العالم أخرس أمام مُعاناة الأسير ماهر الأخرس

تابعنا على:   08:32 2020-11-06

منجد صالح

أمد/ شدّ إنتباهي، قبل عدّة أيّام، قيام "حفنتين" من الرجال الشجعان، ذوي البشرة الشقراء والعيون الزرقاء، "فلسطينيّون" بالإنتماء والأداء، لكن ليسوا من ذوي العيون السوداء ولا البُنّية، لكن من ذوي العيون الزرق.

إنهم مجموعة من "الرفاق" الإيرلنديين، في فلسطين، أضربوا يوما واحدا، أربع وعشرين ساعة كاملة، أضربوا عن الطعام تضامنا مع الأسير الفذ ماهر الأخرس، الذي يُناضل بأمعائه الخاوية وباعضاء جسمه الواهنة، منذ ما يقارب من المئة يوم، ضد السجّان الظالم المُتغطرس، وضد الصمت من كافة الجهات الأربع، حيال مصيبته ومعاناته.

لقد اصبح الإضراب عن الطعام نوعا من أنواع النضال، نوعا من أنواع الإحتجاج ضدّ الظلم وضدّ القمع وضد الساديّة وضدّ ضياع الإنسانية داخل المُعتقل وخارجه.

"الرفاق"، الأصدقاء، توأم الروح، الإيرلندون كانوا روّادا وسبّاقين في "فن" ممارسة النضال والإحتجاج بالأمعاء الخاوية، وبكسرة الخبز وبملعقة الملح المُذابة في كأس من الماء.

بوبي ساندرز، المعتقل الإيرلندي الأسطورة في باستيلات الإحتلال البريطاتي لبلاده إيرلندا الشمالية بعاصمتها بلفاست، وعضو الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت، قائد الإضراب عن الطعام،قضى نحبه ثائرا مناضلا مُضربا عن الطعام عام 1981هو ومجموعة من رفاقه.

بريطانيا "العظمى" التي ما زالت تحتل إيرلندا الشمالية وعاصمتها بلفاست هي نفسها بذاتها بصفاتها "بلحمها وشحمها" وغطرستها هي أساس نكبة الشعب الفلسطيني، منذ إصدار وعد بلفور الظالم عام 1917، وحتى إصدار "صفقة القرن" الترامبية الظالمة، بتوقيع ترامب الآفل، الذي يتمسّك ويتشبّث بأنيابه بكرسي الرئاسة حتى من خلال محاولاته المُضحكة باللجوء إلى القضاء الأمريكي مدّعيا قضية غير موجودة وخصما غير مرئيّا.

لقد مرّت زهاء مئة يوم على إضراب الأسير البطل ماهر الأخرس عن الطعام إحتجاجا ومقاومة لإعتقاله الإداري "المُبهم" الغريب العجيب، الذي إبتدعته سلطات القمع والإحتلال والإعتقال الصهيونية.

الإعتقال الإداري حبس وسجن دون محاكمة ولا دلائل ولا لائحة إتّهام، وإنما إعتقالا خارج القانون، إعتقالا عشوائيّا باطلا، يستند إلى خُزعبلات وتقارير سرّية، مُختلقة، كفيلة بأن تُبقي الأسير معتقلا حتى عشر سنوات دون محاكمة ولا تهمة.

لقد إبتدع ملك ترانسيلفانيا المُلقّب ب "دراكولا" الإعدام على الخازوق، وإبتدع الألمان النازيّون القتل عن طريق أفران الغاز،وإبتدع جيش الإحتلال الإسرائيلي إعدام الشباب الفلسطينيين بدم بارد وخارج نطاق القانون، على حواجز القمع والتنكيل والقتل، بدعوى عملية طعن أو عملية دهس، حتى لو كان الجنود الإسرائيليبن في ابراجهم العالية المُحصّنة.

كما إبتدعوا الإعتقال الإداري "ماركة مُسجّلة" من إختراعهم وصناعتهم. إعتقال على مُجرّد النوايا، بناء على شكوك، إعتقال على الفكر، إعتقال الشخص بسبب تفكيره.

يعتقلون الشخص ومن ثمّ يُفتّشون عن تُهمة له، يُفتّشون عن دلائل إدانة لإدانته، وخلال ذلك فليبق في الزنزانة مُقيّدا بالأصفاد.

