هكذا ساهم الإخوان في وصول تميم إلى الحكم

سعد الدين إبراهيم: علاقة قطر بـ "هيومن رايتس ووتش" غير بريئة

تابعنا على:   00:02 2020-08-04

أمد/ القاهرة: أكد الكاتب والمتخصص في علم الاجتماع السياسي والناشط الحقوقي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم، على ضرورة السعي إلى المطالبة بحقوق الإنسان، فهو كان من مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان وشغل منصب أمينها العام، كما أنه لعب دور المؤسس في جمعيات حقوقية أخرى في العالم العربي وكان عضواً في مجلس أمناء منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.

واجه إبراهيم اتهامات بالإساءة إلى بلده مصر وشغل منصب الأمين العام لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ودرّس في بلاده وفي الولايات والمتحدة وغيرها من الدول والجامعات. وكان أستاذاً زائراً في جامعة إسطنبول إلا أنه اضطر إلى مغادرتها إثر الانقلاب "المزعوم" - كما يسميه - على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينما شعر بالخطر يهدد حياته.

يشار إلى أنه في إحدى مراحل حياته عاش في قطر وكان من المقرّبين من الأسرة الحاكمة والشيخة موزة زوجة حاكم قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني ووالدة تميم.

كما أنه اقترح مبادرة المصالحة مع الإخوان المسلمين في مصر فثارت ضده موجات من الانتقادات والرفض، وزار إسرائيل مرات عدة ولم تكن فعلته أيضاً محببة لدى الكثيرين والتقى الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله لساعات.

وعايش سعد الدين إبراهيم، وهو صاحب تعبير "الجملوكية" - الذي عبّر فيه عن تحول الحكم الجمهوري في بعض الدول العربية إلى حكم متوارث - المجتمع التركي لحوالى سنتين عن قرب وصودف أن تكون فترة وجوده هناك حصول الانقلاب على أردوغان، ولكنه غادرها بعد ذلك بفترة وجيزة معتذراً عن عدم إتمام السنة التعليمية الثالثة له كأستاذ زائر في جامعة إسطنبول.

ونُشرت له مقالة قبل نحو 3 أسابيع، عنوانها "أردوغان... وهتلر... وليلة الحراب الطويلة"، انتقد فيها أردوغان بشدة وشبهه بالزعيم النازي أدولف هتلر وتحدث فيها عن الانقلاب ورؤيته للخط السياسي الذي يسير عليه أردوغان، وعندما سألته عن سبب توقيت نشر هذه المقالة كانت إجابته مطولة عن المرحلة التي عاش فيها هناك.

وقال إبراهيم خلال مقالته: "ما لمسته من مدة هو أن أردوغان ذكي جداً و "بلطجي" وانتهازي، لكن عندما حصل ما يسمى بالانقلاب (يوليو 2016) كانت هناك أمور غير متوافقة أولها أن الانقلاب "المزعوم" حصل أثناء وجود أردوغان خارج أنقرة وخارج إسطنبول أي أن من قاموا بالانقلاب لم يكن باستطاعتهم إلقاء القبض عليه. وانتهز الرئيس التركي الفرصة آنذاك لإلقاء خطاب ناري يطلب فيه من أتباعه الانتفاض ضد من قاموا بالانقلاب وإلقاء القبض عليهم".

ويتابع إبراهيم: "رأيت بنفسي ما حصل خلال الثماني ساعات التالية في شوارع إسطنبول، بعض قيادات الجيش والجنرالات المتقاعدين بلباس النوم في الشوارع وحواليهم أنصار أردوغان، لا شرطة ولا قوات جيش بل أنصاره من الحزب (العدالة والتنمية)".

وفي الرواية الرسمية، شهدت ليلة 15 يوليو (تموز) 2016، العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، محاولة انقلاب نفذتها عناصر من الجيش واتهمت السلطات الزعيم المعارض لأردوغان فتح الله غولن، بتدبير الانقلاب، وأظهرت صور بثتها وسائل الإعلام مجموعات من عناصر الجيش تحاول السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية. وأعلنت الحكومة التركية لاحقاً فشل محاولة الانقلاب.

وأضاف: "كنت جديداً في تركيا ولكني كنت قد فهمت عنها ما يكفي ورأيت خطوات أردوغان في التخلص ليس فقط من خصومه بل من أولياء نعمته".

