الانقسام بين الماضي والحاضر

تابعنا على:   07:28 2020-10-11

خالد محمد المصري

أمد/ يبدو ان هذا الانقسام الذي استمر اكثر من ثلاثة عشر عاما ؛ أصبح في حد ذاته قضية تحتاج الى قرارات بأرقام أممية من أروقة مؤسسات الامم المتحدة ؛ سيما وأن طرفي الانقسام زاروا معظم العواصم العربية وبعض الدول الأجنبية سعيا للوصول الى اتفاق مصالحة وإنهاء الانقسام الذي جميعهم متفقين انه بغيض ومقيت ؛ وسبب رئيس في حالة الضعف والتشرذم للحالة الوطنية الفلسطينية التي ترتب عليها ضياع للحق في اقامة الدولة وحق تقرير المصير ؛ ويبدو ان البقعة المباركة كانت من ارث الخلافة العثمانية التي لا يدخلها شيطان ليفسد عليهم بنود الاتفاق ساهمت في الاتفاق بين الطرفين بدون الحاجة لأخذ أرقام قرارات من الامم المتحدة ؛ بينما دولة الاحتلال بعيدة عن أرض الخلافة العثمانية وحكومتها انذاك عندما اخذت قرارات أممية في اقامة الدولة ؛ حيث نجح الاحتلال سياسا في ثلاثة مراحل رئيسة :


1- إقامة دولة اسرائيل في عام 1948 على أساس قرار التقسيم 181 الصادر عام 1947 وهو قرار أممي ؛ استثمرته ايضا اسرائيل في قانون يهودية الدولة.

2- اتفاق اعلان المبادئ ( أوسلو) والاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي دخول ممثلين المنظمة التحرير الفلسطينية من جميع الفصائل من خارج الوطن الى الداخل وإبطال مفاعيل القوة لها ولم تعد قوة فعلية للمنظمة في مواجهة دولة الاحتلال مثلما كانت قبل.

3- دعم ومساندة الانقسام ليصبح على شكله الحالي وهو عمليا يعتبر انفصال وفق علم السياسة وعملها .
هذه المراحل الثلاثة تجعل الواحد منا يتأمل بعيدا عن التجاذبات والايديولوجيات وعقدة الفصائلية ، وبما أن
اقامة دولة اسرائيل كان بناء على قرار أممي، الذي جاء فيه بالنص اقامة دولة يهودية ودولة عربية ولم يقل دولة فلسطينية ؛ اذن من هنا بدأت حكاية التخاذل العربي والاسلامي لقبولهم نص القرار بدولة عربية وليس دولة فلسطينية ؛ وبالتالي جاءت التفسيرات المتعددة لنص القرار ، والتي ترجمتها اسرائيل على مدار سبعة عقود بعدم الاكتراث والتسويف بل وتجاهلها لكل قرارات الامم المتحدة بما فيها قرار 242 لعام 1967 وبدأت بتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي وذلك ببناء جدار الفصل العنصري والمستوطنات وشق طرق وتهويد الاراضي الى ان وصلت مسالة القدس واستطاعت من خلال الادارة الامريكية الحالية نقل سفارتها والاعتراف علنا بان مدينة القدس كاملة هي عاصمة لدولة اسرائيل ؛ علما ان القدس احتلت عام 1967 ويتضمنها قرار الانسحاب 242 وايضا قضية اللاجئين حيث القرار الواضح برقم 194 لعام 1948 كل الحكومات الاسرائيلية لم تعترف بهذا القرار باعتبار ان معظم الذين خرجوا من ديارهم عام 1948 الي داخل اراضي 1967 او الشتات قد ماتوا ومن بقى حيا سمح لهم بالعودة مع مجئ السلطة ومنهم من سمح له بالعودة تحت حالات انسانية ( لم شمل العائلة ) وعندما سئل رئيس الشعب الفلسطيني في لقاء تلفزيوني عن مدينته صفد هل تطالب بالعودة الى مدينة صفد ؟ اجاب لا يحق لي المطالبة بالعودة الى مدينة صفد لانني ملتزم باتفاق اوسلو الذي سيعطيني في النهاية اقامة دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 .اذن حسب حديثه لا داعي للمطالبة بتطبيق قرار 194.


وبالتالي ان عدم التزام الاحتلال في اقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا هو التأصيل التاريخي لهذه القرارات الدولية كما أسلفت في البداية بمباركة عربية اسلامية ؛ ولم تكن قيادة فلسطينية متماسكة وقوية منفصلة عن النظام العربي والاسلامي تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني انذاك . ومع التغيير في بنية النظام الدولي في القرن العشرين تحديدا بعد احداث 11سبتمبر الى وقتنا الحاضر ؛ والذي اصبح احادي القطب متمثل في الولايات المتحدة الامريكية ومن خلفها الاتحاد الاوروبي ومنهم اسرائيل في الشرق الاوسط ؛ وحالة الترهل والتفكك للدول العربية في المنطقة بعد ما يسمى بالربيع العربي.


