حربة النساء في حرب الاستحواذ على سيادة السلطة الفلسطينية: بين سهى وانتصار

تابعنا على:   16:30 2020-08-29

نادية حرحش

أمد/ خرجت ارملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن صمتها مؤخرا في حديث مع التلفزيون الإسرائيلي. لا بد ان خروج ارملة الرئيس الراحل الى محطة إسرائيلية ترتب عليه الكثير من الضغط، ولكنه غير مبرر، ومهما حاولنا التبرير، فلقد أطلقت على نفسها عيارا بالرأس. وربما علينا جميعا اخذ العبرة هنا، فعلى الرغم من كون ما قامت به السيدة سهى عرفات خاطئا جدا، الا انه يفسر الحالة العامة في الأراضي الفلسطينية من يأس حقيقي بما يخص دور السلطة بالحفاظ على امن المواطنين. ان تصبح إسرائيل هي ملجأ ارملة الرئيس الفلسطيني الراحل، ان عبر عن شيء، فإنه يعبر عن حجم الرعب والخوف الذي يعيشه الفلسطينيون في غياب منظومة قضائية وقانونية يمكن الرجوع اليها بنزاهة. فالحال على الأرض مرعب مع توغل الفساد والمفسدين في كل مناحي الحياة. 

عودة الى ما صرحت به السيدة سهى عرفات وتوجيه الاتهام في كل ما يجري من تهديدات على ما يبدو طالت عائلة السيدة سهى، حيث حملت المسؤولية لشخص بعينه وهو السيدة انتصار مديرة مكتب الرئيس الفلسطيني. وبدى الامر وكأنه حرب نساء. والرئيس كان بريئا وسط مؤامرة يبدو وكأن هذه السيدة هي التي تديرها. 

منذ تصريحات السيدة سهى عرفات وتهديدها بحرق الأخضر واليابس -على حد تعبيرها- إذا ما خرجت على الملأ بمذكرات الرئيس الراحل والناس تتكلم عن انتصار. من هي انتصار صار السؤال الأهم. 

كل من تعامل مع الرئاسة يعرف انتصار أبو عمارة وتأثيرها على القرارات وعلى كل ما يدور ويدار. توصف السيدة انتصار بأنها الرئيس الفعلي وان بيدها كل شيء، والاهم ان مرسوم الرئيس بشأن ديوان الرئاسة يدور حولها ولها وعنها- كما يقال أيضا-.

طبعا، تبقى الحقيقة كما نرى، وفق كلام نميمة – قيل وقال- لا نعرف عنها الا ما يخرج لنا من تهديدات الفرقاء في سلطة فتح وابتزازهم لبعض. 

لا اعرف لما عادت الى ذهني قضية ناجي العلي ورشيدة مهران التي يقال انها السبب باغتيال ناجي العلي. تخيلوا اننا تربينا على مفاهيم البطولة والشهادة والمقاومة ضد احتلال استعماري، ونستيقظ اليوم على حقائق مروعة يظهر فيها الاحتلال مجرد أداة لتصفية حسابات شخصية بين ارباب القيادة. 

وتبقى هذه القصص كذلك في عداد قصص النميمة الفلسطينية الممنوعة من التداول لأنها تمس بالرموز. وكأن القضية هي عبارة عن الرمز لا ما تحملها من واقع الحياة لشعب لا يزال يناضل من اجل التحرر من الاحتلال. وقد نرى هنا قوة الابتزاز عند التلويح بنشر الفضائح كما جرى في قضية ناجي العلي التي لوحت الحكومة البريطانية بفتحه امام العلن.

مرة أخرى نكتشف ان الشعب في واد والقيادة على مر زمانها في واد اخر. بل في عالم اخر لا يتصل بنا ولا نتخيل وجوده. وكأننا في حلم كلما طال تبين انه كابوس حقيقي. 