وتابع إبراهيم متحدثاً عن أردوغان وتخلّصه من عبدالله جول وآخرين من الذين تعاطفوا معه عند دخوله الحزب لأنه كان نشيطاً وذكياً حينها، ولكنه عندما وصل إلى مراتب تحت القيادة مباشرة انقلب عليها وبدأ يتخلص منها لكي يحل محلها.

تصرفات أردوغان أعادت إلى ذاكرة سعد الدين إبراهيم النازية وهتلر والحركات الاجتماعية والأوضاع في ألمانيا في العشرينيات والثلاثينيات، ويقول حول هذه النقطة "تذكرت كل التاريخ الذي درّسته وواقعة محاولة الانقلاب في داخل الحزب النازي وكيف تخلص هتلر من خصومه وادعى بأنهم كانوا يتآمرون عليه".

ورأى إبراهيم أن أردوغان تخلص من المناوئين له في ثلاث مؤسسات مهمة جداً في تركيا الكمالية، هي الجامعة والقضاء والجيش، وهي المؤسسات التي تشربت الأيديولوجية الكمالية العلمانية الصرفة إلى حد المبالغة بينما هو – أي أردوغان – من خلفية تعتبر امتداداً لتنظيم الإخوان المسلمين وما فعله حسن البنا في مصر، وكل ما أراده ويريده هو الانقلاب على الكمالية وتفكيك المؤسسات التي أنشأها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا العلمانية.

وعن الخطر الذي شعر به وغادر على أثره إسطنبول، قال سعد الدين إبراهيم: "قلت لزملائي في تركيا بأن هذه الوقائع تذكرني بما حصل في ألمانيا النازية في تلك الفترة فكانت ردود فعلهم ابتسامة عريضة مع هز الرأس بالموافقة من دون أن يستطيعوا النطق بكلمة من تأثير الخوف".

وأضاف: "شعرت بالخطر لأنني بدأت أطرح الأسئلة وكان من بين الزملاء من يتحفظ عن الحديث العلني، وشعرت بأن بعض الساكتين هم من البوليس السري من أنصار أردوغان فغادرت الجامعة وخرجت من تركيا".

وكانت الضغوط على إبراهيم في تلك الأيام من مصر أيضاً فأمضى الفترة اللاحقة بين قطر ولندن وجامعات كثيرة كانت قدمت له عروضاً أثناء فترة سجنه.

يذكر أن سعد الدين إبراهيم عمل مُعيداً في كلية الآداب، جامعة القاهرة وعُين مُدرساً مُساعداً في جامعة واشنطن وأستاذاً مُساعداً في جامعة الدولة بشمال كاليفورنيا وفي جامعة ديبو بولاية انديانا والجامعة الأميركية في بيروت وأستاذاً مشاركاً في جامعتي بردو وإنديانا. وبعد عودته إلى مصر عُين أستاذاً في الجامعة الأميركية في القاهرة منذ عام 1975 وأستاذاً زائراً بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجليس ومحاضراً في جامعة القاهرة، وأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، وكلية طب قناة السويس، وجامعة حلوان. كل هذه المسيرة استمرت بين عامي 1960 و1995 شغل خلالها وبعدها مناصب اجتماعية وأكاديمية واستشارية كثيرة منها لحكومات يوغوسلافيا والسودان والعراق والسعودية والأردن ومصر.

من خلال رؤيته وقراءته لسياسة أردوغان، قال سعد الدين إبراهيم، إن الانقلاب المزعوم كان فيه غرض إحكام أردوغان يده على السلطة ويقول، "لم أستطع قول هذا الكلام في تلك الأيام وفي ذلك الوقت".

وأردف قائلاً: "ما أراه أن شعبية أردوغان في تراجع داخل تركيا وظهر ذلك من خلال الانتخابات البلدية التي لم يستطع حزبه أن ينجح فيها، بخاصة في المدن التي يعتقد أردوغان أن قواعده فيها راسخة، ولذلك أعاد الانتخابات وفشل أكثر، وهذا كان مؤشراً على أن شعبيته وحزبه وحلفاءه في تناقص وأنا أقول إن هذا وضعه في تركيا وخصوصاً في الأناضول".

