فلسطين والعمق العربي والحاجة لقراءة أخرى

تابعنا على:   18:30 2020-09-24

د. جمال خالد الفاضي

أمد/ لا شك أن ما يحدث على الساحة العربية من تطبيع ومحاولات هرولة تجاه إسرائيل يشكل حالة صادمة للشعب الفلسطيني، ويؤشر على اتجاهات خطيرة لما يمكن أن ينتج عن هذه الهرولة نحو إسرائيل، سواء تعلق ذلك بأتفاقتي التطبيع الإماراتية والبحرانية أو بموقف الجامعة العربية من القرار الفلسطيني المتعلق بالتطبيع، أو ما سبق من مواقف عربية في مجلس الأمن وكانت تجامل الموقف الأمريكي على حساب القضية الفلسطينية.
نعم، تشكل هذه المواقف تراجعاً عربياً وربما تاريخياً ومبدأياً، عما إرتكنا عليه من دعم عربي مادي ومعنوي في كل المحافل الدولية خلال عشرات السنين، والسؤال الذي يبقى ملحاً، من هو السبب وراء الظروف التي تآكلت فيها ثوابت القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي وغير الرسمي العربي؟. ولماذا تحولت القضية الفلسطينية من قضية العرب الأولى إلى قضية تحتاج فيها اليوم إلى تأكيد هذه الثوابت؟ وهل يمكن لنا كفلسطينيين التأثير في السياسات الدولية دون العرب؟. وهل يمكننا تشبيك تحالفات وعلاقات وإنجاز مواقف وانتصارات في الجمعية العامة ومجلس الأمن دون العرب؟. بالتأكيد لا يمكننا تحقيق شئ بدون عمقنا العربي، وهو يشكل بعداً استراتيجياً للحالة الفلسطينية وليس عابراً يخضع لردود فعل غير محسوبة أو ارتجالية لا تقوم على حسابات الدقة والقراءة والتمحيص والخلاصات وكيفية تحويل التحديات إلى فرص يمكن من خلالها إعادة تموضع القضية الفلسطينية على أجندة البحث العربية الرسمية والشعبية.
ندرك تماماً، أن تمة متغيرات عربية، وتحولات في السياسة الدولية يتم استغلالها لتمرير مخططات الهيمنة والتمدد الإستيطاني، ونزع القضية الفلسطينية من إطارها العربي الإستراتيجي، تحتتاج إلى توظيف علم التحليل الاستراتيجي الحديث الذي يستند إلى منهجية علمية تنتمي إلى علم السياسة، وندرك تماماً أن تمة تحولات في السياسة الدولية تقود رسم معالمها فقط الولايات المتحدة، وندرك ان هذه السياسة لا تدار بالعواطف والقيم والأخلاق، وأنما بحسابات المصالح الاقتصادية والسياسية، وربما بحسابات إسرائيل كمحدد أساس في صنع طبيعة السياسة الدولية في الشرق الأوسط، ولكن الخطيئة فلسطينية قبل أن تكون عربية، فالفلسطينيون هم من أضعف منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهياكلها وبناها وقدرتها على ممارسة سلطتها الاعتبارية على المستوى الدولي، وهم من دفع السياسة الفلسطينية للإرتهان بشكل مطلق للإرادة الأمريكية في عملية التسوية منذ عام 1991، وهم من تسببت بالإنقسام الذي كسر ظهر القضية الفلسطينية وكان أحد أهم عوامل ضعف الحالة الفلسطينية، ومنع الوحدة الفلسطينية، وهم من لم يبنو مؤسسات الشعب الفلسطيني ضمن شروط الحوكمة والشفافية والعدالة والمساواة، وهم من منع إجراء انتخابات فلسطينية خلال الـــ14 عاماً الماضية، وهم من تسبب بحالة الفساد والمحسوبيات التي تمارس في السلطة الفلسطينية على حساب بناء المؤسسة القادرة على توفير عوامل الصمود لشعبها، وهم من أعلنوا أن السلام خياراً استراتيجياً وأن لابديل عنه، وهم من دفع للتخلي عن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعدم إبقائها سقفاً للمفاوضات المارثونية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهم من دفع لعدم استثمار المليارات في بناء وتدعيم الكينونة الفلسطينية على أرض فلسطين.
هل العرب من قادوا إلى تهميش الجاليات الفلسطينية في الخارج، وهم من منع العمل على تطوير الرواية والرؤية الفلسطينية، وهم من لم يهتمو بالتلاحم مع الشعوب العربية، أو الاصطفاف مع قضاياهم. ومن هو الذي سمح لبعض الدول بالتدخل في الحالة الفلسطينية، والشأن السياسي الداخلي وتعزز حالة الانقسام والفتنة.
المطلوب فعلاً فلسطينياً واعياً ومسؤول، فالإنزياح إلى أصطفافات جديدة خطأ وخطيئة تكرر وتعيد إنتاج المأزق الفلسطيني، فالسياسة هي قراءة دقيقة لكل المتغيرات بعقل منفتح وخلاق وهادئ، المطلوب عدم مقاطعة أي نظام عربي حتى وأن كان قد أخطأ بحقنا، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، ومن يترك ساحة يجد من يملئها، فلا يجوز مقاطعة مصر حتى وإن خانها موقف معنا وهي الدولة الكبيرة والفاعلة وإن أصابها حالة إعياء ضمن سياق المؤامرات التي تستهدف الأمة العربية، لا يجوز مقاطعة السعودية صاحبة الإرث الديني والاقتصادي وإن ظننا انها في طريق تغيير المعادلات مع إسرائيل، لا يجوز مقاطعة الإمارات والبحرين التي ذهبتا للتطبيع والسلام مع دولة اللا سلام وهي إسرائيل، والاستماع للقرائهم لأهداف التطبيع، لا يجوز اللعب على حالة التناقضات العربية أو الخليجية.
المطلوب، خلق حالة ثورة دبلوماسية فلسطينية والذهاب لكل دولة عربية ولومها بالوجه والحوار معها دون وسيط قد يكون اعلام مغرض، المطلوب زيارات رسمية فلسطينية لكل البلدان العربية لحمل وجهة النظر الفلسطينية في عواقب ما يدور ونحن أصحاب الخبرة في سياسات إسرائيل، المطلوب حالة تجييش شعبية عربية لمواجهة المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية والتطبيع أحد عناوينها. المطلوب قراءة مختلفة لا تبقينا رهينة التاريخ والماضي وتكرار الخطأ والإنعزال والتفكك الذاتي، المطلوب تغيير أدوات الفعل الفلسطيني بأدوات جديدة تحمل روح التحدي والمبادرة، المطلوب الإدراك أن الإنزياح شرقاً أو شمالاً أو غرباً أو جنوباً على حساب عمقنا العربي سيشكل كارثة وخطأ سيستنزف مقدرات وعوامل صمود شعبنا، المطلوب علاقات فلسطينية استراتيجية وليست علاقات عابرة. المطلوب مسافة واحدة من كل البلدان العربية، وحماية جالياتنا وعدم الاستهتار بشروط وجودها بالدول المستضيفة. المطلوب قراءة التجربة بكل ما فيها قراءة نقذية، وتحويل التحديات التي تتشكل جراء حالة التطبيع العربية مع إسرائيل إلى فرص يمكن استثمارها في صالح القضية الفلسطينية وأدوات ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من اجل الالتزام بشروط عملية السلام ومبادئها منذ مؤتمر مدريد.
المطلوب استعادة العمق العربي والحضور الأممي للقضية الفلسطينية

اخر الأخبار