إسرائيل في تعاملها مع الشعب الفلسطيني الرازح تحت إحتلالها البغيض، بزّت وتفوّقت على من سبقها من قوى إستعمارية، فقد سخّرت كافة أدوات القمع المعروفة والمستحدثة على يديها من أجل تركيع الشعب الفلسطيني المكافح الصابر المرابط منذ مئة عام ويزيد.

إسرائيل هي قوّة الإحتلال الوحيدة على وجه الأرض التي ما زالت تبتكر وسائل جديدة للقمع والقتل ضد مواطنين عُزل، كما حصل مع الشاب الحقوقي المستشار في الأمن الوقائي، بلال عدنان رواجبه، الذي أعدمه جنود الإحتلال بدم بارد يوم الأربعاء الماضي وهو يقود سيارته على حاجز حوّارة الإحتلالي.

بلال عدنان رواجبة، فارس من فرسان فلسطين ترجّل عن صهوة جواده، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنّاته مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

يترجّل فارس وراء فارس وأسد وراء أسد، وحسام يتبع حُساما، ويستمرّ شلال الدم وشلال الفرسان الصناديد الجُدد على أحصنة مُجنّحة من نور، على خُطى فارس عودة وثائر حمّاد وعمر أبو ليلى، بهي الطلّة بهي الطلعة دائما.

ولكن، وفوق ذلك وعلاوة على ذلك، فقد طالب "رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية"، طالب  جيشه الإسرائيلي القاتل بضرورة أن يُعلن عن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني "منظّمة إرهابية"!!!

إسرائيل وأمريكا هما منبع الإرهاب، فقد قامتا، منذ بداية تكوينهما، على جماجم وعذابات سكان وأصحاب الأرض والبلاد الأصليين. أمريكا أبادت الهنود الحمر وأقامت نفسها على جماجمهم. وإسرائيل قامت على مجازر وقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتحاول منذ أكثر من سبعين عاما من إبادتهم وإلغاء حقوقهم الوطنية المشروعة.

لو كان ماهر الأخرس إسرائيليا أو أمريكيا في أحد سجون العالم مُحتجزا ظلما وعدوانا لقامت الدنيا ولم تقعد صراخا وإحتجاجا وفتاوى قانونية وإنسانية ودولية، على مستوى العالم أجمع، ولتمّ تحريك الأساطيل والطائرات وتدمير قلاع وحصون ومدن وبلدان من أجل إطلاق سراحة.

عندما أسر رجال المقاومة الجندي الإسرائيلي شاليط من تخوم قطاع غزّة، وللتذكير فإن رجال المقاومة قد أسروا شاليط من داخل دبابته وهو يتمنّطق برشاشه ومن بين زملائه الجنود المدججين بالسلاح، وليس بناء على تخمينات أو تهيّؤات، فإن أحدا في هذا العالم لم يبق إلا وسمع عنه وتحدّث عنه ... شاليط ... شاليط. تدخّلات ووساطات ونقاشات للإفراج عنه من قبل فرنسا وأوروبا وأمريكا ومن قبل كل من هبّ ودبّ على أديم هذه البسيطة.

وعندما تمّ إطلاق سراحة بإتفاقية تبادل دولية رعتها جمهورية مصر العربية، وعندما أصبح في بيته وبين ذويه، نكصت إسرائيل على عقبيها ونقضت عهدها وإتفاقيّتها وإغتالت الجعبري الذي سلّم بيده شاليط لإسرائيل، وأعادت إعتقال الأسرى المُفرج عنهم من الضفة الغربية بموجب الإتفاق المُلزم وزجّت بهم ثانية في السجون. ولم يتدخّل أحدا لإجبار إسرائيل بإحترام توقيعها الذي "لحسته"!!!

أما قضيّة ماهر الأخرس فتدور في أجواء مُعتمة وأمام العالم أجمع يتلوّى على سريره في المستشفى وفي المُعتقل من شدّة وقع إضرابه عن الطعام عليهكل هذه المُدّة الطويلة.

أمام محنة وظلم ماهر الأخرس، الفلسطيني المُعذّب، فإن العالم يقف مُتفرّجا أخرسا!!!

كاتب ودبلوماسي فلسطيني

اخر الأخبار