وأكمل سعد الدين إبراهيم، أن القاعدة الأساسية لأردوغان هي "البرجوازية الصغيرة" أو "الرأسمالية الخضراء" كما يسميها هو، وكلمة أخضر هنا فيها إشارة إلى الإسلام لأنه اللون المفضل لدى المسلمين فهو لون النماء. هذه الرأسمالية هي التي صعدته تدريجاً من مدينة صغيرة إلى إسطنبول ثم إلى الرئاسة في نهاية الأمر". ويضيف "لكن كان لدى أردوغان دائماً شك في ولاء أهل إسطنبول والمدن الكبرى، بالتالي وعند إخفاق أنصاره في انتخابات المدن الكبرى اعتقد أن الأمر جزء من مؤامرة، فنظرية المؤامرة حاضرة دائماً بالنسبة إليه لتفسير ما يبدو أنه ضده أو ما يبدو أنه منطقي".

ورأى أن العد التنازلي بالنسبة لقيادة أو زعامة أردوغان قد بدأ، ولو أردنا الاستمرار بالمقارنة بينه وبين هتلر، لوجدنا أن الأخير كان يلجأ إلى المؤامرات الخارجية كلما شعر بأن شعبيته تناقصت ولو قليلاً، ففي علم نفس الأزمات وسيكولوجياً عندما تُشعِر الناس بجو الأزمة لن يفكروا بطريقة تحليلية أو بذكاء أو بعمق بل ردود الفعل تكون انطباعية وانفعالية وتفقد المنطق.

وحول تعرضه لهجوم لهجوم من إعلاميي الجزيرة بعد كتابة مقالته عن الرئيس التركي، قال إبراهيم: "خلال السنوات الست أو السبع الأخيرة وقعت القناة في براثن الإخوان المسلمين المصريين الذين غادروا مصر أيام عبدالناصر أو الإخوان الذين استطاعت الجماعة أن تجنّدهم في قطر، والجزيرة وغيرها من الأبواق الإعلامية للجماعة ولا يحبون ما أكتبه في هذه الموضوعات لأن جزءاً منها معلومات مباشرة وجزءاً منها من قراءات وجزءاً منها استنتاجات وجزءاً من وحي الأحداث والتطورات الجارية، ويبدو أن تأثير ما أكتب يوجع الإخوان، وأنا أعرف الإخوان المسلمين جيداً كأحد الذين اقتربوا كثيراً منهم وأعرف طريقة تفكيرهم من الداخل".

وأكد سعد الدين إبراهيم على أن تسجيلات مسربة للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مع رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، اعترف فيها بسيطرة الإخوان المسلمين على قناة الجزيرة.

وأوضح أن هناك وحدة حال بين النظامين الحاكمين في قطر وتركيا، ويضيف أن قطر تشعر حالياً بالعزلة (في إشارة إلى ما بعد المقاطعة الرباعية منذ 2017) خليجياً وإلى حد ما هي في عزلة عربية ومنذ عدة سنوات، ووزير الخارجية القطري السابق وحاكم قطر وبعده الشيخ تميم ييبحثون عن حلفاء لقطر.

وأضاف مستطرداً: "حينما هرب الإخوان المسلمين من مصر بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 عدد كبير منهم ذهب إلى تركيا وماليزيا ولندن، وكان هناك منهم أيضاً في أميركا، لكنهم وجدوا في تركيا وفي أردوغان وفي الإخوان المسلمين الأتراك خير حليف وخير أنيس، وأنا أعتقد وليس معي دليل مادي، أنهم يساعدون أردوغان في التغلغل في بلاد عربية أخرى وبلاد أفريقية لهم فيها فروع منها السودان وإريتريا والصومال وأخيراً في ليبيا".

وتحدث عن وجود شيء من التناقض في قطر بحضور الشيخة موزة. ويروي سعد الدين إبراهيم "قال لي (أحد أفراد الأسرة الحاكمة) اسألني لأشرح لك، فقلت له إن الجزيرة تهاجم أميركا طوال الوقت وعندكم أكبر قاعدة أميركية كيف ذلك؟ فقال لي سأشرح لك، نحن في قطر أعدادنا كقطريين لا يتجاوز ربع مليون ولكننا نسبح على بحر أو على بحيرة من الغاز والنفط ونتمتع بأعلى دخل فردي في العالم - في ذلك الوقت – ونحن بهذه الثروة وبهذه الميزة وبعددنا المحدود وبالأطماع التي حولنا من 3 حيتان وهم إيران والعراق صدام، والسعودية، فأوقفته وسألته السعودية أيضاً؟ قال نعم وبين هؤلاء الثلاثة كان يجب أن يحمينا أحد".

