هل اقتربت الولايات المتحدة من لحظة التفكك السوفياتية ..؟!

تابعنا على:   08:58 2020-11-11

د. عبد الرحيم جاموس 

أمد/ بداية لابد من تثبيت حقيقة سياسية وتاريخية أن الكيان الصهيوني لا يختلف إثنان على أنه مشروع غربي رأسمالي امبريالي ارتبطت نشأته ووجوده واستمراريته بالحركة الرأسمالية الإمبريالية الغربية في القرن العشرين التي غزت العالم العربي فكان من أهم نتائجها وانجازاتها في المنطقة العربية ... لذا لن يتخلى عنه الغرب الرأسمالي الإمبريالي بسهولة طالما بقي قائما حتى تنتهي وظيفته التي وجد من أجلها ويؤديها في المنطقة العربية والإسلامية على السواء .. أو حتى تلحق الهزيمة بالإمبريالية والرأسمالية الغربية مباشرة أو تنهار بفعل عوامل داخلية وذاتية كما سبق وأن إنهار الإتحاد السوفياتي وتفكك بفعل العوامل الداخلية والتحديات الخارجية التي تعرض لها قبل ثلاثة عقود ... 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم متى ستصل أو ستدخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى لحظة الإنهيار الذاتي ولحظة التفكك السوفياتية تحت ضغط العوامل الداخلية وضغط العوامل والتحديات الخارجية السياسية والإقتصادية والأمنية وحتى العسكرية منها .. عندها سوف يجري التخلي عن المشروع الصهيوني ليلاقي مصيره المحتوم  .. وحينها سيهزم المشروع الصهيوني فعلا شرّ هزيمة أمام الصمود والتحدي التاريخي للشعب الفلسطيني وسينهض ويستيقظ عقب ذلك المشروع العربي الوحدوي والتنموي والنهضوي (المشروع للأمة العربية والإسلامية)، هذه الأمة التي لازالت مقطعة الأوصال ومفككة الروابط كنتيجة لما تعرضت إليه بسبب الغزو الإمبريالي الغربي لها رغم ما يجمعها من روابط ومصالح كان ولازال أكبر بكثير وأوسع مما يفرقها ويمزقها ...!

هنا يثور تساؤل هام حول تمنع وتعنت الرئيس ترامب عن رفض الإقرار بهزيمته في الإنتخابات وفي الفوز بدورة رئاسية ثانية لغاية الآن، قد يقود الولايات المتحدة إلى اللحظة السوفياتية التي قادت الإتحاد السوفياتي إلى الإنهيار والتفكك والهلاك وفقدان اجزاء مهمة من امبراطوريته وقوته ومن مناطق نفوذه التقليدية في اوروبا وغيرها ..؟

نعم لازال الرئيس ترامب وفريقه متمسكين بموقفهم من نتيجة الإنتخابات التي جرت في الرابع من نوفمبر الجاري ولم يقرُّوا بنتائجها المعلنة ورافضين الإقرار بهزيمتهم فيها مشككين في صحة وسلامة العملية الإنتخابية وما رافقها من تصويت وفرز للأصوات  والتي تمت على الأقل منها بواسطة البريد في العديد من الولايات وفي مقدمتها ولاية بنسلفانيا، وقد جهز الرئيس ترامب فريقا أو جيشا من المستشارين القانونيين والسياسيين لمواصلة معركة الفوز بدورة رئاسية ثانية من خلال القضاء والطعن في عملية التصويت وايضا في عملية فرز الأصوات وفي مجمل العملية الإنتخابية، كل ذلك من اجل تحقيق الفوز بولاية رئاسية ثانية ليكمل سياساته الفجة سواء على مستوى السياسة الداخلية والتي ابرزت وعمقت التصدعات والشروخ الإجتماعية وهزت وخلخلت  نسيج المجتمع الأمريكي ووحدته وعملت على إثارة النعرات تجاه الملونين والسود والأقليات من الأمريكيين ودفعت ببعض الولايات الغنية والكبرى منها  للتفكير جديا بالإنفصال أو زرع  ونمو بذرة الإستقلال لديها عن الإتحاد وذلك لتخفيف الأعباء المادية الكبيرة التي باتت تتحملها تجاه الولايات الأقل دخلا وتجاه السلطات الإتحادية الفدرالية ..

وكذلك على مستوى سياسته الخارجية التي جاءت متحدية لقواعد القانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية وللإتفاقات الدولية القائمة والموقعة من قبل الولايات المتحدة والإخلال بإلتزامات الدولية لها خاصة فيما يتعلق بالأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والتي تبدو تجلياتها  واضحة في معالجة الصراع العربي الإسرائيلي  والملف النووي الإيراني والموقف من اتفاقية المناخ والتحديات الأمنية والإقتصادية الدولية المختلفة من اوروبا وشرق آسيا والصين إلى الخليج العربي والشرق الأوسط بصفة عامة.

إن تمسك الرئيس ترامب بكرسي الرئاسة لدورة ثانية والعمل على تجاوز وتحطيم الأعراف والقواعد الدستورية الأمريكية المعمول بها في هذا الشأن والإنقلاب عليها سيكون له عواقب وخيمة ... سوف يدخل الولايات المتحدة في اتون حالة من الفوضى قد تقود إلى حروب أهلية داخلية تؤدي بالولايات المتحدة إلى الحالة السوفيتية من التفكك والإنهيار التي شهدها الإتحاد السوفياتي في عهد جورباتشوف ويلتسين قبل ثلاثة عقود وما نتج عنها  من ضعف وانهيار وتفكك وفقدان مناطق السيطرة والنفوذ  وخاصة في أوروبا الشرقية ومنها إنهيار حلف وارسوا ..

هل ستسمح مؤسسات الدولة العميقة للولايات المتحدة أن يواصل الرئيس ترامب التمسك بمواقفه وسياساته الفجة والرعناء الداخلية والخارجية ويعرض بها الولايات المتحدة إلى خطر الفوضى والتفكك، والتخلي عن الدور القيادي العالمي للولايات المتحدة وأن يصيبها ما اصاب الإتحاد السوفياتي في الفترة الجورباتشوفية اليلتسينية ...؟

إني أشك في ذلك، إلا اذا قد وصل التنازع بين مكونات القوى الإجتماعية والكارتلات الإقتصادية واللوبيات والقوى الخفية والمتحكمة بدورة رأس المال ونظام الحكم إلى مرحلة ألا عودة ... عندها فعلا ستحل حالة الفوضى بدل النظام على المستوى الأمريكي ومناطق نفوذ الولايات المتحدة التي انتجتها الحرب العالمية الثانية ... وهنا يصبح الكيان الصهيوني المرتبط بها في حالة من فقدان الوزن والوظيفة والتأثير ... وهو ما نتمناه ..!

الأسابيع القليلة القادمة سوف تجيب على ما طرح من تساؤلات تتعلق بمستقبل الولايات المتحدة ومستقبل الكيان الصهيوني معها وستكشف للعالم الصورة والحالة التي ستؤول إليها الولايات المتحدة ومدى تحكمها بالسياسة الدولية والنظام الدولي القائم في السنوات القادمة.  

اخر الأخبار