الدولة و أزمة كوفيد-19-الثقة مطلوبة للتعافي

تابعنا على:   07:29 2020-07-22

حازم مصطفى شملخ

أمد/ الدولة ظاهرة تاريخية سياسية قانونية وهي أرقى شكل انتجه العقل البشري لتنظيم المجتمع، وترسيخ قواعد العيش المشترك، وذلك للتخلص من حياة الفوضى التى كانت سائدة في المجتمعات القديمة، وهذا التوجه الذي استقر عليه الفكر السياسي والقانوني في وقتنا المعاصر، وهو ما أفرز بنظرنا الحاجة الملحة للدولة، بشكل لا يمكن الاستغناء عنها كالماء والغذاء والدواء بمعني آخر أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة.
وبرزت أهمية الدولة وتعاظمت حاجتنا إليها، خلال أزمة جائحة كورونا-كوفيد19، التي عصفت بالعالم نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، هذا الفيروس الذي قضى على أعتى الأنظمة الصحية بالعالم في غضون أسابيع قليلة، وأخذ سكان العالم رهائن بحسب ما عبرت عنه منظمة الصحة العالمية.
أزمة لم تشهد البشرية لها مثيل هي الأسوأ منذ "الكساد الكبير" في الثلاثينات من القرن الماضي حسب ما افادت به تقديرات صندوق النقد الدولي، الذي بدوره يحذر من الانتشار المستمر للوباء، كونه سيفرمل قدرة الحكومات والبنوك المركزية على السيطرة على الأزمة، وأن "الإغلاق الكبير" في دول العالم، عكس "واقعا قاتما" لأصحاب القرار من السياسيين، الذين يواجهون "بلبلة شديدة بشأن مدة الصدمة وحدتها".
و بناءا على ما توفر من معلومات حول انعكاس كورونا على الدول، "والملاحظ" أننا أمام أزمة من نوع خاص، سيكون لها امتدادات وانعكاسات على اقتصادات الدول، كما ترى كبيرة الاقتصاديين في الصندوق سالف الذكر "غيتا غوبيناث"، إن الأزمة قد تقلص إجمالي الناتج المحلي العالمي بحوالي 9 تريليونات دولار، خلال العامين المقبلين.

ومن حيث الوضع الحالي، فإن التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن كورونا عصفت بمعدلات متزايدة بالبلدان، التي تندرج ضمن شريحتي الدخل المنخفض والمتوسط وكذلك البلدان الفقيرة، ومن المرجح أن تتسبب في إيقاع خسائر اقتصادية فادحة، و تدهور الاوضاع وتعقيدها في كل شهر يشهد استمرارها وبقاؤها.
وقادت القيود التي فرضت على قطاع الطيران، إلى توقف شبه كامل لحركة السفر الدولي، فضلاً عن الإغلاق الكامل أو الجزئي المفروض على الشركات والصناعات في كل من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا أدى إلى انهيار حركة السفر على النطاق العالمي، علماً بأنها من المتوقع أن تتسبب في تضاؤل معدل تدفق التحويلات المالية.
وتشكل السياحة والتحويلات المالية مصادر هامة لتوفير فرص العمل وتوليد الدخل لصالح الشرائح الفقيرة، على التوالي، الامر الذي انعكس سلبا بدون أدنى شك على ميزانية الدولة، التي تأثرت مواردها نتيجة توقف النشاط الاقتصادي باعتباره النشاط الاكثر مساهمة في الميزانية العامة " ضرائب +رسوم جمركية"، هذا الوضع سينعكس على نفقات الدولة خصوصا على مستوى البرامج الاجتماعية والخدماتية، وجعل الدول تعيد ترتيب أولوياتها وتستعمل ورقة امكانية مراجعة قوانينها المالية لتتناسب مع الوضع المستجد.
ومن زاوية أخرى سيؤدي الانخفاض الحاد لنسب أداء المكلفين لمساهماتهم بميزانية الدولة لعرقلة أدائها لوظائفها خصوصا "التقليدية"منها، كالتعليم والصحة والامن، وتوفير الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء والمواصلات والاتصالات...الخ، وهو ما يمس ويهدد مصالح شرائح واسعة من السكان.
تأسيسا على ما سبق وللخروج من عنق الزجاجة والنجاة من تبعات الصدمة أو الكارثة كما يسميها البعض، المرجح استمرارها لسنوات، وللتخفيف من حدتها واستعياب آثارها، لابد من حضور قوي وفعال للدولة، بصفتها صاحبة السلطان والسيادة، وكونها الجهة الأكثر صلابة و قدرة على مواجهة الأزمات، ومعالجة الآثار الناجمة عنها، لامتلاكها أغلب الوسائل والامكانيات المادية واللوجستية والموارد البشرية.
ويتعين على مختلف الفاعلين منح الدولة الثقة، و ادراك مكانتها وأهميتها كجهاز للتنظيم، والعمل على تهيئة الظروف أمام أجهزتها المختلفة، لتتمكن من وضع التصورات والبرامج، التي من شأنها معالجة القضايا والاوضاع المستجدة، والتخفيف من حدة الصدمة.
في هذا الصدد نشير إلى ضرورة تظافر الجهود بين الدولة وشركائها ومختلف الفاعلين، والعمل معا في شكل تضامني وتعاضدي، والتحلي بروح المسؤولية والانضباط وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وادراك حجم المأساة في حال غاب التعاون والفكر الموحد، هذه أبرز العوامل التي سوف تساعدنا على تخطي الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، تحديدا في هذه المرحلة الحساسة من حياة البشرية جمعاء.
وكما على الدولة القيام بالتزاماتها بشفافية ودون محاباة لفئة أو تمييز فئة على باقي الفئات، وذلك باعتبارها جهاز، يهدف إلى ترسيخ قواعد العيش المشترك داخل المجتمع والرقي به والحفاظ على أمنه واستقراره، والتصدي للازمات والكوارث التي تهدده أي كان مصدرها، وهذا ما لمسناه أثناء أزمة فيروس كورونا، بحيث في الوقت الذي التزم الجميع بالبقاء في منازلهم، ظلت الدولة بأجهزتها المختلفة تسهر على تدبير الأزمة، عبر إقرار مجموعة من التدابير التي تضمن توفير الأمن الصحي لمواطنيها رغم امكانياتها المحدودة وشح المعلومات الوارادة بخصوص طبيعة ومصدر فيروس "كوفيد 19".
وختاما نشير إلى ضرورة مساهمة وسائل الإعلام سواء التابعة للدولة أو القطاع الخاص ووسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة مختلف الفعاليات المجتمعية في إبراز أهمية الالتفاف حول الدولة ومدى حاجتنا إليها للنجاة من الأخطار الناتجة عن أزمة كورنا.
 

اخر الأخبار