وتابع إبراهيم: "كانت لي مقالة عنوانها البلطجي الأعظم والبلطجي الأصغر، واعتبرت فيها أن أميركا البلطجي الأعظم وصدام حسين الأصغر، وقال لي (أحد أفراد الأسرة الحاكمة) أنت استخدمت كلمة البلطجي ونحنا قلنا لأنفسنا فلنذهب إلى البلطجي الأكبر ونرى ماذا يريد "ونأجره" ونستفيد من خدماته، وقال بدأت الاتصال مع الولايات المتحدة وقلت لهم نحن نريد حماية ما هي شروطكم وطلباتكم وكانت شروطهم ثلاثة:

1- وجود قاعدة تحل محل القواعد التي كانت في السعودية، التي طلبت الرياض إنهاء تأجيرها للأميركيين.

2- أن تنفق قطر على أية قوات نأتي بها لأن الكونغرس ربما يعترض على زيادة الاعتمادات ويثير أسئلة تدخلنا في متاهات.

3- أن تكون قطر حليفة لأميركا في أي تحرك ضد إيران مستقبلاً.

وأردف سعد الدين إبراهيم ناقلاً كلام أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، "فقال لي أنا وافقت على الشروط، بالتالي هذا ما يفسر وجود قاعدة أميركية هنا. أما هجوم الجزيرة على أميركا فكان هجوماً كلامياً لفظياً، ولكن العلاقات التحالفية من خلال القواعد والبعثات الطلابية الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية الأخرى قائمة".

يشار إلى أن هذه الازدواجية بحسب ما وصفها إبراهيم كانت مسار استغراب لديه في بادئ الأمر وإنما اعتبر أن الجانب القطري كأي نظام سياسي واجبه الأول الحفاظ على بقائه في السلطة وترسيخ أقدامه في السلطة.

وبيّن سعد الدين إبراهيم، أن قطر أظهرت التزامها بهذا الشرط في موضوع العراق، مضيفاً "اليوم أنا أعتقد أن إيران وتركيا وقطر تشعر أنها منبوذة في المنطقة، بالتالي المنبوذون الثلاثة متعاضدون متآلفون كحاجة الغريق إلى قشة، ومقالتي المقبلة ستكون عن المنبوذين الثلاثة (الأنظمة الحاكمة)".

وأوضح إبراهيم: "شرحت لي الشيخة موزة كيف تغلغل الإخوان المسلمون في قطر من خلال الشيخ يوسف القرضاوي - وهو كان قد غادر مصر أيام عبد الناصر وذهب إلى السعودية وأمضى سنوات فيها، ثم بعد مغادرة الإخوان المسلمين للسعودية كان نصيب القرضاوي أن يذهب إلى قطر - في المساجد والمعاهد والإعلام القطري وفي المؤسسات الاقتصادية القطرية من خلال شركات الصيرفة فوقعت كل الأعصاب الحية للدولة القطرية بما فيها الجزيرة في قبضة الإخوان المسلمين سواء الإخوان المسلمين المصريين أو القطريين الذين ثم تجنيدهم في الـ30 سنة الأخيرة في قطر منذ استقلالها".

وأضاف سعد الدين إبراهيم أن "زوجة حاكم قطر السابق كان همها الأول وصول ابنها إلى الحكم وهو كان المرشح الأول لذلك، وقال "علم الإخوان فساعدوها في ذلك، بالتالي حيدوها هي لم تقل لي ذلك ولكنها قراءتي لما حدث في ذلك الوقت".

وعلى الرغم من العلاقة الجيدة بين الشيخة موزة والدكتور سعد الدين، إلا أن مكتب الشيخة نفى في 13 مارس (آذار) من عام 2014 أن مكتبها وجه دعوة للدكتور سعد الدين إبراهيم لحضور لقاء خاص بينهما بعد حديث إعلامي مثير للجدل، وقال المكتب إن الدكتور هو من طلب اللقاء بزوجة أمير قطر السابق.

