الانقسام يخدم أبو مازن فقط

تابعنا على:   10:01 2020-11-24

أسامة سعد

أمد/ فازت كتلة التغير والإصلاح الممثلة لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت العام 2006 فوزاً كاسحاً، فقد حصلت على نسبة 60% من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني البالغة 132 مقعدا، أدى هذا الفوز بطبيعة الحال إلى وجود حالة من عدم الانسجام في قيادة المشرع الوطني الذي أصبح يمثل مشروعين متنافرين، فرئيس السلطة محمود عباس يتبنى مشروع التسوية السياسية كخيار وحيد في مواجهة الاحتلال، أما حركة حماس التي أصبحت تسيطر على المجلس التشريعي فتتبنى خيار المقاومة المسلحة، بكل ما تعنيه المقاومة من انقلاب على مشرع التسوية السياسية، الذي يعتمد على التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة، من أجل ضرب مقومات أي عمل فلسطيني مقاوم باعتباره إرهاباً.

غداة فوز حركة حماس بالانتخابات تداعى الجميع من أجل وضع قواسم مشتركة قد تجمع النقيضين، وتوافق المجموع الوطني على اعتماد وثيقة الأسرى كأرضية مشتركة للعمل السياسي الذي سيجمع بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، اللتين تمثلان التيارين الفلسطينيين الأكبرين "فتح وحماس".

مما لا شك فيه أن فوز حركة حماس قيد كثيراً حركة أبو مازن السياسية، فلم يعد أبو مازن المتحكم والمتصرف الوحيد بالشأن الفلسطيني سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فوجود مجلس تشريعي قوي انبثقت عنه حكومة برئاسة رئيس حركة حماس في غزة، جعل أبو مازن كرئيس للسلطة أحد قطبين، يفرض الواقع العملي عليه أن ينسق مع القطب الأخر، الذي يمثله إسماعيل هنية في كل ما هو مقدم عليه من تحركات سياسية  على الصعيد الخارجي، أما على الصعيد الداخلي فكانت إدارة الجهاز الحكومي كلها مهمة حصرية للحكومة التي يرأسها هنية، باستثناء ما للرئيس من صلاحيات تنفيذية محدودة نص عليها القانون الأساسي.

خلال عام مر على تشكيل الحكومة العاشرة برئاسة هنية وتقيد حركة أبي مازن السياسية، لم يستطع هذا الائتلاف ان يتناغم او يتساوق مع بعضه، فعلى صعيد الميدان الداخلي، كانت حركة فتح ما تزال لم تسلم بنتائج الانتخابات، وكان التواصل شبه مقطوع بين المستوى السياسي للعمل الحكومي الذي تمثله حركة حماس والمستوى الإداري " الدولة العميقة" الذي تمثله حركة فتح، أدى ذلك إلى تفاقم الأمور بشكل كبير حتى وصل حد الانقسام السياسي، الذي لم تفلح حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بعد اتفاق مكة في منعه.

بعد حدوث الانقسام تحلل أبو مازن عملياً من كل القيود التي فرضها عليه فوز حركة حماس، وأصبح يتحرك بحرية تامة وفقاً لما يدور في عقله وما يقدمه له مستشاروه من مقترحات، بمعزل عن أي إطار قيادي رسمي أو شرعي، وبذلك أقدم أبو مازن على توسيع نطاق التنسيق الأمني حتى جعل من الضفة أرضاً مستباحة بالكامل للاحتلال وقضى على كل فرصة لممارسة عمل مقاوم فيها.

