عن إعلان الاستقلال الفلسطيني

تابعنا على:   08:12 2020-11-16

نهاد أبو غوش

أمد/ تمثل ذكرى إعلان الاستقلال فرصة للتوقف أمام ما تحقق وما لم يتحقق من هذا الإعلان، ولماذا لم يتحقق وكيف يمكن مواصلة العمل لإنجاز أهداف هذا الإعلان الذي لم يكن مجرد وثيقة سياسية، بل هو أقرب إلى الوثيقة الدستورية التي ترسم أهداف النضال الوطني الفلسطيني وطبيعة المجتمع الذي يصبو الفلسطينيون إلى بنائه.

ومن المؤسف حقا أن هذه الذكرى باتت تمثل مناسبة روتينية رتيبة، تعطل فيها الدوائر الرسمية أعمالها، ويجد فيها المحبطون فرصة للسخرية من المناسبة والمحتفلين فيها، ليذكروننا من دون كبير جهد بأننا ما زلنا تحت الاحتلال، وأن هذا الاحتلال البغيض ما زال يتحكم في أرضنا وسمائنا وخبزنا ومائنا، لكن السؤال الذي يحتاج فعلا إلى بذل جهد واجتهاد، ما دام الحديث يتصل بالاستقلال والسيادة، هو سؤال : هل يتحكم الاحتلال في إرادتنا الوطنية وخياراتنا السياسية؟

لا جديد في القول أن 32 عاما مرت على إعلان الاستقلال في الجزائر من دون أن ننجز الاستقلال السياسي فعلا، وأن أقصى ما تم خلال هذه الفترة هو قيام سلطة حكم ذاتي محدود، وعودة قيادة الشعب الفلسطيني من الخارج ومعها عشرات آلاف الكوادر، مع استمرار التمسك بهدف الدولة المستقلة، في وجه كل محاولات تصفية القضية والحقوق الوطنية وآخرها صفقة ترامب – نتنياهو المعروفة بصفقة القرن.

صحيح أنه مرت 32 عاما على إعلان الاستقلال دون أن نلمس استقلالا حقيقيا، وهي فترة طويلة فعلا، ولد ونشأ فيها جيل جديد، جيل ليس مطلا بالضرورة على ظروف إعلان الاستقلال وملابساته إلا من زاوية الاطلاع الثقافي والمعرفي، ولكن سوف يكون من الظلم الفادح أن ننسب العجز في تحقيق الاستقلال للظروف والعوامل الذاتية فقط، وهذا الظلم ليس للأشخاص والقيادات فقط، بل للتاريخ وللحقيقة وحتى لأهدافنا الوطنية، لأنه ينم عن جهل كبير بطبيعة القضية الوطنية الفلسطينية وإنكار أو تجاهل مقصود للعوامل الموضوعية المؤثرة فيها، ولموازين القوى في هذا الصراع الممتد منذ أكثر من قرن، وعلى الأغلب سوف يستمر لسنوات وربما عقود طويلة قادمة.

إعلان الاستقلال الفلسطيني لم يكن قرارا إداريا لهيئة قيادية ما، ولا هو مجرد إعلان عن رغبات وأمنيات، لكنه يعبر عن اجتياز عتبة ومرحلة، انتقل فيها النضال الفلسطيني من التبشير المجرد بالأهداف الوطنية العامة، إلى التحديد الملموس، السياسي والقانوني لهذه الأهداف، ووضعها في الإطار المناسب لها من اطر الشرعية الدولية.

ولا يضير إعلان الاستقلال، الاعتراف بوجود الأخطاء والمشكلات  الذاتية الناجمة عن أوهام وحسابات خاطئة، أو مصالح ذاتية وفئوية، وهذه الأخطاء ما تزال تلقي بظلالها على القضية الوطنية في كل يوم، ونجد تعبيراتها  في استمرار الانقسام، وفي نمط إدارة الشأن الوطني والداخلي، لكنها ليست ولم تكن العائق الأهم في طريق تحقيق الاستقلال الناجز، حيث التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي، وأهمية دولة إسرائيل في الحسابات الكونية لهذا التحالف كانت وما زالت هي العقبة الكأداء أمام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .

إعلان الاستقلال مثل لحظة تاريخية مهمة وفارقة، تجسدت في الأثر الهائل الذي منحته الانتفاضة الأولى للنضال الوطني الفلسطيني، ووحدة القوى الفلسطينية الرئيسية على برنامج الاستقلال، وتكامل نضال الشعب الفلسطيني في الشتات مع نضالهم في الوطن سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في الداخل المحتل عام 1948 مع النهوض الوطني الكبير، وإعلاء الهوية الوطنية الفلسطينية لجماهير يوم الأرض وتماثلها مع باقي أبناء شعبها.

وكما جاء في الإعلان " إن الانتفاضة الشعبية الكبرى، المتصاعدة في الأرض المحتلة مع الصمود الأسطوري في المخيمات داخل وخارج الوطن، قد رفع الإدراك الإنساني بالحقيقة الفلسطينية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الاستيعاب والنضج، وأسدلت ستار الختام على مرحلة كاملة من التزييف ومن خمول الضمير، وحاصرت العقلية الإسرائيلية الرسمية التي أدمنت الاحتكام إلى الخرافة والإرهاب في نفيها الوجود الفلسطيني.

 مع الانتفاضة، وبالتراكم الثوري النضالي لكل مواقع الثورة يبلغ الزمن الفلسطيني أحدى لحظات الانعطاف التاريخي الحادة وليؤكد الشعب العربي الفلسطيني مرة أخرى حقوقه الثابتة وممارستها فوق أرضه الفلسطينية".

إذن توّج إعلان الاستقلال مسيرة كفاحية معبدة بتضحيات آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين، ومثل نقطة انطلاق نحو آفاق جديدة بانتزاع الاعتراف الدولي بحق تقرير المصير للفلسطينيين بدولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهو ما مثل الأساس القانوني لعديد القرارات الأممية الصادرة بعد هذا الإعلان، كما مثل بديلا يملكه الفلسطينيون في محاولات الانتقاص من حقوقهم كما جرى في صفقة ترامب نتنياهو.

ولعل ما يسيء إلى هذا الإعلان ودلالاته الرمزية هو تجاهل دلالاته الكفاحية، والاكتفاء بشكلياته البروتوكولية، مثل ما يحيط بالمسؤولين من مظاهر استعلاء وألقاب التفخيم السخيفة، والامتيازات والنفوذ السلطوي، بينما يرزح شعبهم تحت أقسى ظروف المعيشة والمعاناة من الاحتلال وممارساته، وهي صورة منفرة بالغة الضرر تسيء إلى هدف النضال من أجل الدولة والاستقلال الفعلي.

ولإعلان الاستقلال الفلسطيني قيمة دستورية وقانونية وحضارية يحق للفلسطينيين أن يعتزوا ويتمسكوا بها، ويشهروها في وجه كل محاولات الانتقاص من حقوقهم وآدميتهم، ومحاولات جرّهم إلى الخلف، فإعلان الاستقلال يتحدث عن دولة تصان فيها الحقوق والحريات، وتتحقق فيها المساواة، وتسود فيها قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية " إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون.

إن دولة فلسطين دولة عربية هي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، من تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة.."

 

اخر الأخبار