شغل سعد الدين إبراهيم مناصب حقوقية عدة منها الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكان عضواً في مجلس أمناء منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وأميناً عاماً للمجلس العربي للطفولة والتنمية، وشارك في صياغة مشروعي قانون الطفل والجمعيات والمؤسسات الأهلية. كما أنه حصل على جوائز عدة في هذا المجال منها جائزة في الدفاع عن الديمقراطية عام 2002، وهو من أبرز المعبرين عن الحرية والمطالبين بها، وخير دليل على ذلك رده عندما تعرّض للانتقاد والهجوم بسبب زيارته إلى إسرائيل ومقابلته الإخوان فقال أنا حر أقابل إسرائيليين أو إخوان.

كما شغل مناصب حقوقية عدة منها الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو مجلس أمناء "هيومن رايتس ووتش" (وسائل التواصل الاجتماعي)

وقال إبراهيم إنه شعر بنوع من القهر مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان (في يونيو/ حزيران 1982) وشعر كمثقف مع مجموعة مثقفين آخرين بالعجز.

وأضاف: "عبرت عن هذا الإحساس في كتاباتي وبدأت أدعو لانتفاضة عربية جديدة تعيد للأمة شيئاً من الكرامة والإحساس بالعزة، واستجاب لدعوتي عدد من المثقفين وبدأنا نبحث عن أي عاصمة عربية نجتمع فيها فلم نجد أي عاصمة تسمح لنا بالاجتماع، فلجأنا إلى قبرص أرض غير عربية ولكنها قريبة وعقدنا فيها مؤتمراً عن ما لحق بالعالم العربي من مآسٍ. وعدنا إلى ألف باء أولويات الإنسانية وهو الحق في أن نبكي ونصيح ونستغيث، الحق في أن نتنفس (مستشهداً بحادثة جورج فلويد الرجل الأميركي الأسود الذي قتل أخيراً على يد الشرطة الأميركية وهو يقول لا أستطيع أن أتنفس وأثار موته غضباً وتظاهرات في الولايات المتحدة الأميركية والعالم)، هذا الكلام والنقاش والحوار تم بين حوالي 100 مثقف عربي".

وتابع سعد الدين إبراهيم متحدثاً عن أن الهدف الأساسي كان المطالبة بحقوق الإنسان لأنه في ذلك الوقت كلما كانت المنظمات منها "هيومن رايتس ووتش" و"أمنيستي" تتكلم عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلدان عربية – بحسب قوله - كان دائماً يتصاعد الصوت بأن هناك مؤامرة أجنبية لتشويه العالم العربي أو لتلفيق التهم بالنظام الوطني والنظام القومي إلخ... ومن هنا أسسوا وأعلنوا ولادة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقال إبراهيم "اخترنا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان مخضرماً سياسياً مصرياً هو المرحوم فتحي رضوان وهو كان أول وزير للشأن القومي في ثورة يوليو (تموز) 1952 واختاروني أميناً عاماً للمنظمة الوليدة، وعملت من مكتبي من الجامعة الأميركية لمدة سنتين لأننا لم نستطع أن نفتح حساباً بنكياً أو نجد مكانأ لاستئجاره في ذلك الوقت ليكون مقراً للمنظمة، ثم تغير الوضع بعد عامين وتمكنا من افتتاح مقر وبقيت في الأمانة العامة للسنوات الأولى الثلاث".

وأكمل قائلاً: "الآن تمكنت الأنظمة من اختراق عدد من المنظمات بشكل غير مباشر منها أمنيستي وهيومن رايتس ووتش وغيرها وذلك من خلال التبرعات، لأنها منظمات غير حكومية ولا تتلقى مساعدات مباشرة من الحكومات، لذا تلجأ بعض الحكومات إلى الاختراق من خلال مواطنين لها يعيشون فيها أو خارجها يقدمون تبرعات بشكل مستمر، بالتالي اسمهم أصدقاء لهذه المنظمات أو أعضاء في مجالس إدارتها ويستطيعون القول بأن لديهم ملاحظات على أي أمر والتعليق على "تجاوز" المؤسسة برأيهم لحدود معينة في التعامل مع بلد معين".