وهنا نجد أنفسنا مرة أخرى نقع في فخ تحميل مسؤولية الكارثة التي نعيشها على شخص ما. وعندما يكون هذا الشخص انثى تصبح الحرب أكثر اثارة وابعد عن أصلها. فنقع جميعا بالتفاصيل التي لا ترتبط بأصل المشكلة. 

اليوم صار حديثنا عن “انتصار” و “سهى”، وفي كل يوم تتجلى حقائق أكثر عن المرأتين بطريقة أكثر فضائحية لينشغل الشعب أكثر بالنساء وكيدهن واساليبهن الملتوية، ونترك طبعا أصحاب المشكلة الأصليين كأنهم هامش. 

سواء كانت السيدة انتصار هي رأس حربة الرئيس أبو مازن او كانت هي الحربة نفسها، فالقوس الذي تحتاجه الحربة هو الرئيس نفسه. فلا مكان للسيدة انتصار ونفوذها وكل ما توصف به بدون الموافقة والمباركة والدعم الكامل من الرئيس. 

يتم وصف انتصار وكأنها الوحش الكاسر المسيطر وكأن الرئيس مجرد لعبة تتحكم هي به. إذا ما كانت هذه حقيقة لم لا تترأس انتصار حركة فتح، لم تحتاج ان تختبئ وراء الرئيس بينما تستطيع هي نفسها ان تكون الرئيس. 

طبعا، انتصار جزء مهم بهذه المنظومة، ولكنها لا تتعدى كونها سكرتيرة – مع احترامي للوظائف كلها وتشديدي على أهميتها الكبيرة. ولكن السكرتير في كل مكان هو من ينفذ أوامر رئيسه بالعمل، ولا يمكن ان ينفذ امرا بلا موافقته المطلقة. وإذا ما كان الرئيس ضحية انتصار الماكرة، فأين الناس الاخرين من حوله واين عائلته؟ 

معروف – ما يقال – عن الرئيس أبو مازن انه رجل عائلة. لا يسمح بأن يقترب أحد من أبنائه وعائلته. ورأينا ما جرى مرارا وتكرارا. فاذا ما اردت ان تسقط قائدا عظيما في فتح، كل ما عليك فعله ان تدبر له مكيدة او تسجل له جملة او تنقل خبرا للرئيس بأن ذاك القائد العظيم قد ذكر أحد أبناء الرئيس او عائلته بسوء. وانتصار مهما قربت ليست الا صندوقا اسودا في هذه الطائرة الرئاسية. قيمتها تظهر فقط عند تحطيم الطائرة. ولكن الأهم هو نجاة من في الطائرة وتأمينهم، والصندوق الأسود كما أجزاء الطائرة الى حطام. فما يهم  هو داخله، لا قدرة حفاظه على نفسه. 

ولنقل ان انتصار هي الشخصية النافذة التي يتم وصفها – وهي كذلك على ما يبدو- وهي بلا شك مسؤولة وجزء من منظومة الفساد التي نعيشها، فمن يصدر الأوامر ومن ينفذ لا يختلفان عندما نضع الأمور في ترجيحات الحق والباطل، الفضيلة والرذيلة. في موضوع ديوان الرئاسة، هل المشكلة بالقرار نفسه وتفاصيل القوانين المنبثقة عنه ام المشكلة بكون انتصار صاحبة المصلحة او هي رئيس الديوان الذي نتكلم عنه؟ 

ما يتم تداوله من رمي مصائب ما نعيشه من فساد متفشي على ظهر شخص بعينه هو الكارثة، ولفتني أكثر، ولا اريد هنا، كما لا أحب الخوض في الأمور النسوية، لكن لا يمكن عدم ملاحظة ما يجري. فلو كانت انتصار منتصر هل سيكون الامر مختلفا في الهجوم؟ ان يتم تهديد او الحديث عن انتصار واخلاقها “المشبوهة” في سياق الربط بعلاقتها بالرئيس او غيره، والحديث عن بناتها وكأنه باللحظة التي يكون فيها الموضوع “انثى” تصبح الاخلاق في غيابها هي الأساس. 

