على 40% من أراضي الضفة الغربية، مع ترحيل قضايا الحل النهائي لمرحلة نهائية (حل مرحلي جديد) مع فرض مجموعة شروط على هذه الدولة.
هذا الطرح تم رفضه كونه يكرر مأساة اتفاق أوسلو من جديد، في ظل عدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة، إضافة إلى أن هذا المشروع سوف يؤدي لتأبيد الاحتلال عبر الحلول المؤقتة، كما أن شارون وضع 14 تحفظ على هذه الخطة وأفرغها من مضمونها.
مع دخول إدارة أوباما البيت الأبيض (2009-2016) حدث تطور على الموقف الأمريكي من موضوع الدولة، ففي عهد إدارة بارك أوباما خطت الولايات المتحدة خطوة للأمام وتحدثت عن ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، لكن ربطت هذه الدولة بالموافقة على قضية يهودية الدولة، (أي أن تكون إسرائيل خالصة للشعب اليهودي).
لتنفيذ هذه الرؤية طرحت إدارة أوباما عام 2013 مسارين للمفاوضات التي لم تستمر طويلا، المسار الأول سياسي أمني بموجبه يتم الاتفاق على الحدود والترتيبات الأمنية، وفي هذه القناة التي كان يترأسها جنرال أمريكي تم اقتراح تواجد قوات من حلف الناتو في منطقة غور الأردن كبديل عن قوات الاحتلال الإسرائيلي. والثاني اقتصادي، تم بموجبه طرح ما يعرف بخطة جون كيري لتطوير الاقتصادي الفلسطيني، عبر طرح استثمارات مباشرة 4 مليار دولار، لكن التعنت الإسرائيلي أفشل هذا الجهد الأمريكية، بعد ما توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ عام 2015 بشكل نهائي.
إدارة دونالد ترامب (2017-2020) خلال الولاية الأولى عادت عن كل التصورات الأمريكية السابقة، وطرحت رؤية لدولة فلسطينية مفرغة من مضمونها، في إطار ما يعرف بـ"صفقة القرن" يتم بموجبها، قيام دولة فلسطينية مفتتة الأوصال على أقل من 70% من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وأجزاء هامشية من صحراء النقب، وضم أكثر من 30% من الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية لإسرائيل، بهدف تثبيت الوضع القائم الذي استطاعت إسرائيل تحقيقه على الأرض من خلال سياسة مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وجاءت الرؤية الأمريكية الجديدة منسجمة مع رؤية اليمين الديني الحاكم في إسرائيل، بهدف تثبيت الوضع القائم وعدم إزالة أي مستوطنة، وضم المستوطنات الكبرى والفرعية والطرق العرضية والالتفافية ومحيط المستوطنات بمساحة تصل إلى أكثر من 30% من الضفة الغربية، مع شطب قضية القدس واللاجئين والسيادة من على طاولة المفاوضات، خطورة الخطة الأمريكية في حالة تنفيذها أنها سوف تؤدي لتفتيت الجغرافيا السياسية الفلسطينية والديمغرافيا البشرية، مع عزل كامل للأراضي الفلسطينية عن محيطها العربي والإقليمي، ووضع شروط تعجيزية على قيام الدولة الفلسطينية على باقي الأراضي.
في إطار التصورات الأمريكية السابقة تأتي أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، كون أن مستقبل مشروع الضم من عدمه، أصبح مرتبط بشكل كبير بنتائج الانتخابات الأمريكية، فاستمرار ترامب في البيت لولاية ثانية يعني منح نتنياهو مزيد من الضوء الأخضر لتطبيق الضم الفعلي حتى لو تأخرت خطوة الضم لحين إجراء الانتخابات، كما ان خروجه من البيت الأبيض وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن وعودة الديمقراطيين للبيت الأبيض من جديد يعني وضع مزيز من العقبات الدولية أمام تنفيذ أي خطوة باتجاه الضم.
على الدوام كانت تصورات الإدارات الجمهورية هي الاكثر سوءً في طريقة التعاطي مع القضية الفلسطينية وأسس التسوية، كون أن هذه التصورات لم ترتكز على منطق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو مبادئ القانون الدولي، فمعظم تصورات الجمهوريين كانت تبتعد كثيرًا عن الحقوق الفلسطينية والقانون الدولي، سواء بطرح لدولة فلسطينية مؤقتة على أقل من 40% من الأرض الفلسطينية، أو بطرح دولة مفروغة من مضمونها وتحيط بها المستوطنات الطرق العرضية والالتفافية من كل جانب، بالمقابل كانت تصورات الإدارات الديمقراطية أقرب للحقوق الفلسطينية المشروعة والقانون الدولي، الأمر الذي يجعل من نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة فاصلة في مسار القضية الفلسطينية برمتها ومستقبل الدولة الفلسطينية على حدود عام 1976، سواء لجهة العودة عن السياسات الأمريكية المجحفة للحقوق الفلسطينية التي تبنتها إدارة ترامب، والعودة لأسس التسوية ومبدأ حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية كأساس للحل؛ أو لجهة الاستمرار في نهج تصفية القضية الفلسطينية من خلال القوة، وفرض إرادة أمريكية إسرائيلية بالقوة والابتعاد عن القانون الدولي ومنطق الحقوق.

اخر الأخبار