وتابع شارحاً عن خرق المنظمات من خلال التبرعات أن "هيومن رايتس ووتش" أو "أمنستي" أو غيرها من المنظمات لا تقبل المساعدات من الحكومات. ولكن يأتي رجل أعمال معروفاً بأنه متعاطف مع حقوق الإنسان يتبرع سنوياً بمبلغ معين وفي نهاية السنة المالية ترجع المنظمة لكبار المتبرعين ويقول المتبرع أنه متابع للتقارير وله ملاحظات نقدية مثلاً لأنها لم تراع الضوابط ويطلب تفسيراً قبل كتابة "شيك" العام المقبل. ويختم عن هذه النقطة "هكذا يتم التدخل إن وجد على رغم أنني لا أملك أي دليل مادي على ذلك".

وأردف إبراهيم عن هذه النقطة "هناك مقولة (أطعم الفم تستحي العين)، فحينما يكون المتبرع كريماً مع هذه المنظمات يكون هناك على الأقل حذر في اتهام الدولة أو الجهة المتبرعة، ويكون اللوم خفيفاً كالضرب على اليد من دون ألم أو ضرب الحبيب".

على رغم أنه كان من أعضاء مجلس أمناء منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلا أن الدكتور سعد الدين إبراهيم عبّر أكثر من مرة عن استيائه من سوء أداء المنظمة لعملها – وروى هنا تفاصيل وجوب تعامل المنظمات مع الدول والعكس، وما تعلّمه خلال فترة تدريب دامت 3 شهور في لندن مع منظمة "أمنستي انترناشونال" وكيف التمس عدم تطبيق أصول العمل لاحقاً - وعدم صدقية وشفافية تقاريرها، وكان أحد انتقاداته مرتبطاً بتقرير فض اعتصام رابعة العدوية في مصر عام 2014، الذي برأيه خدم مصالح الإخوان المسلمين. وعلى هامش مواقفه الرابطة بين المنظمة والإخوان وما ذكر سابقاً في اللقاء سألته إن كانت قطر من ممولي "هيومن رايتس ووتش" فأجاب سعد الدين إبراهيم "نعم".

واتخذ الحديث مجراه في الإطار نفسه، وعند ذكر الاتهامات التي تواجهها قطر بتمويل المنظمة وارتباط الأمر باستضافة مونديال (كأس العالم) 2022، وظروف العمالة الآسيوية هناك على وجه التحديد، والحوادث التي يتعرض لها العاملون في تجهيز الملاعب والبلاد لاستقبال الحدث الكروي قال إبراهيم، إن "استضافة المونديال بالنسبة لقطر حالياً مهم جداً وقد يفعلوا أي شيء كي لا يتم إلغاؤه أو تحصل مقاطعة كبيرة له من الاتحاد الدولي لكرة القدم".

ورأى سعد الدين إبراهيم، أن قطر على استعداد للقيام بأي شيء للمحافظة على استقبال بطولة كأس العالم في كرة القدم عام 2022 (غيتي)

الجدير ذكره، أثناء وجوده في قطر وعمله كمستشار للشيخة موزة التمس سعد الدين إبراهيم الظروف السيئة للعمالة الأجنبية هناك، وفي تلك الفترة بدأت المنظمات الحقوقية بالإشارة إلى الأمر، فذهب شخصياً وزار بعض المواقع، ويقول إن أوضاع العمال هناك كانت سيئة وكانوا يعيشون في غرفة واحدة وجوازات سفرهم موجودة مع الكفيل القطري.

وأضاف إبراهيم أنه قدم النصح للأسرة الحاكمة حينذاك بالرد على المنظمات وعدم إنكار هذه الظروف، ويتابع "قلت لهم أن يقوموا باستقصاء الحالة وأشرت عليهم بطريقة التعامل مع منظمة هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشونال".

يشار إلى أنه أسهم بتعديل ظروف العمال عموماً في قطر وكانت في حينها الحكومة القطرية - دائماً بحسب إبراهيم - تقول إنها ليست من يرتكب هذه المخالفات بل هم أصحاب أعمال قطريون، فطرح فكرة إنشاء منظمة حقوقية قطرية للرقابة على القطريين أنفسهم وكان جزءاً من مؤسسيها.

كما اختبر سعد الدين إبراهيم أثناء وجوده في قطر، سوء ظروف العمال الأجانب هناك (أ ف ب).

