الترامبية لن تذهب إلى مزبلة التاريخ

تابعنا على:   11:30 2020-11-13

د. خالد رمضان عبد اللطيف

أمد/ رغم أن الفترة الوجيزة التي قضاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحكم جسدت لحظات الفوضى العارمة في العلاقات الدولية، والمواجهات الساخنة بين أقطاب السياسة والاقتصاد في العالم، وشكلت حقبة شاذة في حياة الأمريكيين، إلا أن هزيمته المدوية في الانتخابات الأخيرة، وتواصل المد الأزرق في الكونجرس القادم لن يُسدِلا الستار حتماً على "الترامبية" كفكرة مجنونة، ولن تكون الحقبة الغوغائية للرئيس الجمهوري مجرد استراحة عابرة للولايات المتحدة، فقد صوت له رقم قياسي وصل لقرابة الـ 70 مليون أمريكي، مما يعني أننا بصدد مشاهدة أكثر من نسخة لترامب خلال السنوات المقبلة.

يوحي التصويت الواسع لترامب بأن الأمريكيون لم يرفضوا الترامبية تماماً، كما كان يأمل الكثيرون من منتقديه، في الوقت الذي أثبت فيه الملياردير المهزوم الذي يفتقد المؤهلات السياسية، أنه لا يُعير الدستور الأمريكي أي اهتمام، ولا يكترث باستقرار بلاده ورفاهيتها، فهو لا يهتم إلا بنفسه، ويتمسك بتلابيب السلطة، ويصيح عبر تويتر بتزوير العملية الانتخابية، بينما لا يوجد دليل يدعم كلامه المرسل، ولا شك أن تشكيكه المستمر في المؤسسات الفيدرالية والنظام الانتخابي جعل من الولايات المتحدة أضحوكة الأمم، وقوة عظمى ممزقة من الداخل، وهز من ثقة الشعب الأمريكي في الديمقراطية.

تكشف نتائج الانتخابات الأخيرة عن حقيقة مؤكدة وهي أن الترامبية لن تنجرف حتماً إلى مزبلة التاريخ، بل ستبقى في كل ركن من أركان المجتمع الأمريكي، وستظل تيارًا قويًّا وفاعلاً في السياسة الأمريكية، ومن الواضح أن نزعة ترامب الراديكالية إزاء القومية المفرطة عبر شعاره الأثير "أميركا أولاً"، وتبنِّيه بلا ندم للأساليب المثيرة للانقسام الأيدلوجي، اكتسبت زخمًا ودعمًا هائلًا من مؤيديه المتحمسين.

يقيناً، فإن الترامبية قادرة على التحكم في سياسات اليمين المتطرف خلال السنوات القادمة، وربما تصبح النسخة الأمريكية من البيرونية الجديدة، وهي حركة سياسية تزعمها الرئيس الأرجنتيني السابق خوان بيرون (1895-1974) أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي؛ وقد شكلت تلك المجموعة حشدًا مكثفًا واستقطابًا هائلًا في أوساط الشعب الأرجنتيني، ورغم أنها لم تكن دائمًا في السلطة إلا أنها لم تختف أبدًا، وهكذا يمكن أن نتوقع نموذجاً قريباً للترامبية في الولايات المتحدة.

تمثل الفوضى الراهنة دليلاً دامغاً على تراجع النموذج الأمريكي، وهذا يعني الكثير لدولة كبيرة ميزتها عقود من الانتقال السلمي للسلطة، مما أسهم في نشر أعرافها الديمقراطية في العديد من الدول، وعندما وصف الرئيس بايدن الانتخابات الرئاسية بأنها معركة من أجل استعادة الروح الأمريكية، فكأنه كان يُلْمِح إلى عدم ملائمة ترامب للمنصب، وقد بدا ذلك جليًّا بفشله الذريع في إدارة أزمة فيروس كورونا الذي أودى بحياة ألاف الأمريكيين، وانتهاجه لاستراتيجية العنصرية، وإهاناته المتكررة التي وجهها إلى النظام الديمقراطي.

بطبيعة الحال، يجب أن يدفعنا تصويت الـ 70 مليون لترامب واستعدادهم لقضاء أربع سنوات أخرى تحت عهدته إلى إعادة التفكير في مُسلَّماتنا السياسية والفكرية إزاء المجتمع الأمريكي، فالتربة التي أنبتت رئيساً غريب الأطوار مثل ترامب لم تزل موجودة، ونهجه وأفكاره لن تختفي من الساحة السياسية، ما سيجعل مهمة الرئيس بايدن صعبة في إعادة توحيد البلاد، وربما يقدم الجمهوريون مرشحًا آخر شبيهًا به بعد أربع سنوات من الآن، وقد صرح ليندسي جراهام رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأنه يشجع ترامب على الترشح لانتخابات ٢٠٢٤، بل إن الديمقراطيين أنفسهم يمكن أن يكون بينهم ترامب.

كلمات دلالية

اخر الأخبار