الإعلام الصهيوني وتزييف الوعي العربي ...!

تابعنا على:   21:00 2020-11-27

د. عبد الرحيم جاموس

أمد/ الإعلام الصهيوني يعمل وفق رؤيا إعلامية إستراتيجية، تستهدف تسويق (المستعمرة الإسرائيلية) لدى العالم ولدى المحيط العربي، أنها دولة ديمقراطية طبيعية ونموذج يقتدى بها، تكتسب مشروعيتها من ادعاءاتها الأسطورية باعتبار أرض فلسطين (أرض الميعاد التي وعدَّ الربُ بها بني إسرائيل) ويلحق بذلك ادعاء تاريخي مزيف بأن فلسطين هي أرض اليهود منذ أكثر من ألفي سنة وأنهم أقاموا فيها دولتهم قبل التشتت والتشرد، لمنح نفسها مشروعية اغتصاب فلسطين، يأتي السند الأخير في أحقية (دولة إسرائيل) بالنشوء إلى الدور الاستعماري الغربي الذي اعتمد قيام هذا الكيان في إقليم فلسطين وعمل لتنفيذه وفق احتياجاته الإستراتيجية في الهيمنة على المنطقة العربية، فاستغلت الدول الاستعمارية هيمنتها وقوتها على النظام الدولي الذي فرض عقب الحرب العالمية الأولى (عصبة الأمم) وعقب الحرب العالمية الثانية (الأمم المتحدة) واستصدار القرارات التي تسبغ مشروعية قانونية في حقيقتها باطلة وظالمة في منح هذا الكيان شهادة ميلاد فوق أرض فلسطين. 

هذه هي مرتكزات الإعلام الصهيوني في تسويق مشروعيته، ومن ثم تقديم نفسه على أنه يمثل التعويض الأخلاقي عما لحق اليهود من اضطهاد تاريخي وخاصة في أوروبا على يد النازية والحركات اللاسامية ... دون النظر لما يخلفه هذا الحل للمسألة اليهودية من مأساة للشعب الفلسطيني لا تقل مأساة عن مأساة ضحايا النازية والاضطهاد الأوروبي لليهود عبر التاريخ ...! 

هذا الكيان هو نتاج وإفراز استعماري استيطاني عدواني من الحركة الاستعمارية الغربية التي استهدفت فلسطين وبلاد العرب منذ مطلع القرن العشرين، ووجوده واستمراره سيبقى مرتبطاً بأهداف وغايات ورغبات المصالح الغربية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ...! 

في سياق جدلية الصراع العربي الإسرائيلي، يسعى الإعلام الصهيوني إلى إحداث اختراقات للوعي وللموقف العربي على المستوى الرسمي والشعبي، الجمعي والفردي، بهدف دمج نفسه في المنطقة العربية وفرض القبول به ليس كمجرد أمر واقع بفعل القوة والاغتصاب، وإنما من خلال إمكانية نسج علاقات مختلفة سياسية واقتصادية وأمنية مع الدول العربية وشعوبها (التطبيع) سواء بموجب ما اطلق عليه اتفاقات السلام مع بعض الدول العربية أو دون ذلك من اتصالات وتوافقات. 

لذا لا يتورع الإعلام الصهيوني عن خلق الشائعات وفبركة الأخبار والأحداث، عن تسارع نمو علاقاته مع العديد من الدول العربية والتي لا ترتبط معه حتى باتفاقات سلام، فيتبجح رئيس وزرائه نتنياهو أن فترات حكمه قد شهدت نمواً كبيراً في علاقات الكيان مع الدول العربية أملتها المصالح المشتركة مثل (اتفاقات ابرام) الموقعة  مع كل من الإمارات العربية والبحرين والسودان هادفاً إلى تصفية وعزل القضية العربية الفلسطينية عن محيطها العربي وبالتالي اعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية قُطرية لا تهم سوى الفلسطينيين فقط دون غيرهم من العرب والمسلمين والمسيحيين، وهذه تمثل غاية أساسية وإستراتيجية للإعلام والسياسة الإسرائيلية في استهداف تزييف الوعي لدى الإنسان العربي. 