الجدير ذكره، أن سعد الدين إبراهيم صاحب مجموعة أعمال "الملل والنحل والأعراق" التي عالج فيها القضايا العربية الأكثر حساسية وكان من ضمنها 100 صفحة خصصها عن لبنان، وأثناء إعداده لهذه الصفحات التقى بزعامات لبنانية من مختلف الطوائف ومن بينها الطائفة الشيعية ويقول، "عندما أردت لقاء الشخصية الشيعية منذ زمن أتاني السائق ليقلني وكان السائق هو حسن نصرالله". هذه قصة رواها لي سعد الدين إبراهيم أثناء الحديث عن مقابلته عام 2006 للأمين العام لـ"حزب الله"، وقال إن نصرالله هو من ذكّره بهذه القصة وكان في ذلك الوقت في حركة المحرومين (وهي حركة شيعية كانت تتألف من حركة أمل أو أفواج المقاومة اللبنانية عام 1974).

وحول الحديث عن لقائه بنصرالله، قال إبراهيم "حمّلني رسالة وقال لي يا ريت تنقل للسلطات المصرية أو السعودية أو أي سلطات عربية أخرى بأنهم إذا ساعدوني وساعدوا حزب الله سأتوقف عن التعامل مع إيران". ويتابع إبراهيم "قال لي نصرالله أيضاً، نحن في حزب الله مهمتنا هي المقاومة وفي اللحظات الحرجة لم نجد مساعدة إلا من إيران وسوريا. فسألته كيف ساعدتكم سوريا؟ فأجابني سمحت للمساعدات الإيرانية بأن تمر عبر أراضيها وأنا أقول لك إذا أي دولة عربية مستعدة لأن تقدم لنا الدعم الذي قدمته إيران وسوريا فنحن سنتوقف عن التعامل مع كلا النظامين أو كلا الحكومتين. ولم يقل لي إن هذا الكلام ممنوع من النشر".

وأضاف: "أتيت للقاء نصرالله ومعي طلابي من الجامعة الأميركية، فأخبرني المنظمون بأنه لن يقابل أحداً سواي وحدد هو الزمان والمكان".

وتابع إبراهيم: "خلال اللقاء شرح لي نصرالله أسباب عدم لقائه الطلاب وقال لي تلامذتك من الجامعة الأميركية ولا بد أن يكون بينهم أجانب وأنا لي اعتبارات أمنية واعتبارات سلامة من الكيان الأمني الخاص بي".

وأردف إبراهيم: "وكانت (وكالة الاستخبارات الأميركية) الـCIA قد أخذت الضوء الأخضر بالتخلص من نصرالله وعرض علي وقتها الخبر المنشور في صحيفة بريطانية ربما التلغراف أو التايم. وقال لي (أنا كنت أود أن أرى الشباب وأمزح وأضحك معهم فسألته هل أنت قادر على الضحك يا شيخ حسن فقال، نعم لمَ لا؟ فقلت له "وريني" فقهقه وضحك، وكان هذا اللقاء بعد حرب تموز". (حرب بين "حزب الله" وإسرائيل وقعت في يوليو 2006 واستمرت لحوالى 33 يوماً).

وأكمل: "أتوا ليأخذوني لمقابلته من الفندق واسأذنوني بأن يغطوا عيني في الطريق لضرورات أمنية، فلم أعرف أين التقيته ولكنني أعتقد أن اللقاء تم في الضاحية الجنوبية، وأغمضوا عيني أيضاً في طريق العودة".

وقال سعد الدين إبراهيم، إن اللقاء مع نصرالله كان ودياً وحدّثته عن كيفية إدارة الحرب، وكانت أسهم نصرالله بحسب إبراهيم مرتفعة في ذلك الوقت في العالم العربي إثر حرب تموز.

وحول طموحات زعامة لدى نصر الله، أجاب سعد الدين إبراهيم قائلاً: "هو من قال ذلك، وذكرني نصرالله بلقاء حدث بيني وبينه قبل 10 سنوات - والذي ذكرناه في بداية المحور - وقلت له أنني لا أذكر فقال بالطبع لن تتذكر لأنني في ذلك الوقت كنت شاباً أرتدي الجينز لم أكن أرتدي هذه الملابس ولا هذه العمامة. فسألته وما الذي حدث لك؟ فقال لي أنت تُدفع إلى القيادة والزعامة دفعاً لا تخطط لها بل هي تأتيك بحكم الأحداث والتطورات واحتياج الآخرين إلى القيادة. وهذا ما حدث بالنسبة لنا في الضاحية الجنوبية، كانت هناك أحزاب شيعية منها حركة أمل بعد أن وصلت إلى نهاية الشوط كان يجب البحث عن بديل وأنا دفعت دفعاً إلى أن أكون البديل، بالتالي لم أطلب الزعامة ولكن الزعامة جاءتني".

