ساحةُ حرب من نوعٍ آخر..

أطباء وممرضون يكشفون عبر "أمد" أسرار وخفايا مأساة "كورونا" في غزة

تابعنا على:   19:02 2020-12-27

أمد/ غزة - صافيناز اللوح : حرب بلا نيران، ودخان بلا صواريخ، أشعلت القلوب حزناً وهدمت خلايا الجهاز التنفسي من موضعها، لتصبح الأرواح أحياء مع وقف التنفيذ بسبب فايروس اقتحم الأجساد دون استئذان، ليرقد الطبيب قبل المواطن على أسرة المستشفيات أموات ينتظرون ورقة الوفاة.

سبعة أطباء من قطاع غزة، رحلوا من الحياة بعد صراع مع مرض "كورونا" الذي أودى بحياتهم، أثناء تواجدهم وسط مصابي هذا الفيروس الخطير في مستشفيات قطاع غزة منهم ،" الدكتور حرب رضوان، الدكتور مجدي عياد ، الدكتور محمد نعمان أبو هربيد، الدكتور عادل السيد أبو احمد ،ناهيكَ عن9 مئات الإصابات بين الطواقم الطبية التي لم تسلم من أذية هذا الفيروس.

"أمد للإعلام" تحدث مع أطباء وممرضين وحكماء لمعرفة المعاناة التي يواجهونها في ظل انتشار فايروس كورونا بشكل متسارع في المجتمع الغزي.

الحكيم الجامعي "محمود سعد الدربي"، من مستشفى الوبائيات – مستشفى غزة الأوروبي جنوب قطاع غزة، ويعمل منذ بداية شهر أكتوبر بعد تعافيه من اصابته بفيروس كورونا لمدة 18ساعة يومياً يقول الدربي لـ"أمد للإعلام"، تمر الساعات وكأنها أيام عندما تكون طبيباً بين 13 حالة موصولة بأجهزة تقييم نسبة الأكسجين، وجميع هذه الأجهزة تصدر صوت انذار لعدم وجود مريض معدل أكسجينهُ طبيعياً على خلاف المرضى الآخرين.

وأضاف الدربي، بعيداً عن الخوف من العدوى فالمكان مزدحم بالضغط النفسي أكثر من الخوف على حياتنا.

" شيء يفوق الوصف "، هذا ما أكده الطبيب الذي يعمل داخل مستشفى الأوبئة " الأوروبي " ،كل ما يسيطر على عقولنا جميعا تساؤل وحيد هو هل تمت إصابتي بهذا الفيروس نتيجة مخالطتنا للمصابين وخاصة المخطرين بإصابتهم بهذا المرض.

الممرض حسين رأفت ظاهر 33 عاماً من جهاز الدفاع المدني، قسم الطوارئ والذي يعمل بشكل دائم حتى في ظل الاغلاقات الشاملة، بالإضافة للعمل بنظام الحجر الصحي الاحترازي.

يقول الممرض ظاهر لـ"أمد للإعلام"، إن اتساع الخارطة الوبائية يشكل ضغط على العمل بسبب ارتفاع عدد المنازل المحجورين وسكانها المصابين بفيروس كورونا، نتيجة قلة الوعي لدى المواطنيين خاصة أثناء تعاملنا الميداني معهم".

ومن جهتها أكدت الممرضة سماهر ظاهر البالغة من العمر 24 عاماً تعمل في مستشفى الأهلي العربي ومتطوعة في الهلال الأحمر الفلسطيني والتي تحدثت لـ"أمد" قائلةً، إنها "واجهت مشكلة مع عامة الشعب بالخوف والحظر من التعامل معها بشكل شخصي بذريعة انها موبوءة نتيجة عملها داخل مستشفيات قطاع غزة في ظل تفشي فيروس كورونا، ناهيك عن الخوف الكبير من عائلتي لتعرضي للإصابة بهذا الفيروس.

الحكيمة وعد أبو جامع 23 عاماً، والتي تحدثت عن النفسية المتعبة من المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة بسبب عملها بين مصابين بفيروس كورونا المعدي، فنظرة المجتمع للأطباء والعاملين في مجال الصحة نظرة سلبية للغاية بالنسبة لها

وأضافت أنها تواجه متاعب كثيرة خلال عملها في مستشفى الأوبئة "الأوروبي ".

المتطوعة ميساء عارف العر22 عاماً متطوعة في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أكدت أنها تواجه متاعب كثيرة من عدم تقبل الناس للبس الكمامة واستهتارهم في ظل انتشار هذا الفيروس وطالبت الممرضة ميساء من المواطنين تقدير جهود الأطباء والعاملين في مجال الصحة على ما يبذلونه من أجل سلامتهم " .

ساحة حرب من نوع آخر

هكذا وصف الطبيب محمود مستشفيات قطاع غزة التي يعمل بها الأطباء والممرضين في ظل تفشي الفيروس الذي لا يوجد علاج له حتى هذه اللحظة، قائلاً " هي ساحة حرب من نوع آخر تصارع الزمن لأجل إبقاء المرضى على قيد الحياة ".

ويضيف، " من الممكن أن يكون مريض أو اثنين أو ثلاثة أو حتى أكثر قد تسوء حالتهم بنفس اللحظة فيستنجدون بك بكل شيء كي تنقذ حياتهم وتوصل أرواحهم بأجهزة الأكسجين ليعودوا قليلاً إلى الحياة ولو ببصيص أمل " .