انتصار مذنبة – والتهمة واضحة ومباشرة وجاهزة لكونها امرأة- في علاقتها بالرئيس. ولكن اين الرئيس؟ اليس هو المذنب الأول والاهم والاكبر فيه هذه المعادلة؟

انتصار- كما يقال- تحابي عائلتها في الوظائف، وتقوم بالسيطرة على موارد السلطة وتتحكم بالأموال المنقولة وغيرها، فهل تقوم بهذا وحدها؟ ما تقوم به من اتهامات ضدها – نميمة- لا يمكن لشخص واحد ان يقوم بها، انتصار جزء من منظومة لا يمكن ان تقوم بما تقوم به بلا موافقة كاملة من الرئيس ومع فريق كامل للقيام بكل ما يتم القيام به من اتهامات فساد. 

ولكن كيف لنا ان نفهم الفساد في عرف الرئيس الذي تحدى امام اهم المنابر الدولية بأن يكون هناك فسادا في السلطة؟

والامر نفسه على سهى عرفات. منذ ان فتحت فمها بتصريحها بشأن الامارات والهجوم عليها يخلو من اخلاقيات من يدافع عن قضية. وكأن مشكلة عرفات كانت بسهى. فلو كانت سهى بهذا القدر من المأساوية بحق عرفات، هل كنا سنراها وابنتها تعيشان في منفى؟ 

سهى كانت اول من دفعت ضريبة الفساد التي انشأها رئيس السلطة الأول. منظومة يتكلم عنها كل من يعايش ويعاصر ويتعامل مع “فتح” في إدارة كل شيء واي شيء. وما جرى بسهى سيحل بانتصار وعائلة الرئيس الحالي بلحظة غيابه، ولن يكون لهم وسط القيادة الجديدة مكان. لأن القيادة هي نفسها، تعيد تشكيل نفسها بنفس النهج والأدوات. بالنهج العرفاتي الذي يتم التفاخر به على السنة الكبار في فتح جميعهم، وكأن أبو مازن يختلف في شيء. 

المشكلة ليست في انتصار ولم تكن يوما في سهى وان كانتا جزء من المشكلة. المشكلة بالمنظومة المشكلة للقيادة الفلسطينية التي لا تتغير وتزداد سوء وقبحا مع مرور الزمن. 

انتصار وسهى ـ على سبيل المثال لا الحصر- تشكلان كما غيرهما من كل ربيب في السلطة ما نراه ونعرفه ونسمع عنه ونعيشه من منظومة ترتزق على السلطة ويكبر ليرى بنفسه القائد المفدى.

وان قلنا اننا نعيش في زمن لم يعد للحقيقة الا ان تتكشف وسط أدوات التكنولوجيا الحديثة، فهذا لا يغير شيئا الا مرارة شعورنا، لأن النظام الحاكم للقيادة الفلسطينية قادر على قصم الناس بين مشكك ومؤيد، ويستطيع ان يرمي في كل مرة بامرأة لتكون اضحيته. فكما تم استغلال قانون حماية المرأة واتفاقية سيداو لتجيير المجتمع في ذكوريته العارمة للالتهاء عما يجري من تمرير قوانين وتغييرات وسط قيادة تتسابق وتتزاحم وتتقاتل من اجل السطو على رئاسة قادمة، فاستخدام انتصار كأنها رأس حربة الرئاسة لا يختلف بعملية الالهاء الحاصلة. 

استخدام كل من سهى وانتصار في عملية تكسير الرؤوس الحالية من اجل التقليل او زيادة الفرص لكل من المرشحين الفرقاء بنفس الدائرة هو استمرار لما عودتنا عليه فتح.

مؤسفة حقيقتنا

اخر الأخبار