تركي الفيصل

تابعنا على:   14:35 2020-12-07

بكر أبوبكر

أمد/ ذكرنا كثيرًا أن التسلل الدعائي الصهيوني الأملس قد وصل أعماق عديد من الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب، وهم أولئك الذين أدمنوا الهزيمة والذلة والخنوع، ونظّروا للهزيمة كما لم يمتنعوا عن إعلان فشلهم وسقوط أمتهم-سقوطهم هم بالحقيقة-على الملأ في حالة انبهار بالغربي والصهيوني، وفي حالة ضحالة بادية وانحسار فكري وردة ثقافية مقيتة.

وكثيرا ما تواجهنا وتصادمنا مع هذه الفئة الانعزالية التي رأت بأحضان الصهيوني دفء العقرب أو ملاسة جلد الثعبان التي ظنوها نعومة سرعان ما تنقلب عليهم وعلى زعمائهم وبلادهم وبالا عظيما.

وإن كان الحديث عن الانعزاليين العرب يحتاج لمقارعة الحجة بالحجة مما فعلناه مع هؤلاء الذين أنهارت قيمهم تحت ضغط سلطانهم أو سلطان ملوكهم وعروشهم ومصالحهم الزائلة، فإنه بالمقابل تجد من القادة أولئك الذين ما زالوا على الدرب القويم سائرون وترى من المثقفين ومن المفكرين والاعلاميين الذين يأبون بيع ضمائرهم لأي كان، وهنا تتجلى عظمة الأمة والقيم الحضارية الجامعة التي لا تشترى ولا تباع.

نحن قد ننبهر حيث تتحدث صحافة الإسرائيلي عن شخص، ونُعلي من شأن ما تقوله وكأنه حقيقة كاملة بلا باطل!؟ رغم أن السمة الأساسية التي تميز الاعلام الإسرائيلي وخاصة الحكومي واليميني الإرهابي هي الدعائية والتضليل والاجتزاء بذكر أنصاف الحقائق، وبتشويهها، وبالايحاء، وبالتمويه على الدوافع، وبتخير الوقت الضار لمتلقي الرسالة، وخاصة العربي والمسلم البسيط، بما يلقي في نفسه العجز والوهن وهو ما فعلته الدعائية الصهيونية في مواقف كثيرة ضد عديد القادة أوالسياسيين أو المثقفين العرب، وضد مواقف الكثيرين ممن لا يتساوقون معها.
ونحن عامة بدلا من أن نتلقف الخبرالصهيوني بعين فاحصة ننظر له بعين الترحاب! ما حذرنا منه مرارًا، فالسم يوضع بالدسم عندهم بكل سهولة، وتغيير كلمة أو حرف أو فاصلة من مكانها ترفع أقواما وتخفض آخرين، وتُعلي من قدر أناس وتطيح بالآخرين.

وخلاصة القول هنا أن الانعزاليين العرب ممن تحلّلوا من عبء رسالة أمتهم وقيمها، ولبسوا رداء الصهيونية الاملس قد أسفروا عن وجوههم الكالحة، وعلينا مواجهة رسالتهم المضللة بالحقائق، والدعوة لهم بالهداية، ولمن غرق منهم بالرذيلة فشعوبهم أولى بهم.

وفي المقابل فإن نشر ودعم والترحيب بالمواقف الصامدة والواضحة والقوية في مواجهة الخطر الصهيوني هو من واجباتنا، وتظل فلسطين هي البوصلة وهي المرجعية.
اليوم تقوم الدعاية والاعلام الصهيوني الموجّه وعدد من صُناعِهِ بشن الهجمات على كل دول الخليج بكل الأشكال ويكاد يطال بشكل أساسي الكويت والسعودية، وبما أن فلسطين هي المقياس لدى المناضلين وأحرار الأمة والعالم وهي البوصلة فإن من يقف معها نزكّيه، ومن يضعها وراء ظهره نقول له سلاما.

الامير تركي الفيصل -وغيره من الساسية العرب-تحدث في مواقف عديدة فيما نتفق اونختلف فيه، وله رأيه وهذا شأنه، وفي الاختلاف رحابة ونظرة من زوايا متباينة وفي الاختلاف الديمقراطي محاولة للحوار والتقارب وليس محاولة للتجريح والتباعد ما يجب ان يكون أساس أي حوار، لذا فإننا حين نختلف نتعاون وحين نتفق نتعاون، لأن جامعنا رسالية وحضارية وديمومة هذه الأمة عبر الاقتراب. والى ذلك فحين نختلف لا نفسق ولا نفجر وحين تتقارب المواقف أو تتفق لا ندير الظهر ونظل متمسكين بالخلاف.

ما دفعني لهذا المقال هو الحديث الصريح للأمير تركي الفيصل في مواجهة الصلف الصهيوني بالأمس في حوار المنامة 2020 في البحرين، حيث كرر-بشكل مفاجيء للبعض- توضيح حقيقة "إسرائيل" مدعية الديمقراطية، والعنصرية والاحتلالية والاستعمارية مما أوضحه-وبغض النظر عن الدوافع التي قد يتفنن الكثيرون بإعطائها بُعدًا تشكيكياً- هو توجيه رسالة جليّة تؤكد تمسك العرب بمبادرة السلام العربية التي هي وليس غيرها مفتاح السلام في المنطقة بما يعني استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني تحت الاحتلال وبما يعني أن التطبيع العربي هو التالي وليس هو البداية، ما يجب على الجميع فهمه في سياق عروبي وحضاري، وما يجب فهمه عدم الانهيار امام الإسرائيلي والارتماء في أحضانه مطلقا حتى حين تطبيق المبادرة ذاتها.

حديث الفيصل إذ يأتي في مثل هذا الظرف الذي انصرف فيه الانعزاليون عن فلسطين، فهو حديث مهم قد نقره جميعًا أي أولئك الذين اتفقوا مع مواقفه السابقة أواختلفوا معها، وأن يأتي منه وبمثل هذا الوقت فله كل التحية والاحترام ولمن يمثله الأمير بمثل هذه المواقف، وبالعموم أيضا.

كلمات دلالية

اخر الأخبار