وأكد، "نحن ملائكة رحمة وطوق نجاة أطلقوا علينا اسم " الجيش الأبيض " لنقوم بإنقاذ حياة المرضى، فجميعهم لا يتجرؤون على أن يقوموا بأبسط المهام كتناول الطعام او تبديل الملابس أو قضاء حاجتهم بدون أنبوب الأكسجين المرافق لهم مثل ساعة اليد ، وهناك من لا يستطيع حتى وإن رافقه ".

أصيب الطبيب أحد جنود الجيش الأبيض بفيروس كورونا عندما عمل بحالات الحجر العادي مع القادمين في معبر رفح ، حيث انتقلت العدوى إليه خلال تواجده في عمله بـ مستشفى الصداق التركي بالجامعة الإسلامية ، في منطقة المغراقة وسط قطاع غزة ، وذلك بعد عودته إلى المنزل ليتم الإعلان عن اصابته وحجره من تاريخ 10/9-21/9 ، لمدة أسبوعين على التوالي فعاد مرة أخرى لمواصلة عمله بين الوبائيات".

وتحدث الطبيب عن المشاهد المؤلمة لما رأته عينه أثناء عمله في ظل تفشي كورونا قائلاً شاهدت صبية رافقت والدتها في قسم الوبائيات في مستشفى الأوروبي وكان والدها أيضاً متواجداً في غرفة العناية المكثفة لتفقد الاثنين معاٍ في شهرٍ واحد فجميعها أوجاع لا تنسى ".

أما الممرض " حسين الذي تحدث عن مأساة عائلة بأكملها في مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مكونة من 150 شخصاً في بناية مكونة من ثلاثة طوابق بوضع إنساني صعب حيث كانت الإصابات بهذا الفيروس تتوالى من داخل البناية كل أسبوع .

ومن جهتها أوضحت الممرضة ظاهر، أنها تعرضت خلال ذهابها إلى عملها في مستشفى الأهلي بغزة لمواجهة امرأة بيرة تعاني من اعراض كورونا تجلس بجانبها داخل السيارة رغم ارتدائها للكمامة فبدأت بطرح أسئلة عليها للتأكد إن كانت مصابة أو لا بهذا الفيروس ، وعندما قلت لها إنها أعراض كورونا تفاجأت بتوقف السيارة ونزول كافة الركاب والسائق من داخلها فصرخ السائق بوجهي دون إعطائي فرصة الاتصال على وزارة الصحة لفحصها وتم انزالنا من السيارة وـجرينا فحوصات فكانت النتيجة إيجابية لها وسلبية لي.

مخاوف ومتاعب

وقال الطبيب الذي يعمل في قسم الوبائيات في مستشفى الأوروبي، إن عائلته وزوجته يخافون دائماً على حياتي، وعلى أنفسهم أيضاً من الإصابة بهذا الفيروس الخطير، ولكنني أعمل في مهنة أخلاقية ودينية فيجب أن أؤدي عملي بأمانة "

رسائل وردية وأخرى عتابية

وفي رسالته للأطباء والحكماء والممرضين طالب الممرض " الدربي " منهم جميعا ً الثبات في مهنتهم وأن يخلصوا النية في عملهم لإنقاذ أرواح المرضى والمصابين ، متمنياً لهم السلامة التامة ، فيما وجه رسالته للمواطنين بأن يكونا على قدر من المسؤولية من خلال اتباع إجراءات الوقاية والسلامة والابتعاد عن الاستهتار والسخرية من أكذوبة كورونا لأنها حقيقية وواقعية وإن لم تؤخذ على محمل الجد ؛ فسيسقط الجميع مضيفاً رسلته للمسؤولين زيادة الرقابة والتتبع للمتهاونين ومروجي الاشاعات أولاً ، وثانياً أن يصرفوا بقدر من الإمكان مكافأت للعاملين في مجال الصحة الذين يتصدوا لهذه الجائحة وسقط منهم الكثير ضحايا معركة كوفيد 19.

وفي السياق ذاته وجه الممرض " ظاهر " رسالته للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة قائلاً " الوعي ثم الوعي ثم الوعي "، فيما وجه رسالته للأطباء قائلاً، " كل الاحترام لجهودكم أنتم صمام الأمان، وبرسالته الأخيرة للمسؤولين قائلاً، " المواطن أمانة في أعناقكم ".

وتساءلت الممرضة "نسرين، رسالتها للمواطن قائلةً ألم تقتنع حتى الآن بوجود هذا الفيروس ؟!، ألم يحن الوقت لحماية نفسك وعائلتك بالتزامك بيتك حفاظاً عليهم، فيما وجهت رسالتها للأطباء قائلةً انتبه واحمي نفسك أكثر من ذلك، وقدمت رسالتها للمسؤولين مؤكدةً حاولوا الوصول لجميع العائلات المستورة والمحجورة وانتبهوا لهم جيدا ً في ظل هذه الأزمة الكارثية التي يمر بها المجتمع ".

المرضة ميساء توجه في ذات الشأن رسالتها للأطباء بتأدية مهنتهم بكل أمانة لمستعدة المرضى على التعافي واعطائهم العلاج كاملاً والمحافظة على خصوصياتهم، كما طالبت من المواطنين الالتزام بالتعليمات والحفاظ على سلامتهم وسلامة أبنائهم والوقاية من هذا الفيروس الخطير، فيما وجهت رسالتها للمسؤولين لتأدية واجبهم كاملاً، وتفقد الأشخاص الغير قادرين على توفير بعض حاجياتهم الأساسية أثناء فترة الحجر الصحي " فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

ويبقى السؤال المطروح، هل سنفقد الكثير من الأطباء وسط الحاجة إلي عقولهم لإنقاذ حياة وأرواح المصابين من هذا الفايروس.

اخر الأخبار