هل يعيد التاريخ نفسه؟ 

تابعنا على:   21:03 2020-07-28

ا. د. محمد الشنطي

أمد/  الهيئة العربية العليا خدّرت الشعور الوطني بوحدة هشّة فأضاعت فلسطين، فهل ننتظر تحالفا صوريا جديدا للإجهاز على حلم الدولة ؟! 

تنبئنا الوثائق التاريخية المتصلة بقضيتنا الوطنية بما يلي: 

كانت الأجراس تقرع منبّهة إلى خطر قادم يتمثّل في الهجرة اليهودية التي تواصلت بين مدّ وجذر منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادية، حين تمّ بناء مجموعة من المستوطنات نجح يهود روسيا الفارّون من اضطهاد الحكم القيصري، فوصل عدد المستوطنات إلى ما يقرب من عشرين عام 1882، وارتفع صوت نجيب عازوري المفكر العربي المقيم في باريس محذّرا من الخطر الصهيوني في كتابه (يقظة الأمة العربية ) عام 1905 قبل صدور وعد بلفور باثنتي عشرة سنة فضلا عن عشرات الأصوات التي تعالت هنا وهناك، وقد مرّ ذلك مرور الكرام، كانت التركيبة الاجتماعية الفلسطينية التي تسيطر عليها العائلات الكبرى سياسيّا واقتصاديّا، ولم تكن لتفطن إلى بناء مؤسسات مجتمعيّة صلبة على غرار ما كان ينهض به اليهود الذين شكّلوا الوكالة اليهودية وهي أشبه بحكومة الظّل التي ظلّت تستعد لإعلان الدولة مكتملة الأركان، ثم الصندوق القومي اليهودي، ثم الجامعة العبرية، ثم عصابة الهاجاناة نواة للجيش الصهيوني في حين بالكاد استطاع العرب أن يتجمعوا في تشكيل (الهيئة العربية العليا) تجمّعا شكليا تشارك فيه العائلات المتنفّئة محاصصة، تقوم على التوافق المرحلي الصوري بين الزعامات العائلية في حين كانت الأرض التي امتلكها إقطاعيون عرب كبار استولوا على أراضي الفلاحين الذين عجزوا عن تسديد ديونهم للمرابين من تلك العائلات بسبب الضرائب الباهظة التي فرضتها الدولة العثمانية، فأخذت  تتسرب إلى اليهود تحت إغراءات المال الذي دفع لهم، كان الانقسام الفلسطيني بين الأسر الكبرى قد بلغ ذروته حين عزم المفتي الحاج أمين الحسيني على الدعوة لعقد مؤتمر إسلامي فشكّك راغب النشاشيبي في نواياه و دعا إلى مؤتمر ضرار أدى إلى فشل مساعيه فانفض المولد بلا حمص. 

 التاريخ يعيد نفسه فيما نرى من واقع موجع أشدّ إيلاما، فقد تم إفشال الثورة الفلسطينية التي قادتها فتح والزّج بها في صراعات مع منظمات شتى أدت إلى تشتيت جهد الثورة عبر العلاقات الأيديولوجية والمخابراتية و الجاسوسية وإزاحتها عن  ملعبها الرئيس والقذف بها في المنافي وصرفها عن بناء المؤسسات التي من شأنها إقامة أسس اقتصادية واجتماعية و سياسية متينة، وكان بالإمكان أن تنهض بهذا العب حتى في ظل الاحتلال كما فعلت اليابان حين تركت القواعد الأمريكية وشأنها في البلاد وراحت تبني قاعدة اقتصادية ذات شأن ؛ ولكن الرؤى الديماغوجية التي ظلت تعزف على وتر العواطف والمشاعر الوطنية السطحية وتحارب اتفاق أوسلو الذي حاربه عتاة المتطرفين اليهود فقتلوا رابين الذي أبرمه، و أزاحوا أولمرت من سدة الحكم حين رأوه على وشك الاتفاق مع الفلسطينيين، وزجّوا به في السجن، في حين تركوا نظيره نتنياهوا يتولّى السلطة مرة بعد أخرى رغم فضائحه التي تزكم الأنوف، و ظل معارضو أوسلو من الفلسطينيين  يحاربونه ويعملوا على إفشاله باسم الوطنية تارة والعاطفة الدينية تارة أخرى فأهدروا حياة المئات من خيرة شبابنا، وظلوا يناورون من أجل مصالحهم الحزبية و (ما بين حانا ومانا ضيّعنا لحانا) اليسار الفلسطيني أفلت منه الزمام وأضاع البوصلة حين أعمته المصلحة الحزبية فراح يستثمر الخلاف بين فتح وحماس لصالحه، ووقف يتفرج على مذبحة الانقسام دون أن يحرك ساكنا هو واليمين المدعوم إقليميا ممثلا في الجهاد التي انحازت لصالح الفتنة الشعواء التي أشعلها الإنقلابيون، ولكننا لم نع هذا الدرس التاريخي للأسف، و لم يقم أحد بالمطالبة العمليّة بعقد مؤتمر وطني يقيّم الجريمة ويحدّد الفاعلين ويطالب بمحاكمة كل مسؤول عما حدث، واكتفينا بنشر نتائج التحقيق التي أسفرت عن الكشف عن وقائع مذهلة تستحقّ التوقف عندها وتركنا مسؤولين كبارا ينجون بجلودهم ويشغبون على حركتهم ويمارسون لعبتهم مستغلّين أوضاعا إقليمية بعينها، و صمتت قيادات فلسطينية وازنة عن هؤلاء وعن المارق الذي لا يذكرونه إلا مسبوقا بكلمة الأخ، وبقينا نجامل من ظلّوا يمارونه ويتقرّبون إليه دون حساب أو عقاب ؛ ولكن عقلية المراضاة وتبويس اللحى فيما تتكرر  وتجربة الهيئة العربية العليا بحذافيرها عيانا بيانا والسعي لبناء تحالفات صورية هشّة ما زالت مهيمنة، لن يرحم التاريخ أحد. 

اللهم فاشهد إني قد بلّغت. 

ارجعوا إلى العقد الثالث من القرن الماضي وكيف استثمره الصهاينة في حين قضته الحركة الوطنية الفلسطينية بالاستنكار ومخاطبة الانتداب والركون إلى الوعود ومناشدة عصبة الأمم ، ولم تتحرك القضية إلا بعد الإضراب الكبير الذي هزّ العالم، ومع هذا ضاع الجهد في المساومات والترقيعات والانتظار الممل لوعود لم تتحقّق. 

نشدتكم الله، هلّا عدتم إلى التاريخ، إننا نكرر أنفسنا ونحنى على أبواب الفصل الأخير من الضياع الكلي بمشروع الضم. 

أين استراتيجيات المقاومة ؟ ماذا تنتظرون ؟ عن أي وحدة وطنيّة تتكلمون ؟ ومن تخاطبون ؟ فأي ملهاة جديدة ينتظر منا أن ننشغل بها ؟ 

هل ننتظر أن تنضم حماس إلى هيئة عربية عليا أخرى؟ 

أطالب بدفن كل الشعارات المهترئة والمحاولات الفاشلة؛ فالمرحلة لا تحتمل التخدير، على أم الولد أن تحتضن وليدها وتدافع عنه وإلا تكررت مسرحية بريخت (دائرة الطباشير القوقازية). 

كلمات دلالية

اخر الأخبار