مرة اخرى نشاهد اقبال الدول العربية والاسلامية على التطبيع العلني مع اسرائيل فهو القديم الجديد مع تغيير الوجوه للقادة العرب .في حين يتكرر السيناريو للقيادة الفلسطينية غير متماسك وبالتاكيد غير قوي ؛ و الانقسام والتشرذم في الحالة الفلسطينية واضح من خلال سلطتيين ونظاميين سياسيين كل نظام له برامجه الخاص به وبالمحور الذي يسانده ويدعمه . وبعد ثلاثة عشرة عاما من الضياع للأجيال الفلسطينية وحقوق شعبنا على كافة الاصعدة ؛ نشاهد طرفي الانقسام يذهبون الى أرض احد هذه المحاور تركيا ؛ بدعم قطري واستخدام ورقة المصالحة وانهاء الانقسام ؛ والعزف على لحن جديد من نوع اردوغاني تميمي يسمى الشراكة العلمانية الاسلامية ؛ فكان الذهاب الى محور قطر تركيا بناء على ان الدول العربية ابتعدت عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية باعلانها التطبيع مع اسرائيل وبالتالي ( جكر في الطهارة ) .


السؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا لا تستثمر القيادة الفلسطينية هذا التطبيع لصالح القضية؟

لماذا القيادة الفلسطينية تريد ان تستعدي كل الدول العربية؟ وهي تعلم علم اليقين ان تركيا دولة لها علاقات مع اسرائيل اقتصادية وعسكرية وسياسية على اعلى مستويات ؛ وكذلك قطر لها مكاتب تمثيل في اسرائيل( اقتصادي وسياسي) وبالمثل لاسرائيل في قطر على اعلى المستويات.

وكأن مشهد الحكم العثماني يعود لصدارة الحدث مرة اخرى لهذه القيادة الفلسطينية التي تشبه القيادة نفسها لتوليها زمام الأمور السياسية عام 1947 ، وهو نفس المحور الذي تخاذل وارتضى بنص قرار التقسيم الذي ساعد في اقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي ؛ والان انكشف التخاذل لهذا المحور الذي يريد الخلاص من الظهير العربي ودعمه للقضية الفلسطينية تحت حجة التطبيع ... برغم أن الأصل في مسألة استثمار القيادة الفلسطينية لعلاقات الدول التي ذهبت باتجاه التطبيع لصالح القضية والعمل على انتزاع الحقوق في ظل المعادلة الدولية الجديدة.

في اعتقادي ان دولة الاحتلال ليس بعيدة عن ما حدث في تركيا بين طرفي الانقسام وما سيحدث مستقبلا...؟ ؛لان الاحتلال أضعف السلطة بضربها وقصفها لكافة مؤسسات السلطة وتفكيك النظام السياسي الفلسطيني في زمن الزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي كان يطالب بحقوق شعبنا ؛ فلهذا كان لزاما على دولة الاحتلال تغيير النظام السياسي برمته ، الذي كان ضمن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ؛ والذهاب نحو نظام سياسي جديد، من خلال انتخابات كما حدث في العام 2006، ثم كان الدعم والمساندة للانقسام من المحاور الخارجية، ليكون البديل هو الانفصال التام بين شطري الوطن ، عبر استخدام نفس المحاور ( قطر وتركيا) لإشاعة أجواء المصالحة وفق شروط ومعايير تخدم أهدافها واجنداتها في المنطقة.

التقاسم وتبادل الأدوار بين عباس وحماس من بوابة الانتخابات القائمة على المحاصصة ، التي تبدأ بالتشريعية ثم الرئاسية ثم المجلس الوطني.

باعتقادي أن أسلوب المحاصصة لا يصلح لإنجاز الحياة الديمقراطية، لان هناك الكثير من المعيقات، والتي منها أن كل ما يدور جاء بناء على ردة فعل وليس ارادة حقيقية من كلا الطرفين ، لأن كل طرف له حساباته الخاصة. فالأصل في المسألة يجب ان يكون تمهيد حقيقي ذات أرضية خصبة نواة صلبة لأداء حقيقي على أرض الواقع ، التي تتجسد في اطلاق العنان للحريات العامة والخاصة ؛ واعادة الحقوق لأصحابها من رواتب واستحقاقات وعدم التمييز بين ابناء الوطن الواحد واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ؛ ومشاركة كل الفصائل والمؤسسات المجتمعية والقيادات الوازنة من ابناء شعبنا لكي ننجح جميعاً في انهاء الانقسام واستعادة الوحدة دون إكراه أو تدليس.

اخر الأخبار