أما على صعيد العمل السياسي فمارس أبو مازن عمله بكل حرية ودنما أي قيد، سواء من مؤسسات رسمية أو قوى فصائلية، ومرد ذلك إلى أن المؤسسة الرسمية التي يمكن أن يكون لها دور في مراقبة السلطة التنفيذية وهي المجلس التشريعي تم تهميشه إلى حد التعطيل،  وأما القوى والفصائل، فانقسمت بين فصائل تنضوي تحت مظلة منظمة التحرير وغالبيتها فصائل صغيره ليس لها أي تأثير في القرار السياسي، وكل همها هو الحصول على بعض من المخصصات المالية التي تحفظ لها بقاءها كإسم على خارطة العمل السياسي الفلسطيني، وأما القسم الأخر من الفصائل وهو ما عرف "بفصائل المقاومة"  انعدم تأثيرها السياسي بواقع الانفصال والانقسام على المستويين الجغرافي والسياسي، فعلى المستوى الجغرافي وجود أبي مازن في الضفة التي يسيطر عليها الاحتلال من جهة وحكومته من جهة أخرى جعل من خلال التنسيق الأمني تأثير حركات المقاومة هناك منعدماً، وصنفت حركات المقاومة كحركات "محظورة" حتى على صعيد العمل الطلابي، وفي غزة أصبح تأثير حركات المقاومة معدوماً كذلك، بفعل الحصار السياسي والمالي والميداني الذي فرض عليها عقب الانقسام، وأصبح كل ما يمكن لها أن تقوم به مجرد إصدار بيانات شجب وإدانة للحظوات السياسية التي يقدم عليها أبو مازن، رغم أنها أثرت في مستقيل الشعب الفلسطيني  استراتيجياً. 

هذا الواقع الذي تبلور جعل أبو مازن يمتلك القرار السياسي والمالي والأمني والإداري، وكذلك امتلك قوة التشريع التي سلبها من المجلس التشريعي الذي عطله، زاعماً أنه يمارس حقّه "كرئيس" استنادا لنص المادة (43) من القانون الأساسي، وهو ما يعرف ""بتشريعات الضرورة" رغم انتهاء ولايته منذ العام 2009م.

خلال ثلاثة عشر عاماً من الانقسام شكل أبو مازن سبع حكومات دونما اعتبار لصلاحية المجلس التشريعي بمنح الثقة للحكومات المنصوص عليه في القانون الأساسي، وكذلك أصدر حوالي ثلاثمائة قانون، وأصدر مئات قرارات التعين لموظفين كبار ورؤساء سلطات ومؤسسات.

لقد جعل الانقسام من أبي مازن "ملكاً متوجاً" من خلال الصلاحيات الهائلة التي امتلكها، لذلك أصبح مفهوم سبب التعطيل الغير مبرر لكل محاولات رأب الصدع وتحقيق الوحدة الوطنية، فما الذي يجعل أبا مازن يتخلى عن كل هذه الصلاحيات؟ ليعود مرة أخرى مقيداً بتفاهمات مع شريك له في الحكم، مناقض له في التوجيهات والأفكار، ينازعه الصلاحيات والسلطات.

انفراد أبي مازن خلال فترة الثلاثة عشر عاماً بكل هذه الصلاحيات والسلطات (الهائلة)، كون حوله مجموعة من البطانة السيئة التي جملت له كل قبيح، وحسنت له سيئ، ومع مضي الوقت أصبحت هذه البطانة هي التي تتحكم في مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني، ورغم ذلك لا زال الخطاب الذي يصدر عن هذه البطانة يلصق يقوى المقاومة، تهم التشبث بالانقسام وإقامة دولة غزة الظلامية وما إلى ذلك من مصطلحات مل المواطن الفلسطيني سماعها.

بعد مضى ثلاثة عشر عاماً على هذه الحالة "الغير مسبوقة " لابد من وضع حد لهذا الاستفراد الذي يمارسه أبو مازن وبطانته، ومنعها من الالتفاف على المطلب الشعبي والفصائلي بإنهاء الانقسام، والذي توج أخيراً بإعادة العلاقات مع الاحتلال وعلى رأسها التنسيق الأمني، أملاً بغيوم قادمة من ناحية البيت الأبيض يظن أبو مازن أنها ستمطر في فلسطين.

كلمات دلالية

اخر الأخبار