بناء عليه فإن أجهزة الإعلام الصهيونية المختلفة تخدم هذه الرؤيا الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ويتناقل بعض العرب ما تبثه في بعض وسائل إعلامها دون إدراك لعدم مصداقيتها ودون إدراك لخطورتها في  زرع بذور الشك والفتنة بين الشعوب العربية وخلق حالة من الإحباط لدى الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، لأجل التسليم بإملاءات الكيان الصهيوني ورعاته بالصيغ الظالمة الهادفة إنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي وفي جوهره القضية الفلسطينية، رغم المواقف العربية الواضحة التي تبلورت في قرارات الجامعة العربية على مستوى القمم المتتابعة وعلى مستوى بيانات الدول العربية بشكل فردي والتي  خرجت عليها فعلا بعض الدول  تحت وطأة ظروفها الخاصة من جهة والضغوط الامريكية التي تتعرض لها من جهة أخرى، والأخطر من ذلك يكمن في تساوق بعض الكتاب والصحفيين واشباه الكتاب والمثقفين مع هذه الإستراتيجيات الصهيونية والتي قد بدأت تنشط في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتسويق رؤى الكيان الصهيوني المختلفة بشأن تزوير وتزييف الحقائق التاريخية والسياسية والقانونية وحتى الدينية منها المتعلقة بالصراع وبالقضية الفلسطينية أرضا وشعبا وقيادة دون وازع من خلق أو ضمير يردع أمثال هؤلاء المتساقطين والمتسلمين للرؤيا الصهيونية الكاذبة والتي اخذوا بالتنظير والترويج لها في الوسط العربي ممثلة هذه الظاهرة المخزية حالة خطيرة من حالات الاختراق للوعي وللعقل العربي يتباها به قادة الكيان الصهيوني ... 

إن الإعلام الصهيوني سيواصل سياساته الهادفة إلى غزو العقل وتزييف الوعي العربي وسيستمر في زرع بذور الشك في ثبات المواقف العربية من خلال ما يبث من إعلام كاذب ومضخم، لابد من التعامل معه بكامل الحيطة والحذر واليقظة والعمل على تفويت الفرصة عليه من تحقيق أهدافه وغاياته في تزييف العقل والوعي العربي والرَّد عليه وعلى المتهافتين والمتساوقين من العرب مع ادعاءاتها الكاذبة ... بالحقائق العلمية الدامغة تاريخيا واجتماعيا وسياسيا وقانونيا ودينيا... 

رغم كل هذه السياسات التي يتبعها الكيان الصهيوني ورغم تردي الوضع العربي بصفة عامة وبعض اختراقاته التي انجزها، سيبقى كيانا استعماريا استيطانيا فاشلا وعابرا ومرفوضا ولن يكتب له النجاح، لأن فلسطين التي يستهدفها فيها شعب واعي وحضاري وجزء لا يتجزأ من أمة كبيرة وعريقة لها حضارتها وثقافتها غير القابلة للاندثار أو الزوال أو الانكسار أمام جبروت ومغريات وضلالات وتزويرات الحركة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية وفلسطين ليست مثل أمريكا القديمة ولا نيوزيلاند أو استراليا القديمتين، تلك الدول والأقاليم التي استطاعت المشاريع الاستعمارية الاستيطانية الأوروبية فيها، أن تتغلب على السكان الأصليين فيها بشتى الوسائل الجهنمية وأن تكسر ارادتهم وحضارتهم وثقافتهم وتهزمهم شر هزيمة، وأن تقيم على انقاض تلك الشعوب وحضاراتها وثقافاتها دولا استيطانية تعد ناجحة وأن تدمج وتلحق ما تبقى من المواطنين الأصليين لتلك الدول والشعوب في كياناتها الجديدة، وهذا ما يؤكده يوميا الصمود الأسطوري الذي يسطره الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية في رفض هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العابر والمارق  والذي يسير بخطى حثيثة نحو تطبيق نموذج  النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري الفاشل والبائد في جنوب القارة الإفريقية والذي فشل فشلا ذريعا في تأسيس دولة استيطانية عنصرية ناجحة حيث بقيت الشعوب الإفريقية رافضة له حتى سقط وتم زواله .. يضاف إلى ذلك المشروع الاستعماري الفرنسي للجزائر والذي كان ايضا قائما على فلسفة الضم والاستيطان واعتبار الجزائر امتدادا للدولة الفرنسية والذي أفشله صمود ونضال وكفاح الشعب الجزائري الشقيق على مدى أزيد من مئة وثلاثين عاما طوال.. 

فالكيان الصهيوني يسير على خطى تطبيق نموذج النظام العنصري الاستيطاني الفاشل والبائد في كل من جنوب افريقيا كما الجزائر. 

وهنا أتذكر شعاراتنا أثناء ثورة الجزائر (غصبن عنك يا ديغول الجزائر عربية) ... فعلينا أن نقول اليوم (غصبن عن الصهيونية فلسطين ستبقى عربية). 

من هنا نؤكد على ضرورة مواجهة هذا المشروع وسياساته بمختلف الوسائل الممكنة.. حتى يلاقي مصيره المحتوم والمحكوم عليه بالفشل الذريع. 

اخر الأخبار