واستطرد إبراهيم: "اللقاء كان ودياً للغاية ودعاني إلى غداء متواضع وتناولنا الطعام معاً، وهو شخصية مختلفة عندما يخلع العمامة".

وحول التمدد الإيراني الشيعي ودور "حزب الله"، قال إبراهيم هنا، "طبعاً إيران دخلت لبنان من خلال التنظيم الشيعي أو حزب الله"، وتابع مستطرداً بما قاله له نصرالله خلال اللقاء عن أن كل ثورة في لبنان أو كل حرب أهلية في خلال القرنين السابقين ارتفعت بإحدى الطوائف إلى القيادة. وبأن الموارنة لم يكونوا دائماً القوة المهيمنة في لبنان بل هم أتوا في أعقاب حرب أهلية استمرت لحوالى 20 سنة في القرن التاسع عشر".

وتابع إبراهيم: "أعطاني نصرالله تحليلاً سوسيولوجياً أعجبني في ذلك الوقت، بأن بعد كل هزة أو اشتباكات أهلية في لبنان تختفي قوى أو زعامات وتظهر زعامات جديدة، وقال لي ونحن آخر طائفة تأخذ حقوقها.

وحول رأيه بأن الزعامة الشيعية مستمرة في لبنان حتى اليوم؟ فأجاب: "برأيي لا. هناك ما يسمى بغرور القوة Arrogance of Power، وهو ما حصل بـ "حزب الله" تحت قيادة حسن نصرالله، ومع أنه – أي نصرالله - نبّه إلى هذا وقال الله يكفينا شر الغرور، إنما غرور السلطة أحياناً يتم تدريجاً من دون أن يشعر به المغرور إلى حد أن يصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها التراجع، وبرأيي هذا ما وصل إليه "حزب الله" تحت قيادة حسن نصرالله".

وقال إبراهيم عن تراجع شعبية نصرالله "خلال آخر لقاءاتي بشخصيات لبنانية مختلفة وممثلة لجميع الطوائف في مؤتمر بواشنطن اتضح لي أن شعبية نصرالله في تناقص مستمر".

وحول دور التمدد الإيراني في ذلك، أجاب سعد الدين إبراهيم، "طبعاً، هو وإيران أصبحا وجهين لنفس العملة، بالتالي فإن جلب نفوذ إيراني إلى لبنان استعدى كل الطوائف الأخرى باستثناء الطائفة الشيعية".

ومن أبرز ما عرّض سعد الدين إبراهيم للمشكلات والانتقادات والهجوم هو زياراته إلى إسرائيل. وعندما قابل سعد الدين إبراهيم حسن نصرالله كان آتياً من إسرائيل ومعه طلابه من الجامعة الأميركية في مصر. فسألته إن كان نصرالله على علم عندما التقاه بأنه كان قادماً من إسرائيل فأجاب بالإيجاب، أضاف "قال لي نصرالله نحن نعمل في السياسة والسياسة مصالح وتوازن قوى وأشكرك على صراحتك معنا، بالتالي مقابلتنا لك هو عنوان لثقتنا بأنفسنا وأننا مستقلون في اتخاذ القرار".

وختم إبراهيم حديثه عن لبنان بقصة يقول إنها تؤلمه، وهي أنه "في خلال السنتين الماضيتين كلما حاولت دخول لبنان يتم إرجاعي من المطار لا بجوازي الأميركي ولا المصري، وقيل لي إن السبب هو "حزب الله" وسيطرته على المطار والله أعلم. وعلى رغم الاتصالات والصداقات الكثيرة لي هناك، لم يستطع أحد إدخالي، وقد أمضيت ليلتين في مطار بيروت في المرتين اللتين حاولت فيهما دخول لبنان، وبعد أخذ ورد يرفضون دخولي وأنتظر الطائرة العائدة إلى القاهرة وأعود على متنها".

لمتابعة آخر المستجدات .. انضم الآن إلى قناة "أمد للإعلام" على تليغرام .. اضغط هنا

 

اخر الأخبار